جُودة دحمان: أسلاك التربية تدقّ ناقوس الخطر وتحذّر من تصعيد قد يصل إلى مقاطعة الامتحانات    ويتكوف يكشف موعد المرحلة الثانية من اتفاق غزة    تركيا ترسل الصندوق الأسود لطائرة الحداد إلى دولة محايدة    طقس اليوم: ارتفاع في درجات الحرارة    ترامب مهاجما معارضيه في التهنئة: عيد ميلاد سعيد للجميع بما في ذلك حثالة اليسار    رئيس الجمهوريّة يؤكد على ضرورة المرور إلى السرعة القصوى في كافّة المجالات    كوريا الشمالية تندد بدخول غواصة نووية أمريكية إلى كوريا الجنوبية    فوز المرشح المدعوم من ترامب بالانتخابات الرئاسية في هندوراس    تطوير خدمات الطفولة المبكرة محور لقاء وزيرة الأسرة ورئيسة غرفة رياض الأطفال    فاطمة المسدي تنفي توجيه مراسلة لرئيس الجمهورية في شكل وشاية بزميلها أحمد السعيداني    الفنيون يتحدّثون ل «الشروق» عن فوز المنتخب .. بداية واعدة.. الامتياز للمجبري والسّخيري والقادم أصعب    أمل حمام سوسة .. بن عمارة أمام تحدّ كبير    تحت شعار «إهدي تونسي» 50 حرفيّا يؤثّثون أروقة معرض هدايا آخر السنة    قيرواني .. نعم    كأس إفريقيا للأمم – المغرب 2025: المنتخب الإيفواري يفوز على نظيره الموزمبيقي بهدف دون رد    الغاء كافة الرحلات المبرمجة لبقية اليوم بين صفاقس وقرقنة..    نجاح عمليات الأولى من نوعها في تونس لجراحة الكُلى والبروستاتا بالروبوت    الإطاحة بشبكة لترويج الأقراص المخدّرة في القصرين..#خبر_عاجل    مناظرة 2019: الستاغ تنشر نتائج أولية وتدعو دفعة جديدة لتكوين الملفات    كأس افريقيا للأمم 2025 : المنتخب الجزائري يفوز على نظيره السوداني    الليلة: الحرارة تترواح بين 4 و12 درجة    هيئة السلامة الصحية تحجز حوالي 21 طنا من المواد غير الآمنة وتغلق 8 محلات خلال حملات بمناسبة رأس السنة الميلادية    من الاستِشْراق إلى الاستِعْراب: الحالة الإيطالية    عاجل : وفاة الفنان والمخرج الفلسطيني محمد بكري    بابا نويل يشدّ في'' المهاجرين غير الشرعيين'' في أمريكا: شنوا الحكاية ؟    تونس 2026: خطوات عملية لتعزيز السيادة الطاقية مع الحفاظ على الأمان الاجتماعي    الديوانة تكشف عن حصيلة المحجوز من المخدرات خلال شهري نوفمبر وديسمبر    في الدورة الأولى لأيام قرقنة للصناعات التقليدية : الجزيرة تستحضر البحر وتحول الحرف الأصيلة إلى مشاريع تنموية    القصور: انطلاق المهرجان الجهوي للحكواتي في دورته الثانية    عاجل: بعد فوز البارح تونس تصعد مركزين في تصنيف فيفا    زلزال بقوة 1ر6 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    عدّيت ''كوموند'' و وصلتك فيها غشّة؟: البائع ينجّم يوصل للسجن    تزامنا مع العطلة المدرسية: سلسلة من الفعاليات الثقافية والعروض المسرحية بعدد من القاعات    قفصة: إصدار 3 قرارات هدم لبنانيات آيلة للسقوط بالمدينه العتيقة    عاجل/ بعد وصول سلالة جديدة من "القريب" إلى تونس: خبير فيروسات يحذر التونسيين وينبه..    قائمة سوداء لأدوية "خطيرة" تثير القلق..ما القصة..؟!    حليب تونس يرجع: ألبان سيدي بوعلي تعود للنشاط قريبًا!    هام/ المركز الفني للبطاطا و القنارية ينتدب..    عاجل: هذا موعد الليالي البيض في تونس...كل الي يلزمك تعرفه    قابس: أيام قرطاج السينمائية في الجهات ايام 25 و26 و27 ديسمبر الجاري بدارالثقافة غنوش    عركة كبيرة بين فريال يوسف و نادية الجندي ...