106 أيام توريد..مخزون تونس من العملة الصعبة    خبير في الإقتصاد : الكفاءات التونسية قادرة على تلبية احتياجاتنا من الطاقات المتجددة    فيفا يدرس السماح بإقامة مباريات البطولات المحلية في الخارج    عاجل/ الداخلية تعتزم مقاضاة هؤولاء..    في عرض "المتوسط" مع الحرس .. الموج هادر .. المهاجرون بالمئات .. و"الوضع تحت السيطرة"    بمناسبة اليوم العالمي للمتاحف: الدخول للمتاحف والمواقع والمعالم الأثرية مجانا للتونسيين والأجانب المقيمين بتونس    كأس تونس: تعيينات حكام مباريات الدور ثمن النهائي    السعودية تطلق خدمة جديدة للقادمين إلى المملكة ب''تأشيرة حج''    عاجل- صفاقس : الكشف عن ضلوع شركات وأشخاص في بيع محركات بحرية لمنظمي'' الحرقة''    اليوم : انطلاق الاختبارات التطبيقية للدورة الرئيسية لتلاميذ الباكالوريا    عجز الميزان التجاري للطاقة يرتفع    المعهد الوطني للإحصاء: انخفاض نسبة البطالة إلى حدود 16,2 بالمائة    سوسة: الإطاحة بوفاق إجرامي تعمّد التهجّم على مقهى بغاية السلب باستعمال أسلحة بيضاء    ناجي الجويني يكشف عن التركيبة الجديدة للإدارة الوطنية للتحكيم    عرب يتعاملون بالعملات المشفرة.. و هذه الدولة في الصدارة    رئيس الجمهورية ووزيرة المالية يتباحثان ملف التمويلات الأجنبية للجمعيات    التمويلات الأجنبية المتدفقة على عدد من الجمعيات التونسية ناهزت 316ر2 مليار دينار ما بين 2011 و 2023    وزارة التربية تعلن قبولها ل100 اعتراض مقدّم من الأستاذة النواب    ماذا في اجتماع هيكل دخيل بأعضاء "السوسيوس" ؟    الترجي الرياضي التونسي في تحضيرات لمواجهة الأهلي    عاجل : جماهيرالترجي تعطل حركة المرور    رئيس الجمهورية يبحث مع رئيس الحكومة سير العمل الحكومي    وزارة الداخلية تُقدّم قضية ضدّ كل من نشر مغالطات بخصوص ما حصل بدار المحامي    الاقتصاد التونسي يسجل نموا ب2ر0 بالمائة خلال الثلاثي الأول من 2024    قيس سعيد يُؤكّد القبض على محام بتهمة المشاركة في وفاق إرهابي وتبييض أموال    ضبط معدات لاسلكية لاستغلالها في امتحان الباكالوريا..وهذه التفاصيل..    مفزع/حوادث: 15 حالة وفاة خلال يوم فقط..    محمد عمرة شُهر ''الذبابة'' يصدم فرنسا    سيدي بوزيد: انطلاق الدورة 19 من مهرجان السياحة الثقافية والفنون التراثية ببئر الحفي    عاجل: متحوّر كورونا جديد يهدّد العالم وهؤلاء المستهدفون    ظهورالمتحور الجديد لكورونا ''فيلرت '' ما القصة ؟    الأيام الرومانية بالجم . .ورشات وفنون تشكيلة وندوات فكرية    محمد بوحوش يكتب...أدب الاعتراف؟    كتاب «التخييل والتأويل» لشفيع بالزين..الكتابة على الكتابة اعتذار عن قبح العالم أيضا    ناجي الغندري يدفع المجلس البنكي والمالي نحو دعم الاقتصاد الوطني    حزب الله يستهدف فرقة الجولان بأكثر من 60 صاروخ كاتيوشا    الخُطوط التُونسية في ليبيا تتكبد خسائر وتوقف رحلاتها.    سيدي بوزيد: يوم جهوي للحجيج    طقس اليوم ...الحرارة في ارتفاع ؟    بطولة اسبانيا : أتليتيكو يهزم خيتافي ويحسم التأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    ديوان السياحة: نسعى لاستقطاب سيّاح ذوي قدرة إنفاقية عالية    أخبار المال والأعمال    زلزال بقوة 5.2 درجات يضرب هذه المنطقة..    محكمة العدل الدولية تنظر "وقف العمليات العسكرية في رفح"    إصدارات.. الإلحاد في الفكر العربي الإسلامي: نبش في تاريخية التكفير    ينشط في عديد المجالات منها السياحة .. وفد عن المجمع الكويتي «المعوشرجي» يزور تونس    المقاعد في رادس محدودة والسوق السوداء تنتعش .. أحباء الترجي في قمة الاستياء    استشهاد 3 فلسطينيين بنيران جيش الاحتلال في الضفة الغربية    أمراض القلب والجلطات الدماغية من ابرز أسباب الوفاة في تونس سنة 2021    عاجل : أحارب المرض الخبيث...