بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مخدّرات.. شذوذ.. محسوبية في سجوننا التونسية عالم “سرّي” في ظلمة الزنزانات
نشر في الشاهد يوم 26 - 11 - 2012


/ملفات
تشكو اليوم أغلب السجون التونسية من نسب اكتظاظ مرتفعة وهو ما أفقدها دورها الإصلاحي ناهيك عن النقص الحاصل في أعوان السجون والإصلاح وهو ما جعل الرّقابة والإحاطة داخل السجون دون النجاعة المطلوبة..
وجعل من الوحدات السجنية مناخا خصبا لتعميق النوازع الإجرامية واكتساب مهارات مضاعفة في هذا السياق بالاضافة الى تفشّي الانحرافات السلوكية كالمثلية الجنسية وتعاطي الأقراص المخدرة التي تسرّب الى السجن بطريقة أو بأخرى..كما أن المحسوبية والكيل بسياسة المكيالين بين السجناء تعتبر من أخطر الشرور داخل الفضاء السجني..
لكن هذه الصورة القاتمة أحيانا للسجون والموروثةعن نظام دكتاتوري لا تخفي نوايا جدية للاصلاح ولتحسين الصورة النمطية للسجن لكن هذا يفترض تحييد المنظومة السجنية مثلها مثل المنظومة الأمنية على التجاذب السياسي حتى لا نعود الى تلك الحقبة التي كانت في السجون أداة لتصفية خصوم الدكتاتورية ومناوئيها ..كما يفترض ببالمجتمع أن لا يقف عند “ويل للمصلين..” ويكتفي بالشجب والتنديد بل يجب أن يتحرّك بكل ثقله في اتجاه اعادة إدماج المساجين في المجتمع لأن هذا هو بداية الحل العملي لتقليص معظلة العود في الجريمة..
سمير ساسي سجين سياسي سابق
الرقم 7 “عنوان” للشذوذ الجنسي في السجون.. و”للشذوذ” السياسي لبن علي
من ذاكرة سمير ساسي المثخنة بجراح المحنة ,محنة سجين سياسي حكم بالسجن لمدّة عشر سنوات بتهمة الانتماء إلى جمعية غير مرخّص لها , استمّد فخر الدين – بطل رواية “برج الرومي ..أبواب الموت” الحياة- ليكون شاهدا على حقبة سوداء من تاريخ البلاد ولتسليط الضوء على ما يسميه سمير ساسي “نقطة الفراغ في الذاكرة الجماعية”..
في هذه الرواية يكشف سمير ساسي ما يعتبره انتهاكات وحشية في السجون وكانت تستهدف سجناء الرأي من الإسلاميين خاصّة..كما يفضح ساسي في هذه الرواية فظائع أعمال التعذيب والتنكيل في سجون تونس زمن حكم الديكتاتور بن علي…
أسوأ السجون التونسية..
لقاؤنا بسمير ساسي الصحفي والباحث الجامعي ومؤسس ما يسمّى بأدب السجون حمل في طياته الكثير من الذكريات الأليمة المتعلّقة بانتهاكات كرامة السجناء على اختلاف تهمهم بين حق عام أو قضايا رأي عام..
سمير ساسي و في إطار سياسة التنكيل التي انتهجها بن علي ضدّ الإسلاميين ,أمضى طوال سنوات اعتقاله “عابرا” للسجون..وقد أكّد لنا أن سجن 9 أفريل و برج الرومي والناظور وسجن صفاقس وسجن حربوب عندما كان فؤاد مصطفى مديره.
وحول سؤال لماذا اتجهت الارادة السياسية الى تعويض سجناء الرأي قبل محاسبة جلاديهم”يقول ساسي: مسألة المحاسبة طرحت بأشكال مختلفة كالشكل الأدبي أو في صيغة رفع القضايا عدلية ضدّ الجلادين لكن بشكل محتشم..لكن اللوم يلقى في هذه المسألة بالذات على الحكومة والتي لم تدن الجلادين و لم تعالج هذا الموضوع بالشكل المطلوب ورضخت للابتزاز السياسي وخشيت من أن يحسب ضدّها انصافها للاسلاميين رغم أن بعض الوزراء اليوم هم سجناء الحركة الاسلامية في الماضي..وهذا خطأ واضح وغير مقبول ..وحتى فيما يتعلّق بالتعويضات فانه لا يوجد انجاز الى اليوم.”