شنوا الحكاية ؟    درجة الحرارة تهبط...والجسم ينهار: كيفاش تُسعف شخص في الشتاء    هذا هو أحسن وقت للفطور لخفض الكوليسترول    عاجل: تغييرات مرورية على الطريق الجهوية 22 في اتجاه المروج والحمامات..التفاصيل    صفاقس: تركيز محطة لشحن السيارات الكهربائية بالمعهد العالي للتصرف الصناعي    تونس: حين تحدّد الدولة سعر زيت الزيتون وتضحّي بالفلاحين    بول بوت: أوغندا افتقدت الروح القتالية أمام تونس في كأس إفريقيا    مع بداية العام الجديد.. 6عادات يومية بسيطة تجعلك أكثر نجاحا    عاجل/ العثور على الصندوق الأسود للطائرة اللّيبيّة المنكوبة..    اتصالات تونس تطلق حملتها المؤسسية الوطنية تحت عنوان توانسة في الدم    عاجل: اصابة هذا اللّاعب من المنتخب    وزارة التجهيز تنفي خبر انهيار ''قنطرة'' في لاكانيا    عاجل/ قضية وفاة الجيلاني الدبوسي: تطورات جديدة..    كأس الأمم الإفريقية المغرب 2025: برنامج مباريات اليوم والقنوات الناقلة..#خبر_عاجل    دعاء السنة الجديدة لنفسي...أفضل دعاء لاستقبال العام الجديد    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    في رجب: أفضل الأدعية اليومية لي لازم تقراها    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السجن خلق مني كاتبا
جلبار نقاش في لقاء مع «الشعب»: نعاني في تونس مشكلة خطيرة هي مشكلة فقدان الذاكرة
نشر في الشعب يوم 07 - 03 - 2009

شهدت الايام القليلة الماضية صدور كتاب جديد لجلبار نقاش المناضل اليساري المعروف الذي عرف ظلمات السجن بين سنتي 1968 1979، وحمل هذا الكتاب عنوانا موحيا هو: «ماذا فعلت بشبابك؟ مسار معارض لنظام بورقيبة (1954 1979) متبوع بحكايات من السجن» () ويأتي هذا الكتاب ليلقي اضواء على فترة حرجة من حياة الكاتب ومن تاريخ بلدنا بأسلوب سلس وشيق يحمل الكثير من الحرارة والعاطفية.
ويأتي هذا الكتاب ليكون الثالث بعد أن اصدر جلبار نقاش رواية «صفاء» (Cristal) في أوائل الثمانينات و «السماء فوق السطح (Le Ciel est par - dessus le toit) وهي مجموعة قصصية وقصائد سجنية.
وقد حاورنا جلبار نقاش حول الظروف الحافة بكتابة مؤلفه الجديد وتطرقنا معه الى بعض القضايا التي لها مساس بالظروف الذاتية والموضوعية التي شكلت هذا الاثر الادبي، كما تحدثنا معه عن مشاريعه المستقبلية، فكان الحديث التالي:
في هذه الفترة التي حددتها لكتابك كان السجن هو المهيمن بحيث يمكن ان نقول انه شكل المحور المركزي للكتاب... فهل يمكن ان نقول انه يندرج بامتياز في اطار ادب السجون؟
السجن لم يكن سوى جزء من شبابي. ان ما يطبع الشباب هو تشكل الطبع والشخصية وخلق قاعدة للمعرفة وطريقة فهم العالم، وقد كان السجن جزءا من هذا التشكل العام ليس الا... قبل السجن كانت هناك تجربة كاملة في مجال الحياة السياسية والاجتماعية، كانت فيها فكرة السجن مُغيّبة او مستبعدة، على الاقل، في تلك المرحلة كان ذاك الشاب الذي كُنتُهُ مَدْعُوَا في الاساس للاستعداد لتحمل دوره في عالم السياسة ومحاولة ادارك كيفية تحمل هذا الدور في هذا المسار الذي يشهده بلدي. لقد كنت أسعى، اذن لادراك ما يحدث والنظر في كيفية الاندماج فيه بسرعة، او على العكس، القطيعة الاكثر وضوحا وجلاء معه.