كلمات توجهها نجمة'' أراب أيدول'' لمحبيها    أغنية صابر الرباعي الجديدة تحصد الملايين    حاحب العيون: انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للمشمش    أكثر من 3 آلاف رخصة لترويج الأدوية الجنيسة في تونس    ما حقيقة سرقة سيارة من مستشفى القصرين داخلها جثة..؟    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من «الخميس الأسود» الى انتفاضة الأتاوات: جانفي... شهر الثورات في تونس
نشر في التونسية يوم 10 - 01 - 2014

التونسية (تونس)
حالة غليان كبرى تشهدها البلاد هذه الأيام واحتجاجات عارمة تتوسع يوما بعد يوم وتعم أغلب الجهات بالقصرين وبسيدي بوزيد وقفصة وجندوبة والكاف وباجة والرقاب وتالة وقابس, وصولا الى العاصمة احتجاجا على قانون الميزانية لسنة 2014 ورفضا للأتاوات وللتعويضات المالية التي أقرتها الحكومة لمساجين العفو التشريعي ضمن ما يسمى ب «صندوق الكرامة»... انتفاضة التونسيين على التهميش والبطالة وغلاء المعيشة و«الحقرة» شملت جميع الشرائح من فلاحين وأطباء ومعطلين عن العمل وأصحاب السيارات الفردية والجماعية الذين احتلوا الشوارع وأغلقوا الطرقات والقباضات مما نتج عنه اندلاع مواجهات مع قوات الأمن ببعض المناطق كالقصرين ومطماطة والرقاب وتالة والمكناسي وحدوث إصابات في صفوف المتظاهرين وأعوان الأمن على حد السواء.
توسع رقعة الاحتجاجات على الحكومة جعل هذا الشهر البارد في طقسه ساخنا جدا في أحداثه وموسوما بالغضب والانتفاضة. ولعل هذا الأمر ليس بغريب على تاريخ تونس الحديثة، فالمتأمل في تاريخ البلاد منذ الاستقلال يدرك بوضوح أن شهر جانفي كان دوما شهر الانتفاضات والثورات والصدام مع النظام.
فمنذ الاستقلال بل وحتى قبله (ثورة صاحب الحمار) كان هذا الشهر علامة فارقة وفاصلة في تاريخ البلاد وفترة زمنية خطتها عناوين ثورية كبرى وصدامات مع النظام توحدت في معظمها تحت شعار واحد وان اختلفت تعبيراته هو«الخبز والكرامة» ولعل ما يحدث هذه الأيام بالعديد من الجهات ورغم ما يتردد عن خلفيات الاحتجاجات وأعمال الشغب والحرق ببعض المناطق جزء من مسلسل الانتفاضات التي ميزت هذا الشهر في تاريخ البلاد كان آخرها انتفاضة 2011 التي تحولت الى ثورة اسقطت النظام. «التونسية» ترصد في التحقيق التالي اهم المحطات الساخنة التي عرفها الشعب مرات عديدة في مثل هذا الشهر.
من أهم الأزمات التي عاشتها تونس في مثل هذا الشهر تبقى أحداث 26 جانفي 1978 أو ما سمي ب «الخميس الأسود» من ادمى الانتفاضات التي هزت البلاد إثر التصادم العنيف بين الاتحاد العام التونسي للشغل ونظام الزعيم الحبيب بورقيبة وتقول دفاتر التاريخ ان مطالب عمالية ونقابية واجهها نظام بورقيبة بالتصعيد كانت وراء هذه الأزمة العاصفة التي عرفتها تونس خصوصا بعد اعلان الاتحاد الاضراب العام يوم 26 جانفي مباشرة بعد انعقاد مجلسه الوطني أيام 8 و9 و10 من نفس الشهر لتعم المسيرات والمظاهرات جميع جهات البلاد وخاصة بالعاصمة والتي واجهها النظام بالقمع والرصاص لا سيما بعد اقالة الطاهر بلخوجة وزير الداخلية آنذاك وتولي عبد الله فرحات وزير الدفاع حقيبة الداخلية وهو ما ساهم في اشتعال الوضع أكثر ونزول الجيش الى الشوارع لأول مرة في تاريخ البلاد بعد تسجيل حالات عنف وانفلاتات أمنية غير مسبوقة بالعاصمة مما أجبر بورقيبة على اعلان حالة الطوارئ وحظر التجول بالعاصمة وأحوازها ولم يرفع الحظر الا يوم 20 مارس من نفس العام.
