تونس, تونس, أدى انسحاب بعض الأحزاب التونسية من الحوار الوطني الذي دعا إليه في وقت سابق الرئيس المؤقت منصف المرزوقي، إلى تعثر الحوار وإعادة المشهد السياسي إلى المربع الأول بكل ما يتسم به من انقسام وحدة في التجاذبات. وكان من الفترض استئناف جلسات هذا الحوار اليوم الأحد لتتواصل على مدى الأسبوع الحالي،لكن تم تعليقها لسببين ،أولهما إنسحاب حركة نداء منها،والثاني لفسح المجال امام المشاورات الجارية لإقناع الإتحاد العام التونسي للشغل، وبقية الأحزاب الأخرى للمشاركة فيه. وقالت مية الجريبي الأمينة العامة للحزب الجمهوري التونسي التي كُلفت مع القيادي في حزب التكتل من أجل العمل و الحريات، مولدي الرياحي، بالإشراف على لجنة اتصال بالأحزاب المتغيبة عن الحوار ،إن الهدف من التأجيل هو”فسح المجال أمام انضمام أكبر عدد ممكن من الأحزاب للحوار”. غير أن مراقبين لفتوا إلى أن التأجيل ترافق مع إعلان حركة نداء تونس برئاسة الباجي قائد السبسي عن تعليق مشاركتها ، وربطت عودتها بانضمام الإتحاد العام التونسي للشغل إليه. وكان الحوار انطلق الإثنين الماضي، بحضور 7 أحزاب فقط هي حركة النهضة ، والمؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل الديمقراطى من أجل العمل والحريات، والحزب الجمهوري، وحركة نداء تونس، وحزب المبادرة. والتحق في اليوم الثاني، التحالف الديمقراطى، وحزب العريضة الشعبية، وحزب الآمان بجلساته التي تغيّب عنها حزب العمال، وحركة وفاء، والمسار الديمقراطى الإجتماعي، وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، بالإضافة إلى الإتحاد العام التونسي للشغل. ويهدف مؤتمر الحوار إلى تجاوز الخلافات السياسية بين مختلف الأطراف، بغية التوصل إلى توافق لتحديد موعد نهائي وثابت لتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية، وصياغة قانون انتخابي لتنظيم العملية الانتخابية المزمع إجراؤها قبل نهاية العام الجاري. كما يهدف أيضا إلى حسم النقاط الخلافية بين مختلف الأطراف السياسية بشأن الدستور التونسي المعروض للصياغة النهائية منذ أشهر على أعضاء المجلس التأسيسي. وكان المرزوقي افتتح أولى جلسات الحوار بكلمة أكد فيها أن الحوار الوطني لا يمكن أن يقتصر على الأحزاب السياسية فقط، بل يتطلب مشاركة المجتمع المدني بأكمله. وأعرب عن ثقته في ألا يُخيّب المشاركون “آمال تونس وأمل العالم في انتقال سلمي ديمقراطي ناجح”،داعيا للعمل على خفض الإحتقان السياسي عبر الحوار، وإلى الإسراع في التوصل إلى توافقات حول كتابة الدستور التونسي الجديد. ولا يُتوقع استئناف جلسات الحوار غدا الإثنين، بخاصة وأن الإتحاد العام التونسي، أكد رفضه المشاركة فيها، بل ذهب إلى حد اتهام الرئاسة التونسية بمحاولة “الإلتفاف” على مبادرته للحوار التي أطلقها قبل نحو 6 أشهر. وأكد الإتحاد أمس على لسان أمينه العام حسين العباسي ، رفضه المشاركة في جلسات الحوار الوطني ،مشيرا إلى أنه”لن يقبل أن يكون طرفا في هذا الحوار الذي دعت له رئاسة الجمهورية ، لأن الدعوة موجهة لأحزاب دون أخرى” . واعتبر العباسي وجود “نية لسحب البساط من تحت مبادرة الإتحاد العام التونسي للشغل للحوار التي أطلقها في 16 أكتوبر من الماضي،والتي شاركت فيها غالبية الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، بإستثناء حركة النهضة الإسلامية، وحزب المؤتمر من اجل الجمهورية(حزب الرئيس المرزوقي). بموازاة ذلك، أعلن الإئتلاف اليساري “الجبهة الشعبية” الذي يتألف من 11 حزبا يساريا وقوميا، رفضه القاطع المشاركة في الحوار،واعتبر أن المرزوقي “غير مؤهل لرعاية حوار وطني نزيه ومُحايد وصادق”. وأشار في بيان وزعه أمس إلى أن مبادرة المرزوقي للحوار”لا تعدو كونها حملة دعائية لتلميع صورته المهترئة ، وحملة إنتخابية سابقة لأوانها”، مُعربا عن تمسكه بتنظيم “مؤتمر وطنى للإنقاذ كبديل حقيقى ووحيد لإخراج تونس من أزمتها”. ويرى مراقبون أن من شأن هذا التعثر إعادة المشهد السياسي إلى المربع الأول الذي يتسم بالإنقسام والتشرذم، ما يعني استمرار التشنج والتجاذبات التي أدخلت البلاد في أزمة حقيقية اتسمت بتزايد اعمال العنف السياسي التي وصلت إلى حد التصفية الجسدية بعد اغتيال شكري بلعيد في السادس من فيفري الماضي . وتخشى الأوساط السياسية التونسية استمرار أعمال العنف، بخاصة أن البلاد مقدمة على استحقاقات هامة أبرزها الإنتخابات التشريعية والرئاسية التي يُفترض أن تتم قبل نهاية العام الجاري. ودفعت هذه الخشية، مية الجريبي الأمينة العامة للحزب الجمهوري التونسي إلى القول إن “الحوار الذي يهدف إلى تحقيق التوافق حول مختلف النقاط الخلافية ، والمحاور والقضايا المطروحة، منها الدستور والقانون الإنتخابي وتاريخ إجراء الإنتخابات،بالإضافة إلى سبل تكريس الأمن وآليات مواجهة العنف،هو المخرج الوحيد للأزمة الراهنة”. يُشار إلى أن تونس تعيش منذ مدة على وقع أزمة سياسية معقدة واحتجاجات متواصلة وانفلات أمني وسط أجواء من الإحتقان ،وأعمال العنف الخطيرة التي ترافقت مع أزمة إقتصادية حادة ستكون لها تاثيرات كبيرة على المشهد العام في البلاد.