وكان السجن بالطبع نتيجة لقطيعة كانت في الحقيقة، قد حدثت من الطرفين.
كنا نحن باعتبارنا مناضلين شبانا لدينا مطالبنا ومشاريعنا للبلد قد قطعنا مع من يمسكون بمقاليد السلطة ولا يستعملونها لصالح البلد، وقطيعة من جانب من يمسكون مع من لا يستطيعون القبول بوجود تصور يختلف مع تصورهم.
اذن، لم يكن السجن او بمعنى اخر، القمع سوى الشكل الذي اتخذته القطيعة في هذا المسار.
لو اتيحت لك ان تعيش مرة اخرى هذه الفترة التاريخية التي عشتها، هل كنت ستعيد فعل كل شيء مثل المرة الاولى او تسلك طريقا اخر؟
لا أدري... ان من الصعب جدا الحديث في هذا الموضوع... في ظرف ما يمكن للمرء ان يفكر احيانا وقد فكرت مثل كل الناس ان ما ارتكبته من اخطاء او بعض الخيارات الخاطئة لو كان بيدي ان اعيدها أولا اعيدها فسوف لن اعيدها، ولكني اعتقد الآن ان كل ما فعلته من حسن او سيئ مما لست مقتنعا به كل الاقتناع ولكنني أتحمله كليا. كل هذا كان يندرج في الحقيقة ضمن خيارات تبنيتها او نتيجة للظروف التي تحققت فيها تلك الخيارات، اذن يمكن لك ان تقول انه لو عاد الزمن الى الوراء فسوف لن اعيد هذا الخطإ او ذاك، ولكنني لا اعتقد ان هذا ممكن، اذ لو عشنا نفس الظروف مرة اخرى فسوف نعيد نفس الاخطاء مجددا، ذلك ان ما فعلناه هو نيتجة مسار انخرطنا فيه... اقول اذن انني لست نادما على شيء وانني سوف اسلك نفس الطريق مرة اخرى لو كان علي ان اعيد التجربة.
لقد كانت أياما صعبة حقا ولكن... ألا تشعر بشيء من الحنين الى تلك الايام رغم ما فيها من آلام؟
نعم... لقد ذكرت في كتابي في القسم الثاني المتعلق برواية ما حدث في السجن، في الحياة السجنية لا يوجد الحزن فقط والاشياء الصعبة لقد عملت على اظهار هذا الانطباع المزدوج بحياة تتسم بالتضامن الكبير والصدام وفترات من السعادة ايضا. على كل ربما لا تكون هذه المرحلة من حياتنا هي الاكثر سعادة مثلما يقول عز الدين الحزي ولكنها ليست الاكثر تعاسة.
لقد عرفنا الصداقة والرفاقية والاختلاط بين الأجيال وتمكنا من تجاوز بعض الاتفاقات التي كان يخيل الينا انها حيوية ولكنها لم تكن كذلك، من اجل ان نعيش معا، لقد ساد التضامن حتى بين من كان يعتقد انهم مناهضون لبعضهم الى حد كبير، وهذا ما لم يحظ بمعرفته عديد الناس وان كان هذا لا يعني انه يجب الذهاب الى السجن لكي يعيش المرء هذه السعادة المستمدة من هذه التجربة.
لقد خرجت من السجن كاتبا، هل حوّلك السجن الى كاتب، أم تعتبر نفسك كاتبا مرّ بتجربة السجن، هل كانت الكتابة مهربا لك من السجن أم ان السجن كان تعلة للكتابة؟
لقد نزلت عليّ الكتابة دون ان اسعى اليها... لقد لجأت اليها لانه لم يكن لدي ما افعله لقد كان من الصعب جدا امضاء 18 ساعة في اليوم دون قراءة ودون عمل اي شيء...! لقد كانت الكتابة اذن وسيلة لتمضية الوقت، وكانت ايضا، في البداية، نوعا من العلاج، علاج الجراح الداخلية التي جاءت نتيجة للانقطاع عن الاصدقاء لاسباب سياسية وكانت الكتابة في البداية، محاولة لتخيل حياة هؤلاء الاصدقاء ومن كان يمكن ان يكون في علاقة معهم، اي طريقة لتجاوز كل ما يدفع في اتجاه ادانتهم او التباكي او لومهم على اتخاذهم هذا الموقف او ذاك، وكانت الكتابة ايضا وسيلة للفهم، او لمحاولة الفهم، فعندما نفهم يصبح كل شيء اكثر سهولة، هذه كانت البداية، ثم ان الكتابة كانت اساسا مشروعا افتراضيا للحوار، لقد كنت اكتب وانا افكر في بعض الافراد، كنت اكتب وانا اتخيل الشخص المعني وهو يبتسم او يكشر او يتفاعل، انها طريقة لكي اكون مع الناس حتى ولو لم اكن معهم.
