تونس/الصباح: يكثر الاقبال على التنجيم والتكهنات مع حلول العام الجديد، وقد يحمل هذا العام في ثناياه سعادة وأحداثا هامة تقلب حياة المقبلين المعتقدين في مثل هذه الأشياء. وبين رأي العلم النافي قطعا صلته بالتنجيم، وتأكيد المنجمين على طروحاتهم العلمية في استشراف المستقبل وخفاياه.. يبقى الجدل قائما بين عدد كثير من المشككين في التنجيم وأعداد أكثر لمعتقدين فيه. استحضار الماضي، توضيح الحاضر، استشراف المستقبل، جلب للحظ وتجريد للمخاوف، وتحقيق للتوازن وطريق للسعادة وازالة للغموض... وأكثر من ذلك يمد مولعي ومحترفي العلوم التنجيمية بدروس خصوصية مرفوقة بتمارين تطبيقية.... هكذا يقدم أحد المنجمين نفسه للناس... أما اخر فيؤكد على قدرته على الجمع بين ابطال السحر وازالة التابعة وتسهيل السفر وجلب الرزق وتخفيف المكتوب الى جانب مداواة العديد من الأمراض المستعصية كالبرص والصدفية والدسة والشقيقة والصفرة وتساقط الشعر والعقم غير العضوي... وكلهم يدعي انتماءه لصف الفلكيين واحرازه على مراتب علمية صقلت مواهبه وكراماته، أو أضافت لقدراته على الاستشراف وزادت في معارفه المتعددة في أغلب الأحيان طبية وفلكية ونفسية..وهنا تطرح تساؤلات عدة... فماهو علم الفلك؟، وما هي علاقته بالتنجيم؟ وماهو الحد الفاصل بينها؟ ومن هم المقبلون على المنجمين؟ علم الفلك علم الفلك، هو علم يدرس حالة الأرض ودورانها حول الشمس وحالة القمر والكواكب والنجوم والشهب والنيازك والمذنبات وقد عرف هذا العلم منذ القدم، ويقول الفلكي أمين عبد اللطيف رئيس مصلحة الأرض في الكون بمدينة العلوم تونس «ان هذا العلم قديم قدم الانسان ولكن وفي مرحلة ما أخذ بعدا معرفيا، وبدأ علم الفلك الحديث يأخذ الشكل المعرفي الصحيح مع بداية القرن 20، فكانت الانطلاقة الكبيرة لهذا الاختصاص من خلال تطوير آلات الرصد التي تم اكتشافها في القرون القديمة». ويضيف محدثنا أن هذا المجال المعرفي أصبح علما صحيحا وأخذ شكل المعادلات والقوانين وتمت السيطرة على الحركات الدورية للأجرام القريبة مثل استشراف منازل القمر والخسوف والكسوف ومعرفة مواقع الكواكب مسبقا وكلها تخضع لمعادلات رياضية. علاقة الفلك بالتنجيم لا ينكر اثنان أن للتنجيم علاقة بعلم الفلك، والكثير من المنجمين فلكيون، فالفلكي علميا هو الباحث في الأجرام السماوية وحركتها وكينونتها،والعديد من المنجمين لهم حصيلة علمية تختلف فيما بينهم في هذا الاختصاص. أما الاستشراف بالمفهوم العلمي للمصطلح فهو اخضاع القوانين الصارمة وجميع المعطيات لمعرفة النسق العلمي وأين يوصلنا، ولكن يقول السيد أمين عبد اللطيف »انه عندما يتم تفسير الحياة الانسانية من خلال توظيف هذا الحقل المعرفي اعتمادا على حركة الأجرام يصبح ذلك تنجيما«. ومع هذا لا ينكر المختص في علم الفلك أن كل ما يدور حول الانسان بما في ذلك النجوم والأجرام والقمر والفضاء عنده تأثير في حياته بشكل أو باخر، انما يكمن الغموض في مدى التأثير وطريقة التأثير وانسجام هذا التأثير مع معطيات أخرى لا يمكن اخضاعها الى قانون علمي صارم لغياب الروابط الواضحة والمباشرة بينها. وفي نفس سياق الحديث أكد محدثنا أن أقصى درجات المعرفة الفلكية لا