النواب يناقشو مهمة رئاسة الحكومة: مشاريع معطّلة، إصلاح إداري، ومكافحة الفساد    الأربعاء المقبل / إطلاق تحدّي " تحدّ ذكاءك الاصطناعي" بالمدرسة العليا للتجارة    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    برنامج مباريات اليوم و النقل التلفزي    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    تركيا: 6 قتلى في حريق بمستودع للعطور والسلطات تحقق    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    مالي: اختطاف 3 مصريين .. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    الأحد: أمطار رعدية والحرارة في انخفاض    تشيلسي يصعد لوصافة الدوري الإنجليزي بالفوز على وولفرهامبتون    وزارة الصحة: 1638 فحص أسنان: 731 حالة تحتاج متابعة و123 تلميذ تعالجوا فورياً    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    منخفض جوي وحالة عدم استقرار بهذه المناطق    زيادة في ميزانية رئاسة الحكومة    عماد الأمن الغذائي والمنظومة الإنتاجية .. الدعم لإنعاش الفلاّح وإنقاذ الفلاحة    دعوة الى رؤية بيئية جديدة    منتدى تونس لتطوير الطب الصيني الإفريقي يومي 21 و22 نوفمبر 2025    تونس تحتضن ندوة دولية حول التغيرات المناخية والانتقال الطاقي في أكتوبر 2026    الجولة 12 لبطولة النخب لكرة اليد :سبورتينغ المكنين وجمعية الحمامات ابرز مستفيدين    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    رئيس الجمهورية يكلّف المهندس علي بن حمودة بتشكيل فريق لإيجاد حلول عاجلة في قابس    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    ألعاب التضامن الإسلامي – الرياض 2025: فضية لجميلة بولكباش في سباق 800 متر سباحة حرة    ربع التوانسة بعد الأربعين مهدّدين بتآكل غضروف الركبة!    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    تونس - الصين: 39 طالبا وطالبة يحصلون على "منحة السفير" في معهد كونفوشيوس بجامعة قرطاج    إعادة انتخاب محرز بوصيان نائبا لرئيس الإتحاد العربي للجان الوطنية الأولمبية    الرابطة الثانية – الجولة 8 (الدفعة الثانية): النتائج والترتيب    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    لمرضى السكري: عشبة إذا شربتها صباحًا ستخفض السكر في دمّك    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    دربي العاصمة: الإفريقي والترجي نهار الأحد.. 142 مواجهة وهذه الأرقام    أغرب عملية سرقة: سارق رقد في عوض يهرب!    حريق في مستودع للعطور بتركيا يخلف 6 قتلى و5 مصابين    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    عاجل: من مساء السبت والى الأحد أمطار رعدية غزيرة ورياح تتجاوز 90 كلم/س بهذه المناطق    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    العلم يكشف سر في المقرونة : قداش لازمك تحط ملح ؟    عاجل/ محاولة اغتيال سفيرة إسرائيل بالمكسيك: ايران ترد على اتهامها..    هام/ الهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب تنتدب..#خبر_عاجل    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    عاجل: اليوم تنطلق الدفعة الأولى من مباريات الجولة 14.. شوف القنوات الناقلة!    بايدن يوجه انتقادا حادا لترامب وحاشيته: "لا ملوك في الديمقراطية"    النيابة العامة في إسطنبول تصدر مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    أمطار بهذه المناطق خلال الليلة المقبلة    ارتفاع ميزانية وزارة الشؤون الثقافية بنسبة 8 بالمائة سنة 2026    مفزع/ نسبة الرضاعة الطبيعية في تونس أقل من 18 بالمائة..!    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    عاجل : فضيحة في مسابقة ملكة جمال الكون 2025: شنية الحكاية ؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    عاجل: حدث نادر فالسماء القمر يلتقي بزحل ونبتون قدام عينيك..هذا الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضاة ونواب ومسؤولون: تشريعات مكافحة الفساد منقوصة.. ولابد من وضع إستراتيجية تتصدى للإفلات من العقاب
نشر في الصباح نيوز يوم 10 - 11 - 2017

إنطلقت لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب، بداية الشهر الجاري، في مناقشة مشروع القانون المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح ومكافحة الإثراء غير المشروع، الذي طلبت الحكومة باعتبارها جهة المبادرة، إستعجال النظر فيه، ليكون بعد المصادقة عليه الحلقة الأخيرة ضمن ترسانة تشريعات تتعلق بمكافحة الفساد، شرعت تونس في إرسائها منذ الثورة.