ربما تكون الكتابة نوعا من الهروب من الوضع ولكن هذا لم يكن عملا واعيا، اي ان المسألة ليست في الارتماء في الكتابة لكي لا يشعر المرء بأنه في السجن بل ان الامر يتعلق بالاحتفاظ بخيط الاتصال مع الاصدقاء وبمن نعرف عبر الكتابة، لهذا شكلت المراسلات جزءا مهما من الكتابة، وهنا كانت توجد العديد من الحدود فاذا كانت كتابة قصة او رواية او اي عمل ادبي يمكن ان تنتظر فان كتابة مراسلة لا تكون الا مباشرة. عندما نتلقى رسالة نحاول الرد عليها مباشرة بحيث كنا نواجه مشكلة مزدوجة: تلقي الرسائل وامكانية الاجابة عنها، اي الاجابة بعدد من الصفحات تتجاوز الصفحات الاربع التي كنا نستطيع كتابتها في المرسلات الاسبوعية التي كنا نبعث بها عن طريق الادارة. وان نخاطب الناس دون المرور بالرقابة الادارية الرسمية.
في قرءاتك السجنية، هل تذكر أيّا منها كان الاقرب الى نفسك... هل تذكر نصا كنت تتمنى ان تكون انت كاتبه مثلا؟
لم يحصل لي هذا الشعور في السجن... بل بعده حيث شعرت بشيء من «الغيرة»، وودت لو انني انا كاتب رواية رشيد ميموني التي عنوانها : «تومبيزا» (Tombéza) انها عمل ادبي كبير يجمع بين حكاية احداث عادية جدا بطريقة دقيقة ولكن دون اصدار احكام مع الكشف التدريجي لوضع اجتماعي كامل. «تومبيزا» هي رواية عاش كاتبها الاستقلال وما بعد الاستقلال في الجزائر في دوائر السلطة وهي الرواية التي تروي ايضا كيفية مصادرة بعض الاشخاص للاستقلال بالاعتماد على ثقة الاخرين وحماسهم، ان هذه الرواية تتحدث عن تونس ايضا بشكل ما... لهذا اردت كتابة هذه الرواية. وفي السجن واجهت اشياء كانت تمنعني من الكتابة مثل رواية «يوم من ايام ايفان دينيسوفيتش» (Une journée d'Ivan Denissovich) لا لكسندر سولجنتسين حيث يتساءل المرء بعد قراءة هذه الرواية ماذا بقي لي لكي أكتب حول الحياة في السجن؟... أولا لان ما عشناه هو شبيه بحياة القصور مقارنة بما عاناه دينيسوفيتش وثانيا لان سولجنتسين كانت له القدرة على ان يظهر من خلال الحركات اليومية العادية شيئا من الشعور بفرحة الحياة والقدرة على الحياة رغم كل المصاعب وحضور قمع ثقيل جدا، ايضا حيث تدفع ظروف الحياة في السجن الى غياب الامل...
ان اي انسان يمكن ان يتمنى ان يكتب شيئا كهذا... اما في ما عدا هذا فقد اطلعت على اهم ما ترجم الى الفرنسية من المكتبة العالمية في تلك الايام اي ما بين سنتي 1966 و 1979 وقد اثرت فيّ بعمق بعض القراءات ولكنني نسيت الكثير مما قرأت... ومن المعلوم ان بعض ما تقراه يمكن ان يبقى كامنا الى ان يستيقظ ذات يوم.