تسمح لك بتأويل ما يمكن أن يحدث للانسان في أي شيء، لغياب العلاقة المباشرة بين الظواهر الفلكية وحياة الانسان. الحد الفاصل بين علم الفلك والتنجيم لما كان الانسان شغوفا بطبعه بمعرفة الغيبيات والمستقبل، حاول أن يعطي تأويلات الى هذه العوالم التي تبقى بعيدة عن قدراته. ومن هذه التأويلات أراد أن يزاوج بين اختلاف وضعيات الأجرام بالحياة الانسانية، كولادة انسان في وقت ما، وما يحيله ذلك الى انتمائه الى برج من الأبراج وهو ما يترتب عنه بعض التنبؤات حول مستقبله ومصيره... ويفيد هنا الفلكي أمين عبد اللطيف ان العلم براء من كل ذلك، فبالنظر الى المسافات الكبيرة التي تفصلنا عن الأجرام السماوية ما يجعل من العسير تخيل أي تأثير مباشر أو ضمني في سلوكياتنا ومستقبلنا. والنظر في حظوظ الناس بحسب حركات النجوم ومواقعها وسيرها هو من التنجيم، والنظر في الحركات الفلكية والاتصالات الكوكبية لمعرفة أحكام النجوم من اقتضاء حركاتها لتفسير الوقائع الكونية والأمور الأرضية هو تنجيم، ومن يفعل ذلك يقال له منجم، ويذهب كثيرون الى أن ذلك ضرب من ضروب الدجل والخرافة بل والشعوذة. المقبلون على التنجيم لم تعد مسألة الاقبال على المنجمين تكثر في الأوساط الشعبية وبين الناس البسطاء فقط، انما أصبحت تشمل مختلف الفئات دون استثناء، فيقول السيد عادل وهو أستاذ تعليم ثانوي »ان مختلف الوسط العائلي الذي يعيش فيه اضافة الى محيطه الاجتماعي يعتقد اعتقادا راسخا في التنجيم«، في حين تذهب حنان 28 سنة موظّفة الى أنها تفتح الجريدة صباحا لتقرأ فقرة حظك اليوم قبل قهوة الصباح. والغريب في الأمر أن المترددين على المنجمين ليسوا فقط من الناس غير المتعلمين ، فالأمية ليست وحدها السبب في انتشار الشعوذة بهذا الشكل المخيف، فهناك أشخاص على قدر كبير من العلم والمعرفة، وإلى جانب هذا العلم والمعرفة توجد مساحة مهمة محجوزة للإيمان بقدرة التنجيم والشعوذة وحتى السحر على تحقيق ما يعجز الطب الحديث عن تحقيقه والتنبؤ بما يمكن أن يحدث في المستقبل. وقد كشفت العديد من القضايا، والتحقيقات، أن المنجمين يربحون أموالا طائلة مقابل خدماتهم، و أن عددا هاما من الناس يفضلون اللجوء للمشعوذين من أجل حل عقدهم النفسية ومشاكلهم المزمنة عوض الذهاب عند الأطباء النفسانيين. رأي علم النفس وفي اتصال الصباح بالاخصائية النفسية أسماء بن طالب اعتبرت الباحثين في مثل هذه الأشياء يعيشون فراغا، والفراغ حسب تفسيرها نوعان: اما من يعيشون طول أوقات الفراغ من مثل العاطلين عن العمل أو القابعين بالمنزل من ربات بيوت وغيرهم، والنوع الاخر هم من يعيشون أزمات نفسية أو عاطفية. وفي سياق متصل، أفادت الدكتورة أن المهتمين بمثل هذه الأشياء كانوا في مغلبهم من المراهقين الذين يعيشون أكثر من غيرهم هاجس المستقبل ولكن الظاهرة تعممت وأصبحت تشمل كل الفئات التي تعتمد على الخيالي في تكوين شخصياتهم ويفسر ذلك بعدم تمكن هؤلاء من الواقع ومجاراته، مما يجعلهم يهربون منه الى عالم خيالي. وفي الحديث عن اقبال الفئات المتعلمة على هذا النوع أكدت المختصة في علم النفس أن ذلك يرجع الى عدم اكتساب القدرة على التكيف مع الواقع والتلاؤم مع الحاجيات الواقعية.