أزمة اقتصادية حادة والحكومة تختار التصعيد
ويؤكد المؤرخون ان أهم الأسباب التي أدت الى اندلاع أحداث جانفي 1978 هي اسباب اقتصادية واجتماعية بالأساس تمثلت في الإنهاك الاقتصادي الذي اصبحت عليه البلاد جراء تجربة التعاضد الفاشلة في الستينات وخصوصا ما يسمى بقانون «72» الذي وسم بالظالم والمتجني على حقوق العمال والطبقة الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة وما عمق الأزمة أيضا هو فشل المفاوضات الاجتماعية ووصولها الى طريق مسدود بين حكومة الهادي نويرة آنذاك التي اختارت التصعيد والاتحاد الذي اختار المواجهة لتندلع على خلفية كل هذه التداعيات مواجهات عنيفة أسفرت عن سقوط حوالي 400 قتيل وجرح أكثر من 1000 حسب تقارير مستقلة في حين أقرت الحكومة بسقوط 52 قتيلا و365 جريحا فقط.
اعتقال الحبيب عاشور وتنصيب قيادة موالية
كما شن النظام آنذاك حملات اعتقال واسعة شملت رموز الاتحاد والنقابيين والمتظاهرين وكانت الحصيلة مثول حوالي500 شخص من هؤلاء للمحاكمة بتهمة التحريض والسعي الى قلب نظام الحكم من بينهم الحبيب عاشور رئيس المنظمة الشغيلة آنذاك الذي زج به في السجن بعد ان تم تنصيب قيادة موالية للنظام على رأس الاتحاد بقيادة التيجاني عبيد وهوما مثل ضربة للطبقة الشغيلة وبقيت النار تحت الرماد ومهد لاندلاع أحداث الخبز في نفس الشهر من عام 1984.
أحداث قفصة المسلحة
غير بعيد عن أحداث «الخميس الأسود» وتحديدا بعد عامين وفي الليلة الفاصلة بين 26 و27 جانفي سنة 1980 اندلعت احداث قفصة وهو الاسم الذي أطلق على العملية المسلحة التي قام بها «كومندوس» من المعارضين يتكون من 60 مسلحا ينتمون الى فصائل معارضة ذات توجه قومي عروبي بعد تسربهم الى مدينة قفصة بزعامة «عز الدين الشريف» القائد السياسي و«احمد المرغني» القائد العسكري فتمكنوا من السيطرة على أغلب المراكز الحيوية بالمدينة وهاجموا ثكنة الجيش ومراكز الأمن في محاولة لقلب نظام الحكم ولكن محاولتهم باءت بالفشل نظرا الى رفض السكان التمرد على بورقيبة.
السيطرة على الوضع واعدام المسلحين
وقد تدخل الجيش واشتبك مع المسلحين وقضى على عدد منهم وتمكن من السيطرة على الوضع وقام باعتقال اغلب عناصر المجموعة الذين أحيلوا على المحاكمة وحوكم بعضهم بالإعدام وخلفت العملية تأزما حادا في العلاقات بين تونس وليبيا وتؤكد بعض المصادر ان احداث قفصة كانت بتخطيط وايعاز من نظام معمر القذافي على خلفية إلغاء بورقيبة لمعاهدة الوحدة مع ليبيا التي تم توقيعها في 12 جانفي اضافة الى الرواسب الاجتماعية كالفقر وتدهور الوضع الاجتماعي بقفصة وأغلب مدن الجنوب والمناطق الداخلية نتيجة الاختيارات التنموية الفاشلة لفترة السبعينات وتفشي البطالة والفقر ممّا خلّف نقمة في صفوف الاهالي.
أحداث الخبز 1984
«أحداث الخبز» التي شهدتها البلاد في جانفي 1984 هي أيضا من أدمى وأعنف الأحداث التي عرفتها تونس في تاريخها الحديث والتي اندلعت على اثر الزيادة في سعر الخبز وعدد من المواد الأساسية لتشهد البلاد انتفاضة بأغلب مدنها وقراها.