انت اتجهت الى التعبير بالكتابة وكذلك فعل بعض من عشت معهم فترة السجن مثل الفقيد احمد بن عثمان الذي كتب «الخروج من السجن» بينما اتجه اخرون الى طرق تعبير اخرى مثل السينما التي كانت وسيلة تعبير نوري بوزيد... هل كنت ترغب او تتمنى ان تتاح لك وسيلة تعبير اخرى مثل المسرح او السينما او الموسيقى مثلا؟
كنت احلم بأن اعزف على آلة موسيقية ورغبت في مرحلة ما من حياتي في التعبير بالتصوير الفوتوغرافي ولكن في الحقيقة وجدتني اكتب في السجن ولولا السجن ربما كانت وسيلتي في التعبير مغايرة مثل العمل السياسي والاجتماعي.
مع الأسف كانت فترتنا تفتقر الى الحياة الجمعياتية والى مجتمع مدني يمكن ان يشغل الانسان... لقد كان العمل الاجتماعي يكتسي فقط طابعا سياسيا سواء الى جانب السلطة او معارضة السلطة... ولولا السجن لما كتبت، ربما...
هل تعتقد ان ما كتبه بعض رفاقك وما عبروا عنه بمختلف الاشكال الادبية والسينمائية وغيرهما كاف لإعطاء صورة عما عاناه المساجين السياسيون من اليسار ام انه قاصر عن رسم صورة حقيقية عما جرى؟
من الطبيعي، ان شعرنا بأن الموضوع قد استهلك فإننا سوف لن نكتب واذن فإن تأليف كتاب يعني في حد ذاته اننا نعتقد ان ما قيل غير كاف عامة وغير كاف بشكل خاص بالنسبة للفترة التي اتحدث عنها في هذا الكتاب، اي الفترة التي تلي الاستقلال مباشرة وتطور المعارضة التونسية خلال هذه الفترة، في ما قيل وما كتب ألاحظ من جهة ان اغلب ما قيل كان على السطح بالنسبة للمعارضة في تونس، اي انه لم يلامس القضايا والاحداث بعمق كاف واكتفى بالانطلاق من احداث معينة ليتوصل الى نتيجة مفادها وجود ظلم مثلا ودون تعمق... ومن جهة اخرى كان كل ما انتج معبرا عن شخص صاحبه وعبارة عن مواصلة نقاش كان يدور بيننا، اي اننا نكون على اتفاق مع ما يقال او على خلاف معه ولكن لا وجود لشيء جديد نوعيا... الشكل يمكن ان يكون مثيرا للاهتمام اما المحتوى فانه يعكس شخصية المؤلف ولكن يبقى جانب معالجة الاحداث والعلاقات هو الجانب الاضعف، ومع ذلك ان مسرور بأنني كتبت ولكنني اطلب من كل من عاشوا تلك الفترة تقديم شهاداتهم هم ايضا ويجعلوها نتجاوز الشهادات الخام وتقديمها في شكل اكثر بلورة... حتى نتجاوز مشكلة خطيرة عندنا وهي مشكلة فقدان الذاكرة بشكل تلقائي او مفتعل... ذلك ان كل من يضع قدميه على هذه الارض يسعى الى الغاء كل ما سبقه قائلا: لم يحدث شيء من قبل... ان الجملة المفتاح عندنا في تونس هي «كارتاو ديلندا آست» (Cartago delenda est) وفي الحقيقة ليس تخريب قرطاج فقط بل ذر الملح على خراب قرطاج حتى لا ينبت شيء مجددا... وكل غاز وكل مسيطر يقول ان تونس لم تكن شيئا والان سوف تصبح شيئا ما... وقد عشنا هذا مع بورقيبة الذي قال ان تونس قَبْلَه كانت «هباءً من الافراد» جاء ليخلق منها امة، والان بعد رحيل بورقيبة لم يبق منه شيء تقريبا عدا بعض التماثيل...!
هل هذا ما يفسر هذه النزعة التوثيقية التسجيلية في كتابك الجديد: «ماذا فعلت بشبابك»؟
لا ... ليس كتابا تسجيليا... وان اكتسى الى حد ما صيغة الوثيقة... انه شهادة او وجهة نظر ذاتية وليس دراسة موضوعية وهو لا يعتمد الوثائق ولا وجود لمكافحة بين وجهات نظر مختلفة... ما يوجد في هذا الكتاب هو شهادة انسان عاش تجربة ما في منظمة وهو يحلل الاوضاع التي عاشها.
