من المفارقات التي تعيش على وقعها تونس، خلال هذه الفترة، أن عددا من الاحزاب المعارضة جنّدت قواعدها للاحتجاج والتحريض على ترفيع سقف الغضب الشعبي مستغلة في ذلك ما تضمنه قانون المالية لسنة 2018 الذي صادقت هي عليه، في وقت تحملت فيه أكبر نقابتين اجتماعتين معنيتين بالتحركات الاجتماعية مسؤوليتها الوطنية، وتصدت لدعوات هذه الاحزاب الى بث الفوضى. وعملت النقابتان على تهدئة الأوضاع وتطويق التحركات الاحتجاجية، ودعت بعض أحزاب تونس "اللامسؤولة" الى الابتعاد عن الخطابات التحريضية. في هذا الشأن، أدان الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية كل أشكال التخريب والنهب والاعتداء على الممتلكات الخاصة والمرافق العمومية وعلى قوات الأمن ومقراتها التي رافقت الاحتجاجات التي شهدها عدد من ولايات الجمهورية خلال الايام الثلاث الاخيرة. واكد الاتحاد "استعداده الكامل للمساهمة في البحث عن حلول عملية لكل القضايا الوطنية الراهنة" . ودعا في بيان صادر عنه اليوم الاربعاء 10 جانفي 2018 "مختلف القوى الوطنية إلى الابتعاد عن خطابات الشحن وتجنب كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الرفع في درجة التوتر والاحتقان " مطالبا بالاعتماد على الحوار لحل الخلافات. كما دعت منظمة الاعراف المواطنين الى "التحلي بروح المسؤولية وعدم الانخراط في كل ما من شأنه أن يضر بالمصلحة العليا للبلاد وقطع الطريق أمام من يتربصون بتونس وبأمنها واستقرارها" وفق نص البيان . وثمنت المنظمة جهود قوات الأمن والجيش في التصدي لمن اسمتهم ب"المخربين والمارقين عن القانون" مذكرة بان تجاوز المصاعب الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد يتم عبر المحافظة على الأمن والاستقرار . هذا وغلبت على موقف الاتحاد العام التونسي للشغل ، الذي عوّدنا بأسبقيته في الاحتجاج وتنظيم الاعتصامات، الرصانة ، حيث خيّر المصلحة الوطنية ومواجهة المسألة بتعقّل دون التوجه الى الشعبوية وتأجيج الشوارع وخلق الفوضى على غرار ما سارعت إليه ثلة من الأطراف السياسية التي تستغلّ الأوضاع الاجتماعية لخدمة مصالحها السياسية. ولئن استنكرت المركزية النقابية الزيادات التي أقرّها قانون المالية لسنة 2018، في بيان صادر عن مكتبها التنفيذي الوطني، لكنه لم يدع إلى التحرك والاحتجاج. في هذا الشأن، اكد الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي الثلاثاء 9 جانفي 2018، أنه لا يمكن الحديث عن الديمقراطية والبطون خاوية لكن ذلك ليس باللجوء الى التخريب باسم الديمقراطية كذلك. وأضاف أنه من حق أي انسان التعبير عن رأيه اعلاميا او بالاحتجاج شريطة أن يكون الاحتجاج منظم ويكون التحرك مؤطر حزبيا أو اجتماعيا لا ان تتحول الاحتجاجات تحت جناح الليل والظلام وتكون خلع واقتحمات للممتلكات الخاصة والبنوك وبين الطبوبي أن الاتحاد سيدافع عن الاحتجاجات السلمية من اجل القضايا المبدئية والقضايا العادلة. وأكد أيضا الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل خلال حلوله بمدينة تالة للاستماع إلى مشاغل أبناء الجهة الاثنين، بعد يوم من الاحتجاجات المطالبة بالتنمية والتشغيل، أن الاتحاد سيكون الضامن لمطالب الأهالي بالجهة. يأتي ذلك في وقت دعت فيه جل أحزاب المعارضة الى تجييش قواعدها ومنخرطيها للنزول الى الشارع بهدف الضغط على الحكومة لتعديل قانون المالية، بل أن بعضها سارعت الى التبرير للتحركات الليلية المشبوهة، والتي ما انفكت تبث الفوضى في البلاد. وتجاوزت مطالب أحزاب أخرى الى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة، وإسقاط الحكومة، وهو ما اعتبره مراقبون عدم الالتزام بنتائج الصندوق، وعدم التزام بممارسة الديمقراطية التي تحدثوا عنها في المنابر الاعلامية.