ولئن تعددت مجالات نظر المنظومة التشريعية، ووقفت على مختلف أوجه مكافحة الفساد، وركزت آليات للتوقي منه، فإن الفساد كظاهرة متعددة الأشكال والتجليات، ظل متجاوزا الخط الأحمر، وفق ما أظهرته المؤشرات المسجلة، والدراسات المنجزة من قبل خبراء اقتصاديين وماليين ومن قبل هياكل وطنية ودولية مختلفة، لاسيما شبكات المجتمع المدني، إذ تحدث الكثيرون عن حجم الاقتصاد غير المنظم والتهريب الذي يفوق نسبة 50 بالمائة من الناتج الوطني الخام.
وتفيد النتائج السلبية للتقييمات التي أجرتها هياكل دولية، سواء على مستوى تشخيص الإطار التشريعي التونسي، أو على مستوى تنفيذ القرارات والإجراءات ذات العلاقة بمقاومة ظاهرة الفساد، بأن النسق يظل في مجمله «بطيئا»، بالنظر أساسا إلى حجم التحديات الاقتصادية والمالية التي تجابهها تونس اليوم.
وبغاية إعطاء نفس جديد لجهود مكافحة الفساد، الشعار الذي رفعه السياسيون في حملاتهم الانتخابية، شرعت الحكومة منذ ماي الماضي في شن «حرب على الفاسدين»، شملت إلى حد اليوم عشرات من رجال الأعمال والموظفين الذين تورطوا في قضايا ديوانية ومصرفية بالأساس، والذين ما زالت ملفاتهم في طور التحقيق على المستوى القضائي .
إزاء استخدام الحكومة لقانون الطوارئ، ووضع المشتبه بهم قيد الإقامة الجبرية، (وهو إجراء يوصف بأنه ينتهك حقوق الإنسان)، وتواصل تحذيرات رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقى الطبيب، من تفشي الفساد والإثراء غير المشروع، ومخاوفه من أن يتحول الفساد إلى ظاهرة وطنية قد تؤسس ل «دولة مافيوزية»، ووسط انتقادات لفاعلين سياسيين ومجتمعيين يرون أن الحرب ضد الفساد «انتقائية» و»حملة انتخابية قبل الأوان»، تطرح تساؤلات حول مدى جدوى ونجاعة المنظومة التشريعية الوطنية في مجال مكافحة الفساد، وفي محاربة «مافيات» الصفقات المشبوهة والتهريب وبارونات الفساد، الذين تغلغلوا في مفاصل الدولة من إدارات ووزارات وقطاعات أخرى على مدى سنوات طويلة.
تقدم كبير في الترسانة التشريعية، لا ينفي ضرورة وضع إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد
في هذا السياق، أكد القاضي وعضو مجلس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد محمد العيادى، أهمية التقدم المحرز على مستوى الترسانة التشريعية في مجال مكافحة الفساد،، مشيرا في الوقت ذاته إلى وجود نقائص لا بد من تلافيها، من ذلك الإسراع في المصادقة على مشروع القانون المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح ومكافحة الإثراء غير المشروع.
كما أبرز ضرورة ألا يقتصر القانون على القطاع العام، وأن تشمل أحكامه القطاع الخاص، حتى يتلاءم مع مضامين اتفاقية منظمة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، لافتا إلى أن استقراء خصوصيات الواقع التونسي يؤشر على أن القطاع الخاص «ليس بمنأى عن الفساد»، وفق تعبيره.
وشدد على ضرورة أن يندرج مجهود مكافحة الفساد في إطار استراتيجية وطنية، ويستند إلى منهجية مضبوطة بدقة تراعى فيها جملة من الأولويات على مستوى القطاعات المستهدفة، وكذلك على مستوى الأهداف المرجو الوصول إليها على المديين القصير والطويل، وألا تقوم هذه الاستراتيجية على مكافحة الفساد فقط، بل على آليات التوقي منه وسد منافذه.
