بالرغم مما حصل في نصف القرن الماضي من تطور في ميادين التعليم والطب وتحرير المرأة والقوانين وغيرها، فإن التلفزات التونسية تتحول لمناسبة راس السنة الادارية الى وكر للدجالين و الى نقطة التقاء المنجمين و المتنبئين بالمستقبل ، ذاك يتحدث عن هزة ارضية و تلك تتحدث عن ثورة و الاخر يتحدث عن نهوض اقتصادي في واقع تثبت فيه كل المؤشرات عكس ذلك ، و بين هذا و ذاك يجب المتفرج نفسه متابعا مشدودا ، يحاول بأقصى مجهوده السفر مع كوكبة الابرااج التي قد تهديه مفتاح المستقبل . السهرات الفلكية والتنجيم والابراج هم نجوم ليلة رأس السنة بلا منازع، اذ يجد المواطن التونسي نفسه دون رغبة منه او برغبة مبطنة متابعا لوابل من الاكاذيب و التنبؤات التي لا تمت بالواقع بصلة، و لا يجد المنجم ضررا في تقديم عرض مسرحي تتكامل فيه حركات وجهه و يديه ، لينطلق فيما بعد في قراءة الاوراق المسطرة بين يديه و التي تتضمن في اغلبها افكارا عامة لتصبح مقبولة لدى كافة المشاهدين ، فهذا يتنبأ له بالحظ الوافر و تلك بالعريس " اللقطة" اما الاخر سيربح هذه السنة اموالا طائلة بشرط الالتزام بمجموعة من الشروط ، تكهنات تتكرر سنة بعد سنة لا تختلف في تفاصيلها و انما تختلف في كيفية نقلها من شخص الى اخر ، فهي " ماعون خدمة" لهؤلاء المشعوذين المتلذذين بفضول المتفرجين . و الغريب في الامر ان عدد هؤلاء الدجالين ، يزيد سنة بعد سنة في التلفزات التونسية ، وقد وجدوها تجارة رابحة يستدرون بها الأموال ويتراكضون بادعاءاتها إلى الشهرة، حتى غدوا نجوما يتصدرون الأخبار والاستضافات في المحطات التلفزية وتنقل أقوالهم على أنها إعجاز واختراق للقدرات البشرية العادية، فتجد المنشط الذي يستضيف أحدهم يضفي عليه هالة من الإكبار والإعجاب ترقى به إلى التصديق المطلق بما يقول. و تبين الأرقام أن المشعوذين في تونس وصل عددهم إلى 145 ألف مشعوذ حسب الباحث في علم الاجتماع التونسي زهير العزعوزي، مقابل عدد الأطباء الذي لا يتجاوز ال80 ألفا. ويقول أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية طارق بالحاج إن اللجوء إلى المشعوذين والدجالين هو "سلوك يمثل تعبيرا واضحا على سيكولوجية الإنسان المقهور والمهزوم الذي يحاول البحث عن حلول ووصفات غيبية لمشاكله الواقعية". ويفسر ذلك بالقول إنه "حين لا نجرؤ على تحمل مسؤولياتنا في الحياة أو نعجز عن تحملها أو حلها نلتجئ إلى السحرة والمنجمين والعرافين ليجدوا لنا الحلول بالنيابة عنا نظرا لسيادة ثقافة التواكل أو لاستبداد حالة اليأس بنا." كما أكدت العديد من الدراسات في الوطن العربي أن نسب الإقبال على مراكز الدجل والمداواة بأدوات ومعارف غير طبية تعد نسبا عالية ومخيفة أحيانا لأن الأرقام التي تضبط هذه الظاهرة وتفسرها تعد أرقاما مهولة. فقد أظهرت دراسة أكاديمية، أعدها أستاذ الثقافة الإسلامية بالجامعات العربية والسودانية الدكتور إسماعيل محمد الحكيم، وهي بعنوان "الإسلام ومحاربة الدجل والشعوذة"، أن العالم العربي ينفق سنويا أكثر من خمسة مليارات دولار على أعمال الدجل والشعوذة، وأن الإحصائيات أشارت إلى أن نحو 70 بالمئة من المترددين على الدجالين المشعوذين من النساء.