ان هذا الكتاب وثيقة اولا حول اليسار، حول التنظيمات الماركسية التي وُجدت في الفترة المحددة، انه وثيقة حول تاريخ اليسار وتاريخ تونس من وجهة نظر يسارية، وهنا اشير الى بعض المسائل التي وعيت بها لاحقا مثل مسألة قطع العلاقات بين تونس والمغرب يعد اعتراف بورقيبة بموريتانيا. في ذلك الحين كان موقف اليسار، انطلاقا من مبدإ وحدة المغرب العربي، وكان لدينا توجه نحو رفض موقف بورقيبة المتمثل في الاعتراف بموريتانيا وافساد العلاقات التونسية المغربية وبعد 10 سنوات تقريبا فهمت الاسباب التي دفعت بورقيبة لاتخاذ هذا الموقف.. اي ان الاعتراف بموريتانيا مسألة مبدئية وهي كذلك وسيلة لمواجهة محاولة الهيمنة الايديولوجية الناصرية التي قبلها المغرب، فبمواجهة موقف المغرب من موريتانيا يؤكد بورقيبة تشبثه باستقلالية تونس ازاء النزعة الهيمنية لعبد الناصر ولكل قوة خارجية اخرى.
نقل على لسان احد وزراء بورقيبة قوله حول الحملة القمعية التي سلطت على مجموعة «آفاق» والتعذيب الذي استهدف مناضليها ومناضلي اليسار عامة، لقد كانت تصلنا بعض الاصداء عما يحدث وكنا نتألم ولكننا كنا نلتزم الصمت... فهل تعتقد ان هذا الموقف مبرر سياسيا واخلاقيا. ماذ كنت تفعل مثلا لو كنت مكانهم؟
أولا في ديسمبر 1977 تجرأ 5 وزراء في حكومة بورقيبة على الاستقالة احتجاجا على السياسة المتبعة ازاء الاتحاد العام التونسي للشغل قبيل احداث 26 جانفي 1978، اذن يمكن لمن يوجد في السلطة ان يعبر عن عدم اتفاقه مع السياسة المتبعة، واجد قول بعضهم انا عينوني وزيرا ولا استطيع الرفض شيئا مؤسفا حقا ومن لم تكن لديه القدرة على رفض منصب الوزارة كيف يمكن له ان يرفض التحول الى جلاد؟
ان عدم القدرة على الاستقالة هو اقرار بأن السلطة ظالمة حتى ان رفض بعض اوجه سياسة السلطة يجر انتقاما غير متكافئ مع هذا الموقف، ان قول هؤلاء بأنهم لا يستطيعون الاستقالة هو نوع من الضلوع في جوانب مظلمة في ممارسات السلطة، عندما يكون المرء في السلطة ولا يتفق مع ممارسات معينة ولا يستطع عمل شيء ماذا يقول لنفسه عندما يرى صورته في المرآة عندما يحلق ذقنه في الصباح؟
ان هذه العبارة تعطي صورة على ان الناس الذين اختارهم بورقيبة ليكونوا وزراء لا تدعو الى الانشراح.
ما هي مشاريعك المستقبلية بعد هذا الكتاب؟
لقد انطلقت في كتابة ترجمة ذاتية اكثر اكتمالا... في هذا الكتاب اخترت الاكتفاء بالحديث عن مسار سياسي اما في الكتاب القادم فسوف لن اكتفي بهذا الجانب السياسي بل سوف اتجاوزه الى الجوانب الاخرى... الطفولة والكتابة حولها مسألة صعبة، وكذلك الفترة اللاحقة للفترة التي شملها هذا الكتاب وهي اكثر صعوبة من الكتابة عن الفترة التي تناولتها في كتابي هذا ولدي ايضا مشروع رواية. كما ان لدي مشروع جعل زياراتي لتونس للقاء اصدقائي منتظمة كي اتمكن واتمتع بالخصام معهم، كما يقول ابني، لفترات أطول.
العنوان الكامل بالفرنسية هو:
Qu'as tu fait de ta jeunesse
Itinéraire d'un opposant au régime de Bourguiba (1954 - 1979) suivi de Récits de prison:
Ed. du CREF - Tunis 2009.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.