سر الرقم 7 !!!
وبالنسبة للظواهر السلبية في السجون كالمخدّرات والشذوذ والتي لا يكاد يخلو منها سجن يؤكّد سمير ساسي أن الأقراص المخدرة دخلت وتدخل للسجون إلى اليوم وذلك يعكس فسادا ادرايا وتواطؤا من بعض الأعوان داخل الوحدات السجنية ..وهو ما يعكس السياسية الفاشلة داخل السجون والتي تتطلّب بالضرورة مراجعة جدية لأن ما ذكر هو ما يرففع في نسبة العود.
ويضيف ساسي “بالنسبة للشذوذ فان الظاهرة موجودة منذ زمن في السجون التونسية ناهيك وأن الغرفة رقم 7 في أي سجن هي على ذمة الشواذ وبعد التغيير حرص بن علي على الإبقاء على الغرفة و إلغاء الرقم 7 عنها ولعله من المصادفات أن يتقاسم بن علي بشذوذه السياسي والشواذ جنسيا الرقم 7..و في تقديري تتم معالجة هذه الظاهرة ليس بعزل الشواذ لكن بردعهم وبتوفير مرافقة نفسية واجتماعية لهم..و إخضاع السجون إلى دراسة بسيكولوجية و سوسيولوجية معمّقة تكون متحلية بالجرأة العلمية لكشف كل الحقائق ومعالجتها..”
إكراميات ومحسوبية
ويذكر سمير ساسي أن المحسوبية موجودة في السجون على شكل معاملات واكراميات يضطر السجين الى دفعها للعون للحصول على بعض الامتيازات بالنسبة لسجناء الرأي العام تتمثل خاصّة في الزيارة المباشرة والقفة وبالنسبة لمساجين الرأي بعض الامتيازات القليلة كالجرائد وأن تكون الزيارة والقفة في نفس اليوم..”
ويختم سمير ساسي الذي يقول بأن السجن جعله يتعامل مع المسائل بأكثر رؤية نقدية كما تركت فيه مشاعر التعذيب رقة واحساسا مرهفا عميقا في الاحساس بالمظلم..ويؤكّد أن السجون تحتاج اليوم الى مراجعة جذرية للمنظومة ككل من خلال مختصين نفسيين واجتماعيين وأن تجد السلطة حلولا سريعة للاكتظاظ واعادة رسكلة للمشرفين على السجون حتى تصبح مؤسسة اصلاحية لتقويم الانحراف لا لتعميقه.
محمد ياسين الجلاصي يكشف
سر “المرهوجة” وحقيقة “الويسكي” في سجن المرناقية
عقب اعتقال مجموعة سليمان ومحاكمتهم وفق قانون مكافحة الارهاب,احتج عدد النشطاء الحقوقيين والسياسيين للتنديد بهذا القانون الجائر والذي سنّه بن علي في اطار سياسة دولية تهدف الى اجتثاث المجموعات الجهادية في كل دول العالم..محمد ياسين الجلاصي الصحفي والناشط السياسي كتب في 2007 مقالات نشرت بجريدة الموقف في 2007 تستنكر التعذيب الذي تعرّضت له مجموعة سليمان وتدين محاكمتهم وفق قانون الارهاب وقد كان محمّد بختي الذي توفي مؤخرا بسجن المرناقية بعد اضراب جوع مثير للجدل أحد المعتقلين في مجموعة سليمان, كما اعتبر محمّد ياسين الجلاصي في مقالاته أن حملة الاعتقالات وملاحقة الاسلاميين كانت تتم بطريقة عشوائية فيها تنكيل وتشفّ اذ تعتبر المواظبة على أداء صلاة الصبح في مواعيدها تهمة تجيز الملاحقة وفق قانون مكافحة الارهاب..