وأوصى بضرورة أن يكون مجهود مكافحة الفساد مؤسساتيا دائما، تحركه مؤسسات الدولة الرسمية وتنخرط فيه جميع هياكلها بصفة جماعية، وعلى أساس التنسيق، وغياب كل تداخل أو تنازع في الاختصاصات، قائلا «لقد أثبتت التجربة أن بعض المجهودات التي بذلت لم تبرز بصفة فعالة نتيجة تداخل اختصاصات الهياكل في ما بينها وتنازعها، مما أفقدها كل جدوى أحيانا».
كما لفت إلى أن مكافحة الفساد تتطلب الاستثمار في هذا المجال، وذلك بتوفير الإمكانيات المادية والبشرية للهياكل والأجهزة المتدخلة في مكافحة الفساد، «على أن يكون كل ذلك في كنف مراعاة عدم إغراق الهيئات والهياكل المتدخلة بالصلاحيات الغزيرة والكبيرة، لأن ذلك قد يستبطن رغبة في تعجيزها وإضعاف استقلاليتها».
وقال العيادي «إن المجهود الوطني يتطلب أن ينطلق من الأسفل إلى الأعلى وليس العكس، بمعنى أن النخبة السياسية والهيئات وهياكل وأجهزة الدولة ومسؤوليها السامين، يجب أن يكونوا القدوة في هذا المجال، وأن يبتعدوا عن كل الشبهات التي قد تعتري سلوكياتهم أو ممارساتهم، لأنه لا يمكن أن تطلب من المواطن البسيط أن يساهم في مكافحة الفساد وهو يرى حاكميه يقومون بعكس ذلك».
وأكد على ضرورة تيقظ المجتمع المدني والإعلام والمواطنين عامة، مع وجوب نبذ النزعة القطاعية (الفئوية) التي تسببت في إضعاف مجهود مكافحة الفساد في أكثر من مناسبة، علاوة على فتح ملف تأهيل الإدارة التونسية بكل جدية، وإقرار مشروع رقمنة الإدارة كمشروع دولة يتركز عليه اهتمام السلطتين التنفيذية والتشريعية، والوصول إلى تعميم اعتماد المنظومة الإعلامية في جميع الصفقات والشراءات العمومية، عبر تطبيق نظامي الحوكمة المفتوحة والحوكمة الالكترونية، والحد من العلاقة المباشرة بين مسديي الخدمات والمواطنين.
وتابع محمد العيادي قوله «صحيح أن مجهود مكافحة الفساد يستحق منظومة تشريعية، لكنه يستحق أيضا وبالخصوص قاطرة قوية يعبر عنها بالإرادة السياسية والمجتمعية الجادة، ذلك أن تونس اليوم في حاجة إلى شخصيات سياسية وقضائية ومدنية قوية وجريئة، يكون ديدنها المساواة أمام القانون، والحزم في تطبيقه».
القطب القضائي الإقتصادي والمالي يعمل دون خبراء ومحللين فنيين ولا بد من تنقيح المجلة الجزائية ليشمل مجهود مكافحة الفساد القطاع الخاص
قاضي التحقيق الأول بالقطب القضائي الإقتصادي والمالي محمد كمون، أبرز وخلافا لرأي محمد العيادى، ضرورة ألا تشمل أحكام مشروع القانون المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح ومكافحة الإثراء غير المشروع، القطاع الخاص، لأن المجلة الجزائية (الأصل في المنظومة التشريعية)، لا تجرم في صيغتها الحالية الفساد في القطاع الخاص، المنصوص عليه في الاتفاقيات الدولية، ومن أهمها الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد التي تلزم الدول المصادقة عليها، ومن بينها تونس، بمواءمة تشريعاتها مع بنود الاتفاقية.
وأضاف أن نقطة الضعف هذه في المنظومة التشريعية في تونس (عدم وجود نصوص قانونية تجرم الفساد في القطاع الخاص)، أثرت على عملية التقييم التي أجرتها مجموعة العمل المالي لنظام التشريع التونسي في المجال، مبينا أنه من الضروري، وبدل أن تنطبق أحكام مشروع القانون على القطاعين الخاص والعام، تنقيح المجلة الجزائية في اتجاه تجريم الفساد في القطاع الخاص.
وأوضح، على سبيل المثال، أنه في صورة تلقي موظف لرشوة في صفقة متعلقة بشركة خاصة، لا يمكن إدانته ومحاسبته، لأن الفعل الأصلي غير مجرم في القانون التونسي، متسائلا «كيف نجرم الفساد في القطاع الخاص بمشروع القانون المعروض حاليا على أنظار مجلس نواب الشعب، وهو المظهر، ونحن لا نجرم ذلك في الأصل ؟».
