رغم العثرات التي واجهتها الهيئات الدستورية بهدف مراجعة المسار الثوري واختلافاتها فيما بينها في إيجاد صيغة توافقية في أهدافها، ورغم القاسم المشترك بينها ظلت الخلافات تراوح مكانها مما أثار حفيظة عديد المراقبين في الشأن السياسي تخوفا من الاستعمالات السلبية في ظل تغول مافيا الفساد في الدولة. وأجمعت التصريحات والانتقادات على ضرورة تصويب مسار توجهات هذه الهيئات التي بقيت محكومة بالمصالح السياسية، غير أن الرسائل الأخيرة التي بعثها رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب، أعادت الثقة حول امكانية إيجاد صيغة تشاركية مع الرئاسات الثلاثة بعيدا عن الخلافات التي أرهقت الجسد التوافقي بين الهيئات نفسها التي تسعى إلى محاربة الفساد. وعبر الطبيب في مقال صحفي نشره في جريدة المغرب، عن فخره بنجاح انجازات الحكومة ومجلس نواب الشعب والقضاء والاعلام والمجتمع المدني والداعمين الدوليين، بعد سنة من إقرار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، مؤكدا على وجود الإرادة السياسية في إرساء تغيير فاعل ومستمر في مجال مقوّمات الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد. وأكد في تصريح صحفي الاسبوع الماضي أن أكثر من 13 وزارة وقعت اتفاقيات تعاون مع الهيئة بالإضافة إلى بلدية تونس والديوانة، مشددا على أن هذه الاتفاقيات سيكون لها الأثر الجيد على محاربة الفساد. ومن بين الوزارات الموقعة، وزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، والتجهيز والإسكان والتهيئة الترابية، وشؤون المرأة والأسرة والطفولة، والتكوين المهني والتشغيل، والسياحة والصناعات التقليدية، ومع بلديّة تونس، على ان يتم وخلال الأيام القادمة إمضاء اتفاقيات مع كلّ من وزارة الداخلية، ووزارة أملاك الدولة والشؤون العقاريّة، ووزارة المالية. هذا ويعتزم الاتحاد العام التونسي للشغل خلال الايام القليلة القادمة توقيع اتفاقية شراكة وتعاون مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وفق ما أعلنه الأمين العام للاتحاد"، وفق ما أعلنه الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي الاثنين الماضي، داعيا النقابيين والهياكل النقابية الى معاضدة عمل الهيئة. وأبرز الطبوبي في تصريح ضرورة ان يسهم النقابيون بصفة فعلية وجادة في دعم عمل هيئة مكافحة الفساد وفي نشر ثقافة مقاومة الفساد والابلاغ عن الفاسدين حفاظا على المصلحة الوطنية وعملا على انجاح الانتقال الديمقراطي في تونس. ولفت رئيس الهيئة، الى أن الأهم، هو أنّ هذه الفرق تعمل بصفة تشاركية على وضع خطط وبرامج تعتمد على مقاربات تساعد على نشر وتعميم الممارسات المثلى والفضلى للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد داخل الادارة التونسية عبر تركيز تجربة نماذج النزاهة حتّى تصبح المنشآت والمؤسّسات التي يستهدفها هذا البرنامج قاطرات للإصلاح ومثالا يحتذى به في التصرّف والتسيير الإداري والمالي وفقا لمعايير دوليّة. في المقابل، أشار القاضي محمد العيادي عضو مجلس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، إلى أن تعدد هياكل مكافحة الفساد وعدم تنسيق العمل في ما بينها من شأنه أن يضعف عملها ويشتت جهودها". وشدد العيادي في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (وات)، على أن المطلوب توحيد مجهودات هذه الهياكل والتنسيق فيما بينها حتي يتسم عملها بأكثر نجاعة وفاعلية فضلا عن ضرورة مزيد التنسيق بين الهيئة والقضاء من أجل معرفة الملفات التى وقعت إحالتها على القضاء منذ 2011. وكان رئيس الهيئة قد أكد أنه على الرغم من العراقيل التي تواجه عمل الهيئة فإنها استطاعت كسب ثقة التونسيين وتحصلت على المرتبة الثالثة في إحصائيات المؤسسات التي تحظى بثقة المواطنين. وبخصوص مصادر الملفات الواردة على الهيئة أوضح تقريرها لسنة 2018، أنها تلقت 721 ملفا تهم الوزارات و353 من الولايات والمعتمديات والبلديات و215 ملفا من مؤسسات خدمات البريد والماء والكهرباء و380 من البنوك والشركات، فيما تلقت كذلك 17 ملفا اتهم فيها الرئيس الأسبق بن علي وعائلته و1295 ملفا يخص أفرادا عاديين.