- الشعب صانع لملحمته، رائد لثورته، ومتجاوز لقادته من المفارقات التاريخية التي حصلت وتحصل في تونس، أن قادة السياسة فيها انتهزوا الفرصة التاريخية التي هرم من اجلها الوطن وأبناؤه، واغتنموها وتربعوا على كراسي المنابر باختلاف أنواعها. أطلقوا على أسماعنا وأبصارنا وأفئدتنا كمّا هائلا من الفتاوي والرؤى السياسية المهجنة . الشعب يتعب ، يجوع ويعرى، يتألم ويقتصد، يغني وينفق من غير حساب، تنتهك حرماته وتتجاوزحقوقه ،الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية...، يصفح ويغضب، يتردد ويحسم، يكمن ويخرج ثائرا، لكنه في الازمات يترك وحيدا . وقادة السياسة فيه، مبجلون دائما حتى وان ولجوا السجون، تحيط بهم الحواشي والأقدام، الأتباع والخدم، المريدون والمغنون، المستشارون والشعراء، في السراء والضراء، قبل الثورة وبعدها، لكن في آخر ردهاتهم تكون الدائرة محيطة بهم. أبناء الشعب،والبسطاء في الحياة ،وتنتهك أجسامهم وتسفك دماءهم، وان حصل أن حوسب جلادهم،وفيؤخذ عمله على الخطإ،لأنه حسب فلسفة القانون، يمتلك وحده حق ممارسة العنف، ولأن السياسي يحتاج إلى من يمتلك هذا الحق فهو يتواطأ ضمنيا معه ، كي يجد يوما ما من يؤسس ويمنهج له ممارسة العنف دون خجل أو خوف. وقادتنا، قادة السياسة والثقافة والرياضة والمال...أدام الله ظلهم الشريف...!!!، تتلقفهم المنابروتغريهم كل حين، يعجنون فيها أفكارهم على الملإ وبعد أن يخلطوها بعرق الناس وأناتهم وأوجاعهم ومشاكلهم، يطعمون منها ما تيسرلبعض حوارييهم وأتباعهم مع كؤوس من الأحلام المعتقة ، وهم يفطرون على الفطيروالعسل البيولوجي النقي، وباقي الشعب يسد رمقه بكسرة خبزوصحفة حساء. قادتنا، أبقاهم الله لنا ذخرا... !!!، كل يوم يصبحون على حال، كل ساعة ينتجون لنا فكرة، وبين الفكرة والفكرة تضمحل الروابط القديمة وتندثر، وغايتهم والله أعلم وسدد خطاهم، الوجود العيني مثل الأشياء"العادمة أوالطافحة" وفق مقولة "أنا أفكرتحت المجهرإذن أنا موجود عينيا"، ووجودهم هذا أفضل عندهم من الوجود الرمزي "على قاعدة أحييني اليوم واقتلني غدا" حتى وان بلغوا أرذل العمر. ثورتنا، ثورة شباب بحق، لم تفرزلنا طبيعيا قادة من رحم المعاناة، بل أحيت لنا من العظام الرمم، وأظهرت لنا ديناصورات فلكلورية بسبعة أرواح، صالحة لكل العهود، الاستبداد والقمع مع الديمقراطية والحرية مع التزييف والاستئثار...، منتفعين من كل المراحل وملاعق الذهب معهم في القحط والرخاء في الفقر والغنى، وما يميزهم عنا أنهم فطاحلة كلام وعباقرة علاقات عامة مع طول العمروصلابة الكوع بوع لديهم. أشعارهم، سدد الله خطاهم...!، منمقة جافة ومحنطة، تراكيبهم المرتجلة مصطنعة وآلية وغيرمتجانسة، حديد على ذهب على رصاص على خشب على زبرجد، تركيباتهم مدجنة ومهجّنة ومستنسخة، تواريخهم فيها النرجسية والارتياب والتجارة والعلاقات الخاصة والعامة. أما من حيث الإرادة والفعل، أنارالله سبيلهم...!وسدد خطاهم، فقطاعات من الشعب تجدهم اسبق منهم وأوضح وأيسرسبيلا، يتخلفون عندما يتقدم الشعب،لان الضريبة تدفع للوطن غالية من أهمها الدم وهم بهذا ضنينون،وتراهم في الصفوف الأولى في الاحتفالات التي يستنكف منها الوجل، وعوض أن يقودوا الجماهير ويسلكوا معها سبل التقدم والصعود والتأسيس والفعل، فهم لا يتورعون عن وخزالمناطق الرخوة في الوطن"نعرات، جهويات، عصبيات، معارك وهمية....."وإدخال الوطن زواريب الفتن والنميمة والكسل والاستقالة من هموم الوطن، ويغلقون عنوة في وجهه أبواب الفرح والنشوة والنشاط، ربما كي يقطفوا ثمرات الإمارة قبل أن تكتمل. إرادة الشعب، حقق الله أمنياته بان يريحه من إطلالاتهم، أفقها يسبق وبسنوات ضوئية أفكارالشيوخ والاختيارات ومريدهم وشعرائهم. قادتنا، زادهم الله رعشة، يتخوفون من أي رعشة شعبية أوهبة شبابية أو حتى خطوة بإرادة حرة، ومع كل غفوة أوسنة من نوم أوغفلة من الشعب بعد سهرالليالي وتعب المسيرفي الخلاء، يستيقظون ليس كحراس أوحواري، يصونون ويحفظون الإرث والثورة والثروة والكرامة والحقوق، بل يحبّرون في رائدهم الرسمي حقوقهم وواجباتنا، ويتسللون ليلا ونهارا إلى المفاصل والمنعرجات والمنارات والجبال العالية، كي يكونوا على دراية بمآلات الأمورلحظة الضعف ، وحتي يستطيعوا التنبه للبراكين إن لاحت، والهرب. قادتنا، زادهم الله غنى على غناهم وحبورا على حبورهم وإشراقا على إشراقهم فقد تعبوا حقا من اجلنا...!