وقد اعتقل محمّد ياسين الجلاصي من أجل هذه المقالات لمدة 6 أشهر بسجن المرناقية وطوال مدة الايقاف والتي لم يحظ خلالها محمد ياسين الجلاصي بمحاكمة عادلة واكتشف خفايا العالم السرّي لزنزانات السجن..ومن خلال هذا اللقاء عادت الذاكرة بمحمد ياسين ليستحضر حقائق مفزعة عن غياهب السجون التونسية زمن الدكتاتورية والتي تثبت معطيات الراهنة أن زمن الثورة لم يخلّصها تماما من شوائب الماضي.
علاقات شاذة والردع الصارم
سجن المرناقية الذي يعتبر من أحدث السجون التونسية يقول عنه محمد ياسين الجلاصي أنه سجن إيقاف تتوفر به تجهيزات حديثة وكل المستلزمات الضرورية لإقامة السجناء..
وحول الظواهر السلبية التي تتفشّى في السجون كالمثلية الجنسية أو ما يعبّر عنها باللواط والمخدّرات وخاصّة الأقراص بالإضافة إلى المحسوبية.. لم ينف محمد ياسين الجلاصي تفشي ظاهرة الشذوذ زمن اعتقاله في سجن المرناقية وقد أكّد أن الظاهرة متفشية وقد عاينها عن قرب بين عدد من السجناء..ويذكر الجلاصي “هناك غرف مخصصة لما يسمونهم في السجن “بالفسّاد” وهم عادة من المتعودين على المثلية الجنسية لكن هذا لا يعني أن إدارة السجن كانت تسمح بهذه الممارسات..فالحقيقة أن الإدارة كانت تتصدّى بحزم لهذه الظاهرة وتسلّط أقسى العقوبات من ذلك نقل السجين الى السيلون (زنزانة صغيرة وانفرادية)..”
ويسكي في الزنزانات
تذهب اراء مختلفة الى القول بأن الأقراص المخدرة “تجارة” رائجة في السجون,ومحمد ياسين الجلاصي لم ينف هذه الظاهرة وقد صرّح لنا “الأقراص المخدرة من نوع الأرطال والروجي وترونكسال موجودة بشكل يكاد يكون طبيعيا وبأم عيني شاهدت من يلفّ سيجارة زطلة ,وهناك طريقتان لدخول الأقراص الى السجن اما بتواطؤ من الأعوان أو بطحنها كليا ووضعها في أكلة ما وهو ما يسمّى “بالمرهوجة” وبهذه الطريقة لا يمكن اكتشافها الاّ في الحالات التي تكون فيها الرائحة قوية..”ويضيف الجلاصي “من أغرب ما رأيت هو تسريب الويسكي الى السجن بالنسبة للمساجين المقتدرين رغم أن هناك قوانين صارمة تمنع دخول السوائل ما عدا الزيت..”ويؤكّد أن هناك كذلك المحسوبية والمعاملات التي يستفيد منها خاصة المقتدرون ماديا واجتماعيا..”
ويختم محمد ياسين الجلاصي بأن السجن على الوضعية التي هو عليها اليوم أبعد من أن يكون مؤسسة عقابية بل هو مؤسسة لصناعة المجرمين وهو ما يفسّر ارتفاع نسب العود في الجريمة وأكّد أنه لا بدّ من ايجاد حل لمدد الايقاف الطويلة والتي تساهم في ارتفاع ظاهرة الاكتظاظ..”
