عبدالنبي العوني الشيخ في تونسنا على ما اعلم له أربع دلالات شيخ دلالته السن: الوصول إلى أرذل العمر شيخ دلالته العلم : رجل اخذ من العلم بطرف شيخ يدعى به نائب الخليفة من عهد البايات :أو ما يسمى العمدة حسب الموروث البورقيبي. شيخ جلسة أو قعدة تزركش به جلسات وقعدات التنوع البيولوجي المشروبي و المأكولي والمشمومي التدخيني وفي حالتنا هذه سنتناول الحالتين الأوليين وفق التسلسل الكرونولوجي العمري تنازليا . 1)الشيخ الأول: أوصله قطار عمره الآن إلى أرذله، ولم يبقى له عن القرن إلا عقد ونيف ،طوال العقود الست الأخيرة، تنقل بسلاسة من مرحلة إلى أخرى رغم التناقضات الظاهرة و الباطنة بينها، دون أن يحدث ضجيجا، مع محافظته على التوازن التربعي والتربيعي عند حلوله في كل مرحلة جديدة، مع مساهماته الفعالة في الصياغة و الإخراج و السينوغرافيا،انتمى إلى النهج البورقيبي وفكره و تربى عليه ودافع عنه الآن، ونسيه طوال الفترة الثالثة التي وصفت بسنوات الجمر والقمع ولم يسلم منها لا الفكر ولا النهج ولا الشخص نفسه أي بورقيبة ،و كان قلبه مع بورقيبة وماله وسيفه مع الصانع للانقلاب، و كما قيل في المثل ” نحب راجل أًما و اللي في القلب في القلب” وفي انتقاله من خدمة بورقيبة إلى خدمة العهد الجديد ،لم تحدث له رجات لا نفسية ولا سلوكية ،و قدم خدماته من كل وعيه ولا وعيه دون تأنيب ضمير أو وقفة تأمل كما خدم جده الباي الأكبر، و من فكر بورقيبي مركزي مر بعدة مراحل من مواجهة اليوسفية أولا إلى مواجهات شظايا الانفجارات اليوسفية “انقلاب 62 مثلا …” إلى مواجهة الشيخوخة و أحداث 78 ثم أحداث قفصة ،إلى حواشي فكر امني انتهازي و استخباراتي استئصالي جاهل وغبي تصدر فيه مجلس بن علي سنة 89 المزور ومن ثم الجلوس على أريكة لجنة مركزية تشرف على نهب البلد باسم المركزية وتنمية الاستبداد والفساد والسرقات “سرقة وطن بتاريخه وطاقاته وخيراته “، وتحصلت فيه تونس على شهائد من مجلس نوابه فيها الريادة والأنموذج و التفرد، و التشجيع من الداخل والخارج، لصهر شق من المعارضة بنار التقدمية و العلمنة ،حتى يستريح المجلس والقصر من المناكفة والمنافسة ، و تحولت التنمية السياسية والاجتماعية و الثقافية و التعليمية في العهد البورقيبي إلى تنمية خاصة جدا جدا اشرف عليها مستشارون فطاحلة،في الأمن والاقتصاد والمال والسياسة، وفي الفكر القانوني والدستوري، من اجل تنمية للجيوب والقصور و الأراضي الفلاحية والسياحية، وتنمية ممتازة لم نرى لها مثيلا، مست المرافق البحرية و الجوية والآثار الوطنية، مع ما يحتاج ذلك من تنمية لتجارة الخردة و الماركات الصينية الرديئة مع تجارة للحشائش بكل أنواعها و القوارير .