«الشعوذة»، «السحر» «التنجيم» مصطلحات باتت تشكل جزءا كبيرا من ثقافتنا الشعبية بل انها تكاد تكون ظاهرة لأنها أضحت تفرض نفسها بقوة في مجتمعنا والمجتمعات الاخرى وهي لم تعد تشمل فئة اجتماعية دون أخرى بل إن جذورها امتدت الى المثقفين والاثرياء والمشاهير هؤلاء يجمعهم هدف واحد وهو ايجاد الحل بحجرات السحرة والمشعوذين ولكن رغم الامل الكبير الذي يحدو هؤلاء فإنهم يخرجون في النهاية بهزيمة قد تكلفهم احيانا حياتهم. «الصباح» بحثت في الموضوع من خلال التحقيق التالي، وتطرقت الى العقوبات الجزائية لهذه الفئة مثقفون على أبواب العرافين المرأة المتزوجة التي هجرها زوجها والرجل الذي أصيب بالعجز الجنسي والفتيات اللواتي تأخرن في الزواج هؤلاء هم الفئة الاكثر ترددا على العرافين ولا يمكن القول إنهم من الطبقة ذات المستوى التعليمي البسيط فمن بينهم جامعيون وإطارات كلهم يبحثون عن حلول للاشباح التي تطاردهم ولذلك بات من المألوف ان ترى في طريقك لافتة كتب عليها «عراف روحاني» او «فلكي عالمي» وما يتلوها من عبارات المدح الضمني والقاب وشهادات من قبيل «حكيم عالمي يداوي الامراض المستعصية ويقضي على ما تسمى بالتابعة» ويحل عقد «المكتوب» وهؤلاء تجدهم ينشرون الاعلانات للتعريف بأنفسهم ويحدثون مكاتب خاصة بهم.. وكل ذلك لا ستجلاب ضعفاء النفوس رغم يقينهم أنه لا جدوى من أعمالهم بناء على ما ورد بالاية الكريمة «ولا يفلح الساحر حيث أتى». والشائع أن النساء يشكلن الزبائن الاكثر لأن عدوى الايمان المطلق بقدرات العرافين الخارقة هي وراء ذلك، حيث تجدهن يتهامسن ناشرين غسيلهن وخلافاتهن الزوجية داخل قاعات الانتظار بمكاتب العرافين وتجد الواحدة منهن تشيد بقدرات العراف الفلاني والمشعوذ الفلاني على ارجاع زوجها اليها بعد نفور طويل وخضوعه المطلق لرغباتها وتطويعها له على الشاكلة التي تريدها، وهنا تساق ضعيفة النفس لتقلد تلك المرأة المحظوظة لتنعم هي الاخرى بشيء من بركات المشعوذ، ولكنها تمنى في نهاية المطاف بهزيمة وتجد نفسها وجها لوجه مع الوهم الذي بناه لها العراف. أما الميسورون والمشهورون فإنهم يلجأون الى العرافين لمنحهم المزيد من «البركة». إحصائيات مفزعة أكدت بعض الاحصائيات انه يوجد في العالم العربي عراف أو مشعوذ لكل ألف نسمة، وفي احدى الدراسات الاخرى أجريت على السحر والشعوذة يوجد 55% من النساء من المترددين على العرافين و24% ممن يجدن القراءة. «الحبة السوداء» و«اللوبان الذكر» و«عرق تبعني» الاكثر طلبا ان المتردد ين على العرافين لابد من لهم من زيارة «سوق البلاط» بالعاصمة فهناك يجدون ضالتهم من «الحوارات» و«البخورات» التي يطلبها العراف لمداواتهم وهذا ما يجعل هذا السوق يستقطب يوميا عددا هائلا من الزبائن ممن يبحثون عن «الحبة السوداء» و«أم الجلاجل» «عين العفريت» و«تفاح الجان و«ظفر الجان» و«اللوبان الذكر» و«عرق تبعني» و«أم البوية» وغيرها من جلود الحيوانات المحنطة او الحية وهي في الواقع لا تفسخ السحر ولا تجلب الحظ ولا تبعد «التابعة» وانما تشبث الزبائن بها يرفع من نسبة اعتقادهم بفاعليتها ونجاعتها في ابعاد الشر عنهم او في الحاق الضرر بأعدائهم. ضحايا الدجل والشعوذة ان مجال الدجل والشعوذة أضحى المجال الاكثر استقطابا للزبائن وهو ما فتح المجال على مصرعيه للمتحيلين والراغبين في الكسب السريع والسهل الى درجة أن بعضهم تجاوز فتح المكاتب الى احداث قنوات مختصة في هذا المجال ليسقط في نهاية المطاف حرفائها ضحايا للاوهام التي يبثونها على لسان شخص يلقبونه بالشيخ فلان، وآخر مأساة حصلت وفاة تونسي أصيل نابل صدق ما قاله الشيخ فلان بقناة لبنانية مختصة في الشعوذة ولما سافر الى هناك صحبة زوجته طلب منه المسؤولون عن تلك الامور بالقناة مبلغا ماليا هاما في البداية لمداواته من مرضه المزمن وسلمه الشيخ المكلف بالعلاج دواء أو خلطة عكرت صحته فتوفي واعيد الى تونس جثة هامدة. وليس هذا المسكين الضحية الوحيدة وإنما تطالعنا يوميا الصحف بعديد الاخبار عن أعمال المشعوذين والذين التجأوا الى الحيل كإيهام زبائهم بقدرتهم على استخراج الكنوز من باطن الارض وآخر ضحاياهم فلاح من الوطن القبلي لهف منه هؤلاء 250 ألف دينار بعدما أدعوا وجود كنز في مزرعته. وهناك ظاهرة اخرى غريبة وهي إدعاء بعض المشعوذين وجود «جان يهودي» بجسد الحريفة ولا يخرج الا بمضاجعة العراف لها، وفي هذه الحالة لا يمكن أن نقول الا الكلمة التي قالها أبو العلاء المعري «يا أمة ضحكت من جهلها الأمم». ثقافة الشعوذة ليست دخيلة على مجتمعنا يرى علماء الاجتماع أن ثقافة الشعوذة موجودة منذ زمن بعيد وليست دخيلة على مجتمعنا وهي تستقطب أساسا الباحثين عن السعادة والساعين بالسوء للناس والراغبات في الزواج والتواقون للثراء وهؤلاء يبحثون عن الوهم ويعانون من الفراغ الروحي ويبتعدون عن اعمال العقل لحل مشاكلهم وعادة ما تتميز الشعوذة بالسرية والحميمية ومهما يحاول الزبائن إخفاء ما بداخلهم فإنهم ينكشفون عند لجوئهم الى المشعوذين والسحرة.