من ناحية أخرى، أشار محمد كمون إلى الصعوبات التي تواجه عمل القطب القضائي الإقتصادي والمالي، قائلا «ليس المشكل في تسمية قضاة ومنحهم امتيازات، وإنما الأهم من كل ذلك توفير أدوات العمل الضرورية التي تساهم، وبصفة مباشرة، في تحقيق نجاعة تدخل الآليات القضائية في مجال مكافحة الفساد، ومن بينها توفير المحللين الفنيين والخبراء الذين لم يتم إلحاقهم إلى اليوم بالقطب».
وبين أن المحللين الفنيين والخبراء، يعدون من أبرز ركائز القطب القضائي المتخصص في النظر في قضايا الفساد المتشعبة، ومن الضروري اعتماد تقاريرهم في ملف كل قضية.
ويختص القطب القضائي الاقتصادي والمالي بالجرائم الاقتصادية والمالية المتشعبة، على معنى الفصل 2 من القانون الأساسي المتعلق بالقطب، والمرتكبة في مجالات المال العام والمال الخاص الموضوع تحت يد الموظف العمومي أو شبهه بمقتضى الوظيفة، والديوانة والجباية والصرف والسوق المالية والبنوك والمؤسسات المالية وتمويل الأحزاب والجمعيات والانتخابات والأنشطة التجارية والاقتصادية.
وهو يتكون من ممثلين للنيابة العمومية وقضاة تحقيق وقضاة بدوائر الاتهام يعينهم المجلس الأعلى للقضاء، ويتم اختيارهم حسب تكوينهم وخبراتهم في القضايا المتعلقة بالجرائم الاقتصادية والمالية.
كما يشمل قسما فنيا يضم مساعدين مختصين تضبط اختصاصاتهم وشروط وإجراءات انتدابهم وتأجيرهم بمقتضى أمر حكومي، ويباشرون مهامهم تحت إشراف القضاة المباشرين به، ويقومون بجميع ما يطلب منهم من أعمال فنية يصيغون نتائجها في شكل تقارير تضاف لملف القضية وتعتمد كورقة من أوراقه.
من جهة أخرى، شدد قاضي التحقيق الأول محمد كمون، على ضرورة وضع إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، قائلا «ما دام النظام الحالي في مجال مكافحة الفساد معتلا، فإنه من المفروض أن ننظر في إرساء منظومة متكاملة، وننظر في آليات التعاون والتنسيق بين مختلف الفاعلين، وهو ما تنادى به الاتفاقية الدولية فى مجال مكافحة الفساد ومجموعة العمل المالي».
وأكد أنه من الأهمية بمكان تحديد الجهات المعنية بالتنسيق في ما بينها، ضمن بنود الاستراتيجية التي من المفروض أن تعدها لجنة التحاليل المالية، التي تعمل تحت إشراف البنك المركزي التونسي، إلى جانب وضع مبادئ توجيهية، وتخصيص قاعدة بيانات يكون النفاذ إليها متاحا لمختلف الأطراف المتدخلة في مجال مكافحة الفساد، قائلا «ما يلاحظ اليوم عدم وجود قنوات اتصال بين مختلف الجهات المعنية بمكافحة الفساد». وهو ما ينعكس سلبا على مدى تناسق أعمالها وتكاملها.
تعدد الهياكل المتدخلة في مجال مكافحة الفساد شتت المجهود الوطني
أما الطيب المدني، رئيس لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب، فقد اعتبر أن «المنظومة التشريعية الحالية غير كافية»، وأن الحكومة تقدمت بمشروع القانون المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح ومكافحة الإثراء غير المشروع، «ليكون داعما لهذه المنظومة».
وأضاف أن تعدد الهياكل والأطراف المتدخلة في مجال مكافحة الفساد (الشرطة الجبائية والديوانة والهيئات ومؤسسات الرقابة في الدولة والقضاء)، يمثل عامل تشتيت للمجهود الوطني.