د.سامي نصر في دراسة ميدانية يكشف
أصناف ممارسي المثلية الجنسية في السجون وأسبابها
في دراسة ميدانية أنجزها الدكتور سامي نصر عضو المكتب التنفيذي بمنظمة حرية وإنصاف والصحفي بجريدة الموقف سابقا بعنوان الجنس والحياة السجنية يقول “أن من بين الظواهر الإجتماعية التي تفرزها الحياة السجنية هي ظاهرة “الجنسية المثلية ” أو ما تسمى ظاهرة اللواط التي تعتبر وسيلة من وسائل التكيف مع الفضاء السجني وخلق نوع من التوازن النفسي بين حاجيات الفرد المتعددة و متطلبات التنظيم ، و التي سبق أن طرحها الباحثون في علم إجتماع التنظيم، مثال ذلك Chris Argyris و غيره
و لكن رغم أهمية هاته الظاهرة وانتشارها داخل الفضاء السجني، إلآ أننا لا نكاد نجد دراسة سوسيولوجية تناولتها، و سوف نحاول في هذه المحاولة البحثية إبراز أهميتها و خاصة علاقتها بالظاهرة الإنحرافية عموما وبظاهرة العود بشكل محدد..”
ثلاثة أصناف من ممارسي الجنسية المثلية
كما يضيف الدكتور سامي نصر في دراسته “تتفشى ظاهرة الجنسية المثلية في كل السجون التونسية و داخل كل الأجنحة و الغرف، و لكن بنسب متفاوتة، كما أن إنتشارها بهذه الطريقة يجعل الفاعلين الاجتماعيين ينظرون إليها تارة بكونها حالة طبيعية و اعتيادية، وتارة أخرى ينظر إليها كحالة مرضية ” باتولوجية “. ومن خلال بحثنا الميداني لاحظنا تواجد ثلاثة أصناف من ممارسي الجنسية المثلية:
أولا: الذين يمارسون الجنسية المثلية بصفة متبادلة: وجدنا داخل الفضاء السجني مجموعة لا بأس بها من الذين يتلذذون و يتمتعون بالتبادل الجنسي بحيث يلعبون دورا مزدوجا بين الذكر و الأنثى، كما كشفت لنا نتائج المقابلات الفردية أهمية هذا التبادل في خلق الاحتراف الجنسي و اعتباره المرحلة الأولى للاحتراف الجنسي …
ثانيا: فئة المستأجرين: تتجسد في بعض محترفي هذا النوع من السلوك الذين يجعلون من أجسادهم بضاعة قابلة للاستئجار بمقابل، وهذا المقابل يمكن أن يكون نقودا سجنية “بونووات” تخول لهم شراء ما يحتاجونه من Buvette السجن أو أطعمة أو أمتعة كالملابس … ويصبح الجسد عبارة عن بضاعة خاضعة لقوانين العرض و الطلب و قوانين المنافسة، لذلك نادرا ما تنشأ علاقات حميمة بين محترفي هذا النوع من الجنسية المثلية.
ثالثا: خوصصة الجسد :وهو خلافا للصنف السابق أين يكون الجسد عبارة عن بضاعة معروضة للجميع …
في هذا الصنف نجد ما يسمى الاحتكار الجنسي، وهكذا لا يهب محترف الجنسية المثلية جسده إلآ لشخص معين مقابل الحماية و الأمان، و يسمى حسب المصطلحات السجنية ” الفرخ “، لذلك يقال فلان فرخ فلان كما تنشأ بينهما علاقات شبيهة جدا بالعلاقات الزوجية، فطرف عليه أن يوفر الأمان و الاطمئنان و طرف عليه أن يعرض جسده و يصون عرضه ولا يلتفت لغيره، إضافة الى ذلك يقوم بكل الواجبات المناطة بعهدته كالتزيين وغسل الثياب و تنظيف الفراش…”
أسباب المثلية الجنسية
وفيما يتعلّق بالأسباب الكامنة وراء هذا السلوك يذكر الدكتور سامي نصر في دراسته” ليس من السهل تحديد الأسباب الحقيقية و الدوافع الكامنة وراء ظهور و انتشار هذه الظاهرة داخل السجون ..”لكنه يؤكّد بعد إجراءه للاستبيانات اللازمة أن الأسباب تتمحور خاصّة حول:
الخصاصة و الإحتياج الناتجة عن قلة الزيارات ومساندة العائلات لهم إما لظروفهم المادية أو إنعدام السند العائلي أصلا…
الرغبة الجنسية الملحة : تلعب دورا بارزا في إثارة الحاجيات و الرغبات لدى السجناء ويساهم جهاز التلفزة بقسط لا بأس به في هذا المجال، كما أن الصراع بين حاجيات السجناء و متطلبات التنظيم السجني يبقى المحرك الأساسي لخلق كل الوسائل التعويضية أو البديلة.
