وصفه مراقبون بشهر المخاطر، ووصفه التونسيون ب"جانفي العظيم"، وأطلق عليه المؤرخون شهر الإنتفاضات والثورة في تونس، وههو الشهر الذي تخشاه الحكومات في تونس السابقة للثورة واللاحقة، فطالما كان رمزَ الهدم والبناء، رمز الاجتثاث والتشييد ،رمز المقاومة والانتفاضة. الشهر الاول من السنة الادارية كان دائما الشهر البركان في مختلف المحطات التاريخية التي مرت بها تونس قبل الاستقلال الى تاريخ الاعلان عن الجمهورية وما بعده ، إبتداء من الخميس الأسود يوم 26 جانفي 1978 والذي تم فيه اعتقال 500 نقابي بينهم الامين العام الحبيب عاشور وذلك بعد وصول المفاوضات بين حكومة الهادي نويرة والاتّحاد العامّ التونسي للشغل إلى طريق مسدود وتأزم الوضع اكثر باعتقال الكاتب العامّ للاتّحاد الجهوي بصفاقس عبد الرزّاق غربال يوم 24 جانفي 1978. وكان هذا التاريخ محطة الانطلاق نحو تونس جديدة، محطة لتأسيس الرؤية الجديدة في العمل السياسي والنقابي فيه مناداة باستقلال القضاء والتفريق بين السلطات. بعد ذلك انتفاضة الخبز أيام 3و4 جانفي 1984 والتي سقط فيها قرابة 100 شهيد من المحتجين على الزيادة في العجين ومشتقاته، بعد مواجهات دامية بينهم وبين قوات النظام العام بأمر من بورقيبة رئيس الدولة آنذاك. ذلتأتي سنة 2008 وتندلع انتفاضة الحوض المنجمي في شهر جانفي اثر إعلان نتائج انتداب أعوان وكوادر شركة فسفاط قفصة التي وصفها الأهالي بالخاضعة للمحسوبية ليسقط عدد من الشهداء بعد مواجهات دامية. وقد شهدت الجهة سلسلة من التحركات والاحتجاجات عبرت عن رفضها لسياسة تكميم الافواه والتعتيم الاعلامي على الاحداث اضافة الى مشاكل الجهة المتمثلة في غياب التنمية وكل اشكال التمدن رغم انها شركة الفسفاط بالجهة توفر موارد مالية ضخمة للاقتصاد التونسي مقابل تهميش ابناء الجهة وعدم توفير ميزانية من الموارد المتأتية من الشركة للجهة. جانفي 2011 جاء بعد عدّة إحتجاجات إندلعت خلال شهر ديسمبر 2010 بسبب البطالة وتعاطفا مع محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده بعد أن حجزت الشرطة البلدية بضاعته، وسرعان ما تحولت هذه الاحتجاجات الى مواجهات بين المحتجين والشرطة وتطورت الأمور الى استخدام الرصاص من قبل الشرطة فسقط اول شهيد في منزل بوزيان لتعمّ الاحتجاجات كامل المدن التونسية وسقوط عدد من الشهداء واستمرّت المواجهات إلى غاية 14 جانفي 2011 حيث تم الإعلان عن هروب الرئيس زين العابدين بن علي إلى السعودية. شهدت تونس بعد الثورة انتفاضة على الآتاوة الموظفة على السيارات خلال جانفي 2014. وأعلن المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية في تقرير نشره أنّه تمّ رصد 1521 احتجاجا جماعيا وفرديا خلال شهر جانفي 2016، معتبرا أنّ جانفي هو الشهر الأكثر احتجاجات منذ 2014. واقترن شهر جانفي تاريخيا في تونس بالتقلبات السياسية والإجتماعية والتحركات الاحتجاجيّة بمختلف الجهات والقطاعات، ويشير مؤرخون الى أن الأحداث تتشابه والأسباب تتكرر في كل جانفي حتى بات التونسيون على موعد معه بأحداث ساخنة، فهو شهر الشتاء الذي يشتد فيه البرد والفقر والمرض على المواطنين البؤساء. كما أن شهر جانفي هو شهر تطبيق خيارات الميزانيات الجديدة وقرارات الحكومة التي غالبا ما تكون مجحفة وقاسية وثقيلة على كاهل المواطن البسيط، وما أحداث 2016 التي شهدها شهر جانفي 2016 والتي جدت في نفس المدن المهمشة (مدن الجنوب والشمال الغربي والوسط الغربي وأحواز المدن الكبرى) إلا احتجاجا على وقف التهميش الجهوي والتمييز بين المناطق وبالتشغيل والحد من غلاء المعيشة، ويكرر جانفي 2017، تقريبا نفس الأحداث، لنفس الاسباب.