وفي آخر هذه التنمية تحصلنا على بعرة أنثوية مختلطة تُنَظِر لفلسفة وجودية نسوية من صياغة لدكتورة، تم نشرها مع أنثى المبارك على منبر المرأة العربية ومنبر بسمة ومنابر 26-26 ،لكن صراعه مرير مع الشعب، الذي كظم غيضه طويلا، حتى فاض كأسه، ومن عربة خضار انقلب القصر مرة أخرى و تحول من فصل 57الى فصل 56،ثم خرج لنا الشيخ مرة أخرى كطائر الفينيق، تقمص فيه دور المخلص، المتسلح بقاموس لغوي بلدي وعتيق، ينهل من النكتة و النرجسية و البذاءة، رغم السقطات المتتالية ألسنية لغوية وجسمانية، من الأسنان الاصطناعية إلى خذلان الركبتين أو الكوع –بوع، إلى فخار” بكري”، اختزن كل هذا و جُيِرَ كرصيد لصناعة نداء رُكب على عجل لمواجهة الحزب، المتطفل على الميدان المُؤجَرْ تاريخيا لمثل تجمعات الأندية ، و بقدرة قادر اُخرج لنا في شكل ثوري من الصنف الأسمى مع ملمع إداري حتى يكون “بابا” لثورة من غير أب، و بالنكات و المواعظ و الكلم الرديء، وعلى أرائك النرجسية الآرية، اكتسح الموجات البصرية والصوتية و الأثيرية، متأبطا أكياس الحنطة والشعير” من الشعر” و قوارير، وعصا يشهرها لمن يناكف، و كأنه مبشر برهمي أو كاهن بوذي ينطق حكمة، و ينقط مريديه بعد سفر من الجهاد الأكبر الطويل ، ولو حسبنا الفارق بينه وبين معدل سن مكعبات النداء ” المنبت النيوتجمعي للزهور البنفسجية و الحريقة و التين الشوكي والصبار ” لوجدنا النصف قرن بكل يسر، ولأنه لم يشبع من نهم الكراسي الوثيرة رغم السقطات، فان ندعوه إلى الترجل و لو قليلا و استنشاق بعض عبق من أزهار الطرقات المنسية ومن ثرى تراب وطن لم تتفكره رئاسة مجلس نواب بن علي ،إلا عند تصفيق على الفحولة اللغوية، أو حملة انتخابية ،أو زيارة فجائية أو غير فجئية ،والاستراحة مع الاستئناس بسكينة وجدانية يستوفيها بسبحة بغدادية و قارورة عطر فرنسية. فترجل شيخنا الكوعي- البوعي فالأحلام و الذاكرة و التاريخ في انتظار جوادك. 2) الشيخ الثاني: أُسند اللقب إليه من الأتباع والمحبين،وأخيرا أقر به الأبعاد،ثقة أولا في علمه ورؤاه التي تنهل من الرصيد الإسلامي وثانيا إشرافه على تنمية حركة ذات بعد إسلامي و ثالثا تبركا لأن في الموروث أن الشيخ متى دخل السياسة تطهرت . المصطلح هنا ،ذو إيحاء مشرقي ، منبع الفكر والأصالة و العقيدة، كما يعتقد الأتباع، وارتباط معنوي و عضوي ،نفسي ومعرفي و ذهني بمركز النور الشرقي و الإشعاع. و الشيخ الذي نتناول، تدرج سلم الريادة و القيادة و المأسسة، من الشباب العروبي أو القومي إلى الشيخ الإسلامي الحركي و الحزبي و الآن الشيخ المنظر للتدافع والتشاركية الإسلامية– العلمانية، أي تطور و تحول وتحور داخل الرقعة الأعلى أو الصفيحة القيادية الأعلى، التي ترسم التمشيات والخطوط والتعرجات و المخارج والنظريات، وهو ومن نعومة وعيه السياسي ، وهو في قمة الهرم القيادي، ذي الحلقة القيادية الأعلى ذات الشكل النجمي ب12 شوكة تماهيا مع عدد شهور السنة ومع حواريي السيد المسيح و دعاة الدولة العباسية و أئمة الاثني عشرية ، وغالب أربع أخماس سنه قضاها قائدا ومتبوعا و لم يُرى له اثر التابع ،إلا قليلا في فترة تشكل وعيه القومي و الديني إبان رحلته الدمشقية و القاهرية و الباريسية ، و بالتالي فان العقود الست الأخيرة من عمره الذي مضى وهو قابض على المقود بجمره و عسله ،مقود الجماعة ثم الحركة بفترتيها الاتجاهي و النهضوي و بأمكنتهما المختلفة داخل الوطن،في السر أو العلن، في السجن أو الترميم اللندني ،عاصمة