وأبرز في هذا الإطار، أهمية دور الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد باعتبارها تضطلع بدور الضابطة العدلية، وتقدم ملفات إلى القطب القضائي الاقتصادي والمالي، الذي قال إنه يظل بحاجة إلى الإمكانيات المادية واللوجستية الضرورية من أجل البت في الكم الهائل من القضايا المعروضة عليه، وفي حاجة إلى تكوين القضاة في مجال تتداخل فيه العديد من القوانين والهياكل.
الجانب الزجرى والردعي في مكافحة الفساد مهم، لكن الضرورة والنجاعة تتطلبان إعطاء الجانب الوقائي قدرا أكبر من الأهمية
من ناحيته، اعتبر كمال العيادى، رئيس الهيئة العليا للرقابة الإدارية و المالية، أن «مكافحة الفساد ليست منظومة تشريعية فقط، وإنما هي مرتبطة بالممارسة في الواقع. فالتركيز على أن المنظومة التشريعية تمثل الأساس لبلوغ الحل النهائي والجذري، يظل غير كاف، لأنه هناك بعض الحالات في مجالات مغطاة بالتشاريع والقوانين لا تؤدى إلى الهدف المرجو، ولا يكون للجانب الردعي فيها تأثير ووقع على الممارسة اليومية».
ولاحظ، في السياق ذاته، أن «التشريع جيد وضروري، ولكن لا بد أن يكون نقطة البداية، إذ أن الغاية ليست تكديس القوانين»، مضيفا قوله «يجب أن يتوفر في المنظومة التشريعية جانب من الموضوعية، وأن تتلاءم مع الخصوصيات التونسية، وتكون قابلة للتطبيق.. فلا فائدة في وضع قوانين مثالية تبقى حبرا على ورق.. بل لا بد أن ننظر إلى الممارسة، ونجتهد لتطويرها شيئا فشيئا، بالتلازم مع التأسيس للتشريع».
وذهب العيادى، إلى أن «مقاربة مكافحة الفساد في تونس يطغى عليها الجانب الزجري والردعي دون إعطاء الجانب الوقائي الأهمية اللازمة»، مبينا أن الجانب الزجري ضروري للقضاء على فكرة الإفلات من العقاب «ولكن القضاء على الفساد، يتطلب بالأساس مقاربة وقائية تكون هي أهم عنصر في السياسة العامة».
ولفت في هذا الخصوص، إلى وظيفة الوقاية المباشرة التي تضطلع بها هياكل الرقابة في الدولة، باعتبارها تراقب التصرف العمومي بصفة مباشرة، وتقف على الإخلالات وأخطاء التصرف، وهو الجزء الهام من المقاربة الوقائية، مبينا أن الوقاية غير المباشرة التي تقوم على التثقيف والتوعية والتكوين، تعطى نتائج على المديين المتوسط والبعيد، في حين تمكن منظومة الرقابة من تحصيل نتائج على المستوى الحيني.
وبين كمال العيادى أنه بالتقليص من إمكانية حدوث الفساد، من خلال الوقاية، يصبح الردع ممكنا، مشيرا إلى أن الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية، التي تشرف عليها رئاسة الجمهورية، انطلقت في تنفيذ برنامج مع منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية، وبتمويل من بريطانيا، يرتكز على تفعيل المنظومة الرقابية، باعتبارها تمثل حلقة أساسية تؤمن متابعة التقارير، والتدخل على مستوى جودة الرقابة.
ويشار، في هذا الإطار، إلى أن قيمة الفساد في الصفقات العمومية في تونس، تقدّر بنحو 2000 مليون دينار سنويا من حجم جملي للصفقات العمومية يقدر ب10 مليارات دينار، وبالتالي فإن «الدولة تتكبد خسائر تقدر ب25 بالمائة من الحجم الإجمالي للصفقات العمومية، نتيجة الفساد في التصرف في الشراءات العمومية، وهو ما يمثل إهدارا لموارد الدولة ينعكس سلبيا على التنمية»، وفق إحصائيات قدمها رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، شوقى الطبيب.
