مرّ شهر على تاريخ مصادقة مجلس نواب الشعب على مشروع قانون المالية لسنة 2018 ، والذّي نصّ على جملة من الإجراءات "الموجعة" من بينها الزيادات في الأسعار ، بيد أن الاحتجاج على ما جاء في نصّ مشروع القانون لم يحتدّ إلا هذه الأيام منذ الإنطلاق في العمل بما جاء به ممّا خلق جدلا واسعًا، سيّما وأن أطرافا معينة باتت تدعو إلى رصّ الصّفوف من أجل النزول إلى الشارع والاحتجاج.. بيد أن موقف الاتحاد العام التونسي للشغل ، الذي عوّدنا بأسبقيته في الاحتجاج وتنظيم الاعتصامات، جاء رصينا ، حيث خيّر المصلحة الوطنية ومواجهة المسألة برصانة دون التوجه الى الشعبوية وتأجيج الشوارع وخلق الفوضى على غرار ما سارعت إليه ثلة من الأطراف السياسية التي تستغلّ الأوضاع الاجتماعية لخدمة مصالحها السياسية. ولئن استنكرت المركزية النقابية الزيادات التي أقرّها قانون المالية لسنة 2018، في بيان صادر مكتبه التنفيذي الوطني، لكنه لم يدع إلى التحرك والاحتجاج. وفي خطوة لتجاوز الأزمة الاجتماعية التي تعيش على وقعها البلاد، حث الاتحاد العام التونسي للشغل الحكومة على اتخاذ "قرارات جريئة" بشكل عاجل لمساعدة الفئات الفقيرة، في خطوة لتهدئة الاضطرابات الاجتماعية التي تجتاح مناطق في البلاد. وقال أمين عام الاتحاد نور الدين الطبوبي إنه طلب من رئيس الحكومة التعجيل باتخاذ قرارات سياسية جريئة، تأخذ بعين الاعتبار الفئات المهمشة التي تضررت أكثر من غيرها من قانون المالية لسنة 2018. وأضاف الطبوبي أنه حث رئيس الحكومة على الإعلان الفوري، عن رفع الأجر الأدنى ومنح العائلات المعوزة وجرايات التقاعد الضعيفة التي تصل إلى 70 دينارا والاهتمام بالشباب. وتشهد تونس احتجاجات عنيفة معظمها في الليل منذ الاثنين الماضي ضد ارتفاع الأسعار والغلاء وإجراءات التقشف التي تضمنها قانون المالية لعام 2018، لكن شابتها أعمال عنف وسرقات سرعان ما اتسع نطاقها في أنحاء البلاد. ولئن أكد الاتحاد العام التونسي للشغل مساندته للتحركات الاحتجاجية المطلبية ، إلا أنه ندّد بما آلت إليه التحركات التي غطّت عليها أحداث التخريب والفوضى. وأعرب الطبوبي في أكثر من مناسبة عن استنكار الاتحاد تحويل الاحتجاجات باسم الديمقراطية تحت جناح الليل والظلام الى اعمال عنف وخلع لبعض القباضات أو البنوك أو الممتلكات الخاصة، داعيا إلى عدم الزج بالبلاد التي تمر اليوم بمنعرج خطير جدا في فوهة بركان، حسب تعبيره. وأكد الطبوبي دعم الاتحاد لأي تحرك مؤطر ومنظم حزبيا أو اجتماعيا، قائلا إنّنا نعيش اليوم في مناخ ديمقراطي يحق فيه للجميع التعبير عن رأيه إعلاميا أو بالاحتجاج المنظم وبالضغط الإيجابي على الحكومات أو على أية أطراف سياسية أو اجتماعية وأنّ الاحتجاجات السلمية من اجل غلاء المعيشة أو القضايا التنموية أو الفقر المدقع أو التشغيل قضايا مبدئية وجوهرية بالنسبة إلى الاتحاد الذي يناضل من اجل القضايا العادلة. وشدد على انه يتعين على الأحزاب تحمّل المسؤولية الكاملة في تعديل المجتمع وفي الإجابة على كلّ القضايا الجوهرية الاجتماعية التي ينادي بها كلّ الطيف السياسي والاجتماعي في البلاد، مشيرا الى أنّ الشعب التونسي يرفض العنف ويجنح الى عقلية الحوار. وبيّن أنّه لا يمكن تجزئة الحقوق وأنّ الوحدة الوطنية حسب وثيقة قرطاج لابّد أن تكون على قاعدة البرامج والإرادة والنضج السياسي في رسم الخيارات التي من شأنها إرساء العدالة بين فئات الشعب، مبرزا رفض الاتحاد للوحدة الوطنية المغشوشة وتمسكه بالوحدة الوطنية الصادقة التي تقدم بالبلاد وتجنبها المهاترات والتوجه نحو ما لا يحمد عقباه لأنّ التجربة التونسية الرائدة مستهدفة اليوم من الداخل ومن الخارج، حسب تصريحه. ومن جهة أخرى، دعا الطبوبي إلى ضرورة الاقبال بصفة مكثفة وبأعداد كبيرة على المشاركة في الانتخابات البلدية المقبلة لاختيار من لهم كفاءة وقدرة على إخراج البلاد من المأزق السياسي والاجتماعي الذي تواجهه البلاد. وأوضح أن تونس اليوم ليست في حاجة إلى المحاصصة الحزبية بل الى الكفاءات التي لها القدرة على الاستشراف وبعد نظر والقدرة على إيجاد الحلول وسبل تجاوز كلّ الهنات والمعوّقات والقضايا المطروحة واستحقاقات الشعب التونسي.