المنفى التنظيمي في جوار شاشة المستقلة والحوار ،و الآن وكما يقال، خفية ودون الجهر من القول وجهرا، بيده مقود الوطن، و يقول المتربصون و المهللون، انه يطل على كل خيط يدخل ثقب ابر ماكينة الحكومة أو يومئ له، والله اعلم ،المهم أن شبح الشيخ أو شبح التسمية هيمنت على مراحل عدة متتالية ، زمن السقوط البورقيبي و زمن الصعود لدولة الفساد البن علية و زمن انهيارها المدوي سياسيا ثقافيا و أخلاقيا، بتداخل مع زمن ذاتي، يبتدئ بلحظة الثقة في الله وفي بن علي و حدودها انتخابات 89 و يمر بعقود انعدام الثقة المهجرية و الآن زمن ما بعد العودة المظفرة من الثلج الوقائي و الاستقبال الاحتفالي التعبوي، كل هذه الصيرورة وهو يقذف برؤاه الفكرية و السياسية، ويصبغ ما استطاع بتخريجاته، حتى آن الأتباع والمواقع حددوا وصول ألوانه الفكرية الى الباب العالي التركي، مستلهما منه الرؤى الثورية و المدنية و الحرية الماقبلية من داخل النسق الفكري الإسلامي الحديث أو المعاصر، أما التجربة التونسية فمازالت في منزلة ما بين المنزلتين لم تهضم بعد الخلطة السحرية من الأعشاب…. و ربما مخابر مونبليزير و طابقه العلوي لم تستطع إنتاج منكهات تيسر للنخب الهضم النظري أو النظرياتي دون استبصار. و لأننا من بلد أنجب ثورة فاح عبقها ومس كل الأنوف، عطّرها الشباب بدمه الزكي، ندعو الشيخ الثاني للترجل و الإنزياح ولو قليلا عن المشهد السياسي الخاص والعام ،علّ البراعم تتنفس و تُخرج لنا قادة من رحم المعاناة والفقر المادي والغنى الروحي والمعرفي، يتحسسون طريقا أفضل للبناء،مرة كفرسان لهيكل الوطن فقط و مرة كوجلين من صدق الخيار و المنهج و مرات كحالمين بوطن عزيز حر وكريم في كنف الله و بعيدا عن أردية الشيوخ وحراس المعابد الدنيوية حولهم ، آما الخوف شيخنا المبالغ فيه، من قِبلكم و أتباعكم و محبيكم ومبغضيكم، من أن السفينة ستنحرف إن انزاح قبطانها، و سينقسم الأبناء والنواب إن اخترتم السكينة و التأمل و الكتابة و النظر،و على ما أرى فإن الفائدة تحصل لنا ولك عندما تترك البراعم أمام الاستحقاق الوطني والحضاري و عندها يملأ الفراغ القيادي بشباب شب في القحط والجزع الوطني و تدرج من الحبو على التراب إلى الصعود على أحراش موطني مسكونا بالسمو رغم الضيم و الدمع و الدماء و الجوع والفقر كرما لشذى وطني. 3) الشيخ الثالث :لا يسمي نفسه شيخا، و إنما يعتقد انه شاخ من النضال، وضعناه معهم لأنه يحسب انه يدانيهم بل في أحيان كثيرة تذهب به نرجسيته إلى الإحساس بأنه الأفضل منهم، في ميدان المعارضة ومقارعة الاستبداد، علما وانه من مربع غير مربعهم ، لكن في العقود الماضية كانت جل حركاته وتحركاته تحكمها القيمة الطولية والرمزية للاثنين، فتراه يراوح بينهما جيئة وذهابا حسب المرحلة و حسب ما يتطلبه التكتيك السياسي، والى الآن دائما ما يأتي متأخرا عن اللحظة المناسبة، فعندما يغرف الجميع من بئر واحد يورد هو من بئر آخر يختاره بنفسه وتدفعه إليه النرجسية المتغذية باستشارات صماء، وكأن به شحنة عاطفية زائدة عن اللزوم تعذبه وتعذب المحللين معه، فعندما ينتظروه مع الجماهير يجدوه يمدد حباله السرية مع الأنساق المنتفض عليها وعندما يراوده السلطان يشاكس ويضع نفسه موضع الحرمان و الإقصاء، و تحت طائلة الدساتير المنقحة تمنع عن عيونه الإحساس بالرضى و بالأمان، والملاحظ فيه مسكونيته لرغبة دفينة بالجلوس على الكرسي القرطاجني الأثير حتى وان كان غير متوازن.