،الحاكم والمعارض، لهم نفس الاسلوب رغم اختلاف المربع، تخوض الجماهيرالمعارك الجسدية والكلامية بالنيابة عنهم، ولهم مآثرالمعارك اللغوية والإعلامية، يدفعون الأتباع للخروج للشوارع كي يدخلوا هم قاعات التجميل والتصفيف ، علنا نراهم مساء وعلى المباشرفي أبهى الحلل، يتهارشون ويتنابزون ويتصارعون كديكة الروم وفي الختام يقبل بعضهم بعضا، ويبتسمون، وفي الغد تدخل الأطياف الشوارع، صراعا وتكسيرا وعشقا ممنوعا. شعبنا، يا سادتي، يفتقد الآن وبكل حب وأسى، قادة من صنف آخر، يحسون به و يتألمون لحاله، يرفقون ويترفقون بأحلامه واحتلامه وانتصاراته، يرفعون الأشواك من طريقه والقاذورات والأوساخ، يخدمونه ولا يخدمون العائلة والأقارب والأتباع، يعبّدون له مسلك الحرية بعد أن سقى التراب بدمه وعرقه واسكنه آهاته وأناته وأوجاعه وماله. فيا ليت شعري، فحتى قادة الثقافة والرياضة فينا، تركوا خصالهم فينا واتبعوا شهوات السياسي بين ظهرانينا، فلم يتركوا لنا انجازا إلا وتنازعوه ولا أملا إلا وقضموه ، كما يقضم سامي أظافره انتظارا لهدف تجود به أرجل بعض اللاعبين وبالأخص المساكنين ،أوحركة فنية مبدعة من بعض الممثلين. العجز، قادتنا، نما وترعرع في مناهجكم وأساليبكم، وأظهرتم بالتجربة أنكم اعجزمن أفكاركم الميتة التي تسردونها على مسامعنا. تميزتم بقلة الدراية بالمعارك التي تخوضونها بسيوف المتعبين والمنهكين إضافة لقلة الرواية عن سابقيكم، برز لنا بشكل جلي غياب وعيكم، باللحظة التاريخية التي أنجزها الشعب الحر، والحكمة، وربما تبكون على حرية أتت على قلوب الرجال واكفها بعد ان تضيعوها في زواريبكم السياسية والثقافية وحتى الرياضية. الشعب والجماهير، سادتي الكرام، أنجز دون أن يعد، وضحى دون أن يطلب منه، وقدم دون أن يمن ويشهر حتى يشتهر، وفّق حيثما أخفقتم وتقدم حيثما كمنتم وحسم عندما مددتم الحبال للمستبد واستنكف عندما رهنتم إرادته ومل عندما شاهدكم تتقاسمون الفضاء قسمة "ضيزي" بينكم وانتم ضنّينون عليه بالحلم والرأفة، فهل كتب عليه أن لا يفرح ولا يستنشق الهواء إلا عندما ينزاح عن أفقه، قادة العجز والحرفة ، وأحلامه ومستقبله. فيا أيها الأوصياء، اتركونا سنتدبرأمرنا،اغربوا عن وجوهنا فقد مللنا الشحناء بينكم ومللنا فيكم الهنة والتردد والارتعاش وخبث السريرة، فالاستحقاق الوطني ، السياسي والرياضي والثقافي والاجتماعي،يتطلب رجالا وأيادي بيضاء واثقة ومعرّقة وعصية على الانحناء أمام التخويف، فالوطن يستحق قادة يدانون هامته ويرفعون رايته بعزوبذل وعطاء. فلقد فشلتم قبل وبعد الثورة في انجاز شيء للوطن، واتركوا البراعم تتفتح عل البناة يخرجون من ترابه ورحمه يحسون بنبضه ويحس بألمهم.اتركوا الوطن يفرح بثورته وثروته وانجازاته،علما أننا الدولة الوحيدة التي لم تفرح بثورتها بحق، يرممون حيطانه ويسدون الشقوق فيه والفجوات ويمسحون عن دفاتره وذاكرته، التراب والغثاء و الفطريات والبكتيريا والصدأ، والران عن قلبه، يجوعون عندما يشبع الوطن والأبناء، ويشبعون عزا وتواضعا بعدما ينجزالوطن فروضه ويتجاوزالمعوقات والمنحنيات التي تعترضه. عيونهم وأفئدتهم على التراب والهواء والماء ، وليست السوائل فقط، والطفولة والبراعم ، وسمعهم على حفيف الأوراق وموجات قطرات الندى وحبيبات الهواء. والسلام على من اتبع الوطن، ودام الوطن سالما لنا، واكنافه، من المشاريع الميتة والريع. ودمنا سالمين له من أفكارقادة العجز والهزيمة. باحث وسجين سياسي سابق