لا يختلف اثنان حول الدور الذي بات يلعبه الإعلام التونسي في خدمة أجندات سياسية لصالح أطراف حزبية تسوق لأفكار الفرقاء السياسيين لترتفع معها الخطابات المؤدلجة ، حتى أن بعض المؤسسات الإعلامية أضحت لا شغل لها سوى التحريض وتنمية مشاعر الحقد والكراهية بين مختلف أطياف الشعب من خلال التركيز على بثّ رسائل تحريضية.. وهو ما ارتكزت عليه أحزاب المعارضة خلال الأيام الأخيرة من أجل تأجيج الرأي العام والدعوة الى رص الصفوف والنزول الى الشوارع من اجل الاحتجاج "ليلا" وإثارة الفوضى بالبلاد. ولئن ارتكزت هذه الأطراف بالخصوص على المواقع الإعلامية الالكترونية ومنصات التواصل الاجتماعية ، فإنها قد نجحت إلى حدّ ما في التأثير على عدد لا يستهان به من التونسيين الذين التاعوا من الزيادات، الأمر الذي استغلته جماعات من المخربين والمنحرفين للتخريب والسرقة. وقد وجّه رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد أصابع الاتهام مباشرة إلى الجبهة الشعبية في التحريض على الفوضى والعنف، معتبراً موقفها من قانون المالية لعام 2018 غير مسؤول، وهو ما أثار حفيظة الجبهاويين وغضبهم. وقال الشاهد إن: "الدولة صامدة والدولة قوية وستكشف عن كل من حرّض وخرّب، وإنه تم فتح تحقيق ضد من حرّضوا على الفوضى والعنف وسيتم كشفهم للرأي العام خلال الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها عدة مناطق من الجمهورية". ولفت إلى أن "المخربين يخدمون مصالح شبكات فساد وشبكات التهريب ويخدمون أيضاً عدة أطراف سياسية، من بينها الجبهة الشعبية التي تقوم بالتحريض". وقد لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في التأثير على جزء كبير من الرأي العام ، وقسمت التونسيين إلى جزأين ؛ أطراف تدعو الى الاحتجاج وأخرى تنبّه من خطورة ما سينتج عنه. ويتراشق مستخدمو فيسبوك التهم ضمن عدة هاشتاغات على غرار #فاش_تستناو الذي أطلقته الجبهة الشعبية الذي تعهد الثلاثاء بتوسيع نطاق الاحتجاجات. ويقول متهكمون "أماكن الاحتجاجات: المغازة العامة وكارفور ومونوبري وجيان والمستودع البلدي والبنوك والقباضات المالية ومراكز الأمن.. هؤلاء سراق لا غير ماذا يريدون؟". ويطالب مستخدمو الشبكات الاجتماعية بتسمية الأشياء بمسمياتها، فالشخص الذي يحمل سيفا ويتجول بعد منتصف الليل ليس محتجا بل "بلطجي" و"سارق". ويتداول مستخدمو فيسبوك صورا للتخريب الذي طال بعض المنشآت العمومية والخاصة. وقال معلق "أن تتظاهر على غلاء المعيشة هذا من حقك أما أن تحرق وتخرّب أملاك الناس هذا لا يقبله عقل ولا شرع، فتونس بلادنا كلنا، وتخريبها مرفوض". وقالت معلقة "فاش_نستناو، أنا مع هذه الحملة لكني أخاف من الأطراف الدخيلة التي ستستغلها لمصالح موجهة.. أقول كلنا لازم نحتج على الزيادات.. الأسعار غالية صحيح أما #تونس_أغلى". وفي هذا الاطار شدد الناشط توفيق العماري في تدوينة على جداره بموقع فايسبوك على ضرورة «الايقاف الفوري لعمليات الحرق والنهب والاعتداءات على اعوان الحرس والأمن الوطنيين خلال المسيرات الليلية « . واضاف العمري في تدوينته :»هذه الأعمال لا تليق بتونس وبالتونسيات والتونسيين .كنت أظن أن كل الأحزاب والمنظمات الوطنية ستتعامل معا من أجل إيقاف أعمال النهب واللجوء الى الحوار مع مؤسسات الدولة لإيجاد الحلول .لكن هناك أحزاب لم تندد بأعمال التخريب والحرق ومازالت تدعو إلى الاحتجاجات بواسطة وسائل الإعلام وفي مجلس الشعب رغم أن الوطن في خطر..» وقال العماري في ذات التدوينة :»أظن أن التونسيين عرفوا اليوم حقيقة هذه الاحزاب التي تعرض البلد إلى مخاطر كبيرة وسوف يتذكرونها في الوقت المناسب .نعم للاحتجاجات السلمية في النهار ..لا للتخريب وحرق المؤسسات في الليل .» وفي نفس السياق يقول الصحفي محمد الربعاوي ان «قمة «الدروشة» ان يدعي البعض ان التحركات الليلية المشبوهة وما يرافقها من عمليات نهب وسرقة وتخريب نضال ينبغي مساندتها …بأي معنى يكون اقتحام المعتمديات وحرق القباضات ونهب المغازات وسرقة المستودعات «حراكا مشروعا»؟. واضاف الربعاوي في تدوينته على الفايسبوك : «…عن أي نضال تتحدثون ؟؟، عن نضال «السيوف» والترهيب أم نضال البراكاجات والاعتداءات؟؟؟؟…هل انقلبت المعطيات لدرجة تبرير التخريب والنهب والسرقة عوض تجريمه والتنديد به ؟…صحيح ان حق الاحتجاج السلمي «مقدس» ويضمنه الدستور لكننا نرفض الحرق والتخريب مهما كانت المبررات …صحيح أيضا ان الجميع يدعم المطالب المشروعة ويساند كل التحركات المنظمة لكن بعيدا عن التوظيف و»الركوب» لان استقرار البلاد يبقى «خط أحمر». اما الصحفي زياد الهاني فاكد في تدوينة على حسابه في فايسبوك «ان الحق في التظاهر السلمي جزء من الحق في حرية التعبير، وهو حق دستوري مضمون..» واضاف في نفس التدوينة : «لكن هذا الحق ليس فوضويا فهو منظم، بمعنى أنه يتوجب أن تكون لكل مظاهرة سلمية جهة تنظمها وتؤطرها لمنع كل أشكال الاختراقات لها والتجاوزات..ولهذا السبب اعتبر القانون أن التظاهر حر ولا يخضع لترخيص، لكنه اشترط القيام بإعلام الإدارة العامة للأمن الوطني بالمظاهرة.» واعتبر الهاني في نفس التدوينة «ان المشكل ليس في التظاهر ليلا، ولكن في من يتحمل المسؤولية القانونية لهذه المظاهرات؟ومن هذا المنطلق، فالداعون لهذه المظاهرات الليلية غير القانونية والمحرضون عليها، يتحملون المسؤولية القانونية لما قد يحصل فيها من تجاوزات، وكذلك المسؤولية السياسية والأخلاقية لرفع شعارات سخيفة ومراهقة من قبيل «وزارة الداخلية، وزارة إرهابية!!».وختم الهاني تدوينته ب»إنهم يدمرون وطننا بغبائهم…تحيا تونس».