سبع سنوات بعد الثورة.. قوانين ومراسيم.. لكن الحصيلة تظل دون المطلوب
خلال الفترة التي أعقبت ثورة 2011، رأت جملة من التشريعات لمكافحة الفساد النور، ونشرت تقارير حكومية وصحفية حول فساد الرئيس السابق زين العابدين بن على وزوجته وأصهاره والنافذين في السلطة خلال فترة حكم حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، بإحداث لجنة لمصادرة أملاكهم، وإصدار مرسومين، يتعلق الأول بالنفاذ إلى الوثائق الإدارية للهياكل العمومية، والثاني بإحداث الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
إلا أن الوقائع المسجلة خلال السنوات السبع المنقضية، تشير إلى أن جهود مكافحة الفساد ظلت محدودة وغير كافية. وتفيد المؤشرات والأرقام المسجلة من قبل منظمات دولية، بأن الفساد في تونس استشرى بعد الثورة، بسبب ضعف الدولة، وغياب اجراءات قانونية حازمة تحد من الإفلات من العقاب.
وفي سنة 2014، أسس الدستور لمبادئ هامة وجوهرية في هذا المجال، على غرار ما تضمنته التوطئة من تأكيد على «القطع مع الظلم والفساد»، وما تضمنته الفصول 10 و15 و32 من تنصيص على أن الدولة مدعوة إلى مقاومة التهرب والغش الجبائيين، وعلى الحرص على حسن التصرف في المال العام، و العمل على منع الفساد، وعلى ضرورة أن تكون الإدارة العمومية في خدمة المواطن والصالح العام وفق قواعد الشفافية والنزاهة والنجاعة والمساءلة، وعلى ضمان الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة وإلى شبكات الاتصال.
كما نص الفصلان 125 و130 من الدستور على إحداث هيئة دستورية تعنى بالحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد. وفي سنة 2016 صدر القانون الأساسي المتعلق بالنفاذ إلى المعلومة، الذي يهدف إلى تعزيز مبدأي الشفافية والمساءلة، وخاصة في ما يتعلق بالتصرف في المرافق العمومية، وإضفاء الجودة المطلوبة على أدائها، والأمر الحكومى المتعلق بإحداث خلايا الحوكمة وضبط مشمولاتها.
كما تم تركيز القطب القضائي الاقتصادي والمالي بعد المصادقة على قانونه الأساسي. وتكمن أهمية هذا القانون في كونه يمكن من إفراد التحقيق في قضايا الفساد المالي والاقتصادي المتشعبة وتتبعها، بجهاز قضائي، وتجاوز البطء الملحوظ في البت في ملفات الفساد المالي، باعتبار أن قضاته متفرغون للعمل في هذا المجال دون غيره من الاختصاصات الأخرى.
ودخلت الاستراتيجية الوطنية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد حيز التطبيق يوم 9 ديسمبر 2016، بعد أن وقعها رسميا رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، إلى جانب توقيعها من قبل السلطة القضائية، ممثلة في الهيئة الوقتية للقضاء العدلي، والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، التي تمثل المجتمع المدني.
وفي سنة 2017 ، سن مجلس نواب الشعب قانون هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، وهى هيئة مستقلة دستورية تنسجم أحكامها مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي ألزمت الدول الموقعة عليها بإنشاء هيئات تعنى بالفساد، والتي من المفترض أن تحل محل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، إلى جانب المصادقة على القانون المتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين، الذي يكتسى أهمية بالغة باعتبار أن من مقومات مجهود مكافحة الفساد ونجاحه، التشجيع على التبليغ على الفساد من خلال وضع الآليات الكفيلة بذلك، وحماية الأشخاص المبلغين عنه، سواء حماية قانونية أو معنوية أو مادية.
وتحتل تونس حاليا وفق تقرير لمنظمة الشفافية الدولية حول مؤشر مدركات الفساد في العالم لسنة 2016 المرتبة 75 عالميا، محققة تحسنا طفيفا مقارنة بسنة 2015 . وقالت المنظمة إن «سبب التحسن يعود لعدة إجراءات اتخذتها تونس لمحاربة الفساد».
وإعتبرت أن الطريق طويلة لوضع ركائز فاعلة في مكافحة الفساد، أبرزها إقرار قوانين مثل قانون حماية المبلغين عن الفساد، الذي تمت المصادقة عليه، وتجريم تضارب المصالح والإثراء غير المشروع والإفصاح عن الذمة المالية، مؤكدة أن القضاء التونسي يحتاج إلى أن يكون أكثر شجاعة للفصل في قضايا الفساد، وخاصة منها العالقة منذ 6 سنوات بعد الثورة والتي لم يتم البت فيها بعد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.