مواجهات دامية وتدخل الجيش
ويروي التاريخ ان شرارة الانتفاضة بدأت يوم 29 ديسمبر 1983 بجهة دوز بالجنوب التونسي بمناسبة السوق الأسبوعية في شكل مظاهرات اجتماعية أدت الى مواجهات مع قوات النظام العام لتنتشر الانتفاضة بحدة وعنف وتشمل بقية المدن المجاورة كقبلي وسوق الأحد والحامة ومع اقرار النظام لقانون الترفيع في أسعار الخبز والعجين ومشتقاته وبدخول هذا القرار حيز التنفيذ يوم 1 جانفي 1984 امتدت الثورة الى مدنين وقفصة وقابس فالشمال ثم الشمال الغربي والوسط الغربي فالعاصمة لتندلع مواجهات دامية بين النظام والمواطنين بعد أن شهدت البلاد اضرابات بالجملة رفضا لإلغاء الدعم عن المواد الأساسية مما استدعى تدخل الجيش بعد ان عجزت قوات حفظ النظام عن قمع الاحتجاجات ليسقط قتيلان يوم 2 جانفي لتبلغ الانتفاضة أوجها يوم 3 جانفي من نفس السنة.
اعلان حالة الطوارئ وعطل قسرية
وأصبحت المواجهة مفتوحة على أكثر من جانب فأحرقت المنشآت العمومية والسيارات والحافلات في شوارع العاصمة وفي ضواحيها ولعلع الرصاص الحيّ وسقط القتلى والجرحى وعلى خلفية ذلك قرر بورقيبة اعلان حالة الطوارئ ومنع كل تجمع بالطريق العام ومنع جولان الأشخاص والعربات من الخامسة مساء الى السادسة صباحا ونفذت حملات اعتقال واسعة ضد «المخربين» كما وصفتهم الحكومة آنذاك ووقع فرض عطل قسرية بالجامعات والمؤسسات التربوية من 4 الى 7 جانفي ورغم ذلك تواصلت الاحتجاجات وزادت حدّة .
دخول الطلبة المعركة كان حاسما
وجاء اعلان محمد مزالي الوزير الأول آنذاك عن عدم تراجع حكومته في قرار الزيادة في سعر الخبز ليؤجج الاحتجاجات الرافضة للزيادة في أسعار الخبز طيلة الأيام الأولى من شهر جانفي 1984 ودخلت أعداد غفيرة من الطلبة والتلاميذ والنشطاء المدنيين والحقوقيين والسياسيين المعركة وسقط منهم العديد مثل الفاضل ساسي الذي قتل يوم 3 جانفي من نفس العام وتوسعت بذلك المواجهة في كافة انحاء البلاد وسجّل سقوط العديد من القتلى.
بورقيبة يتراجع و«وزير الزبلة غلّطو»
«نرجعو وين كنا... ووزير الزبلة غلطني» هذا ما أعلنه بورقيبة للتونسيين في خطاب شهير وتاريخي بهدف وضع حد لتدهور أمني خطير عصف بالبلاد وهدد اركان النظام والدولة خصوصا مع تضخّم عدد القتلى والجرحى وتزايد موجة الاحتقان والغضب في صفوف المواطنين وبذلك تم التراجع عن قرار الزيادة في أسعار الخبز واعادة النظر في الميزانية الجديدة في مدة زمنية لا تتجاوز ثلاثة أشهر مع مراعاة الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتردية للمواطن وعدم تحميله أعباء تدهور الاقتصاد.
جانفي 2011 و«بن علي هرب»
جانفي 2011 كان بدوره شهر الثورة الجارفة على نظام بن علي على خلفية مطالب اجتماعية واقتصادية كان أهمها مطلب التشغيل والتنمية بالجهات الداخلية.
والحقيقة الثورة على بن علي اندلعت خلال اواخر شهر ديسمبر 2010 انطلاقا من سيدي بوزيد ثم تالة والقصرين لتمتد خلال شهر جانفي الى كل شبر من أنحاء البلاد ولم يمنع القمع الذي مارسته قوات النظام ولجوئها سياسة الحديد والنار من توسع واشتعال فتيل الإحتجاجات الشعبية العارمة بالبلاد كما لم تمنع سلسلة الإصلاحات التي أعلنها في 3 خطابات لإنقاذ حكمه ولا كلمته الشهيرة «غلطوني» من الإطاحة به في الرابع عشر من جانفي 2011.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.