العنف و استعمال القوة : كثيرا ما تكون تجربة الإحتراف الجنسي تمر عبر العنف و استعمال مختلف أنواع الضغط و الترهيب خاصة بالنسبة لصغار السن ولفاقدي التجارب السجنية أو السند الحامي كأولاد الحي أو أولاد الجهة .
الإصلاحيات : لقد عبر العديد من الفاعلين ” السجناء ” أن التجربة الأولى للإحتراف الجنسي تبدأ بالإصلاحيات في نطاق التبادل الجنسي ثم بعد ذلك يأتي التخصص ( فاعلا أو مفعولا به ( …
زهير مخلوف (ناشط حقوقي وسجين سابق:(وجود ظواهر انحرافية.. لا يمنع من الإصلاح
لم يخف زهير مخلوف أن زيارته الأخيرة كناشط حقوقي إلى سجن المرناقية جعلته يرصد نوعا من التحسّن داخل الوحدات السجنية خاصّة في ما يتعلق بالمعاملات والعلاقات بين أعوان السجون والمساجين التي بدأت تتغيّر في الاتجاه الإيجابي, ولكن ذلك لا يعني انتفاء الكثير من الممارسات السلبية والظواهر الانحرافية داخل السجون التونسية..
ويذكر زهير مخلوف فترة اعتقاله لأكثر من سنتين والتي تنقل خلالها بين سجون برج الرومي و9 أفريل والمسعدين ومرناق.. والتي وقف من خلالها شاهدا على ما حصل وما يحصل إلى اليوم داخل هذه السجون خاصّة في ما يتعلق بظواهر الانحراف السلوكي للسجناء بتواطؤ من بعض أعوان السجون..
إيقاف أعوان سجون بسبب الأقراص
وحول ظاهرة تعاطي المخدّرات وخاصّة الأقراص داخل السجون يقول زهير مخلوف “سواء في الماضي زمن بن علي أو في الوقت الراهن فإن الأقراص المخدّرة تدخل إلى السجون بطريقة أو بأخرى سواء بطريقة “المرهوجة” بحيث تطحن الأقراص وتوضع في أي أكلة وتدخل “آمنة” إلى السجن أو يدّعي أحد المساجين إصابته بمرض عصبي وعند عرضه على الطبيب الذي يعطيه عادة قرصا مهدئا فانه لا يبتلع هذا القرص بل يحتفظ به تحت لسانه ويبيعه بعد ذلك كما أن هناك من الأعوان من يوفر الأقراص المخدّرة للمساجين من الخارج وبطرق مختلفة ليعيد بيعها للمساجين.
وأذكر أنه في بداية التسعينات هناك من الأعوان من وقع إيقافه عن العمل وإحالته على القضاء للمحاكمة وقد أحيل 3 أعوان في سجن برج الرومي من أجل هذه التهم.. وكثيرا ما يقع التفطن الى دخول “المرهوجة” إمّا بعد تناولها من طرف المساجين عن طريق عيون الإدارة في الزنزانة أو من خلال مسكها عند تفتيش “القفاف”.