، ربما ستصبح عقدة له إن لم يترجل وهاجس وجودي تنذره بالفناء إن لم تتحقق له مع إحساس بالحرمان تتطور فيه العدوانية واتهام الآخرين. شيخنا هذا من بيت مناضل ينتسب فيه إلى الشعر والفصاحة و الحجاج و إرادة الحياة لشعب قد عكست إرادة الجلوس لديه ، انتقل عبر محطاته الطويلة من الأفاق إلى البعث إلى الاشتراكي التقدمي إلى الديمقراطي التي استبدلت الاشتراكي إلى الجمهوري في زواج عرفي مع حزب أفاق التكنوقراطي جدا جدا المؤسس حديثا من آل ياسين ، ورغم جلوسه على كراسي الإشراف فيهم، فان ظمأه للكرسي المذهب مازال ساريا فيه ، حتى أصبح حلما مزعجا ومفقودا يطارده بالتشكل الدائم والمستمر عله يحصل على المدخل السري له و أصبح الإحساس المتضخم فوبيا و منطقة ظل معتمة و ثقب اسود يمتص كل تموجاته وإشعاعاته وطاقاته و جسيماته، و اقترح على الرئيس المرزوقي تمكينه من الجلوس على الكرسي ولو لأمسية، علها تساهم في تقلص الثقب الأسود مع الزمن الباقي، حتى يترجل وهو هادئ ومتشبع و تغمره بعض طمأنينة، و بالأخص وأن الكرسي له وميض برق من الأشعة السينية تخترق الكتل، جسمية ومعنوية، ومن تصيبه تصبح كاللعنة لا يبرأ منها إلا بعد الجلوس عليه،رغم إحساسه الفطري بالنقاء وبان الكرسي بلاء ومحنة و أمانة وهو في اليوم الآخر خزي وندامة. وإذا علمنا أن خلفاءه ونوابه، في جمهوره، من عصبته وسيبقى ذكره ونسله مذكورا إلى ما لا نعلم له نهاية. فترجل يرحمك الله ولا خوف على الجمهوري الملقح بالتكنوقراط ،الآتين من رحم الشركات العملاقة من اجل عيون الكراسي ومن اجل الإشراف الهندسي على التفاعلات البيولوجية الداخلية بين التقدمية والديمقراطية و الجمهورية تماهيا مع كرسي الجمهورية. 4) الشيخ الرابع : هو الشيخ إبراهيم احترت أين تموقعه ، فلا هو بالشيخ ولا بالكهل ولا بالصبي، وكل ما اعرفه عنه بعد بحث مضني، انه قائد لاركسترا المسار السيمفوني يحب العزف الجماعي كما المنفرد ،لكن مسار عزفه مركب بين دبكة فزاني إلى أناشيد صوفية و مواويل غجرية رومانية و كلمات هيب هوب مثلجة و رقصات سوفيتية، ومساره لم يُرى له اثر لا في التأسيسي ولا فيما قبله ولا فيما بعده، يغير جلده في كل موسم سياسي، وينزع أثوابه كل شتاء ،ويلبس صوف المقترحات صيفا، يبحث دائما عن التموقع ،و دائما ما يجد نفسه خارج الكواليس و السياق، ومغطى بانتاجات غيره و هو الآن ككامخ بين جبهة النداء الجمهوري أو على بنك الاحتياط، حتى لو لعبنا ضد الأوهام ،ولاني لم أرى له خصالا و لا شيما سياسية و لا كاريزما، الأفضل لنا وله الترجل والاستراحة و الاهتمام بمزرعة التجديد أو الصيام عن الكلام المباح كما الصمت الانتخابي ولو مع بعض الاختراقات. دمنا ودام الوطن سالما معهم و بعدهم….. مترجل….