“الكبران” و”الغلام” و”ثالثهما الشيطان”
الشذوذ الجنسي داخل السجون حسبما أكّدته شهادات مختلفة ليس بالحالات المعزولة التي يمكن التغاضي عنها وفي هذا السياق يقول مخلوف “المثلية الجنسية في السجون تقف وراءها رغبة في الجنوح.. ومن المتعارف عليه وجود ما يسمّى ب”بيت الصيودة” وهي تضم مساجين من الشواذ ومن محترفي المثلية الجنسية.. وعادة يكون على ذمة “الكبران” الذي هو في العادة “باندي” ورجل متنفّذ داخل “الشمبري” “غلام” من المساجين الصغار في السجن وهي ظاهرة أصبحت موجودة في السجون التونسية رغم الإجراءات الردعية التي تتوخاها إدارة السجن للحدّ من هذه الظاهرة وهناك حالة يصاب فيها السجين بالاكتئاب عند إبعاده عن غلامه”. ويضيف مخلوف “بالنسبة للمحسوبية تعتبر أخطر الشرور داخل السجن لأن سياسة الكيل بالمكيالين متفشية ولصالح الأكثر ثراء ووجاهة اجتماعية من بين المسجونين»
تحييد الوحدات السجنية
ومن بين الإجراءات التي تحدّث عنها مخلوف وتعتبر حلولا عاجلة لإرساء منظومة سجنية تكون عقابية وإصلاحية في الآن ذاته أكّد مخلوف أنه يجب توسعة الغرف السجنية أو الزنزانات حتى يمكّن كل سجين على الأقل من فراش بالإضافة الى تأهيل الأعوان والإطار السجني وتأهيل القوانين والتشريعات.. ويشدّد مخلوف على أهمية تحييد كوادر الوحدات السجنية وإبعادهم عن المؤسسة العسكرية كما يجب أن يكون الإطار الطبي تابعا لوزارة الصحة وليس لإدارة الصحة.. ويختم محدّثنا بالقول أن المشاكل التي تشهدها اليوم الوحدات السجنية يعود أساسا الى حرق عدد هامّ من السجون وطول مدة الإيقاف..
كاتب عام المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب
لجان تحقيق محايدة لرصد الإخلالات ومعالجة الانحراف السلوكي
تحاول المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب رصد كل الانتهاكات التي يتعرّض لها الموقوفون والسجناء بما فيها الاعتداءات الجنسية والجسدية وعلى خلفية وفاة البشير قلي بسجن المرناقية على خلفية اضراب الجوع الذي خاضه وأدّى الى وفاته فيما بعد صرّحت رئيسة المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب راضية النصراوي أن المنظمة لم تتهاون في الدفاع عن المرحوم البشير القلي والوقوف إلى جانبه في إضراب الجوع وأكّدت أن المنظمة تدافع عن حقوق الانسان مهما كانت انتماءات الأشخاص الفكرية والعقائدية..
وأكّدت في ذات السياق أن بعض السجون مازالت تعتمد نفس ممارسات النظام البائد وينبغي مراجعة المنظومة السجنية في البلاد ..
وفي اتصال هاتفي مع كاتب عام المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب ذكر الأستاذ منذر الشارني “ورثنا هذه المنظومة السجنية من عهد الدكتاتورية وتعاني من سلبيات عديدة ومشاكل جوهرية كالمعاملة السيئة للسجناء وحتى بالنسبة للقانون المنظّم لحقوق وواجبات السجين فانه يجب تنقيحه وفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان فالحقوق لا تقف عند الحق في الغذاء فقط بل ينبغي أن يتمتع السجين بالحق الكامل في صون كرامته واحترامها..وقبل كل ذلك ينبغي المرور بطريقة عاجلة لإصلاح المنظومة السجنية.
ويضيف الأستاذ الشارني بالنسبة لظاهرة المخدرات فلا يمكننا تأكيدها أو نفيها لكن ينبغي أن تفتح تحقيقات داخل السجون من طرف لجان محايدة لرصد هذه السلوكيات وايجاد حلول عاجلة لها..
يقول كاتب عام المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب” نطالب كمجتمع مدني بان تصبح زيارة السجون عادة وبصفة مفاجئة للوقوف على الاخلالات المحتملة..كما ينبغي تفعيل اليات عقابية أخرى كالعمل للمصلحة العامة وذلك يمكن أن يخفف من ظاهرة الاكتظاظ داخل السجون..بالاضافة الى ضرورة اعادة رسكلة أعوان والاطارات السجنية.”


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.