اليوم ،14 جانفي 2018 ، تشعل ثورة "الحرية والكرامة" التي قلبت الموازين في تونس وأخرجتها من سردابها ، شمعتها السابعة .. ومع حلول الذكرى السابعة لثورة الياسمين، التي كانت بداية لميلاد الربيع العربي، عديد المتغيّرات شهدتها تونس خلقت الفارق بين عهدٍ قد وُئِدَ وعهد جديد وُلِد.. ولعلّ أبرز وأهمّ المكاسب التي يُشهد لتونس بالنجاح في تحقيقها محلّيا عربيّا ودوليّا هي افتكاك شعبها حرفيًّا ل"الحرية" ؛ إذ خلال السنوات السبعة التي عقبت أول صرخة صدحت محتجّة على الوضع الخانق تمكن التونسيون من رفع سقف الحرّيات ، على شساعة مفاهيمها، درجة درجة وأصبح مبدأ "سلطة الشعب" مكرسا حرفا ومعنى. وهو ما أكده المحلل السياسي هشام الحاجي، الذي اعتبر أن "ما عرفته تونس يوم 14 جانفي 2011، يعد حدثاً فارقاً بين وضعية سابقة، ليكتب صفحة جديدة بكل ما فيها من سلبيات". و أوضح الحاجي، في هذا الصدد، أن "تونس أنجزت عدداً من المكاسب السياسية، بينها صياغة دستور جديد في 2014، ورفع سقف الحريات، وتطور المشاركة السياسية والانخراط في الشأن العام، فضلاً عن حرية التعبير لتي خلقت نقلة نوعية في الإعلام التونسي". و أردف المحلل السياسي في السياق ذاته أن " البلاد أسست لفكرة التداول السلمي على السلطة، خلال المحطات الانتخابية التي أنجحتها بدءا بالانتخابات التأسيسية في 2011 ثم الانتخابات التشريعية والرئاسية في دورتيها الأولى والثانية في 2014 ، علاوة على ظهور فكرة التوافق، باعتبارها فكرة مهمة لمجتمع يعاني الهشاشة". فضلا عن ذلك ، وبغض النظر عن مدى نجاعتها ونجاحها، تعد وثيقة قرطاج التي تضمنت أولويات حكومة الوحدة الوطنية مكسبا هاما وغير مسبوق في تاريخ تونس ، إذ جمعت شتى الأطياف على اختلافها حول أهداف وطنية موحدة الغاية منها الرسو بالبلاد إلى بر الأمان . وقد وقع على وثيقة قرطاج في جويلية 2016، كل من: "الاتحاد العام التونسي للشغل" والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية" ، واتحاد الفلاحين "، وأحزاب سياسية، أبرزها "النهضة" و"نداء تونس". بيد أنه ، في المقابل، دفع التونسيون مقابل مكسب "الحرية" ضريبة التعايش مع صعوبة الأوضاع، في ظل انكماش الاقتصاد إلى أقل من 1% في فترات ما، وتفاقم نسب البطالة ال15%، وتباطؤ نمو الاستثمارات الأجنبية بفعل التوترات الأمنية.. وفي هذا الصدد، اعتبر الخبير الاقتصادي، حسين الديماسي، ان "كل المؤشرات تظهر أن الوضع الاقتصاد ساء، مقارنة بالسنوات الأولى للثورة عندما كانت تونس تسجل معدلات نمو بين 4 و5% بين عامي 2010 و2011". وأضاف الديماسي،أن "جل السياسات الاقتصادية كانت خاطئة طيلة 7 سنوات، والشعب يدفع ضريبة تلك السياسيات" ، مشيرا الى أن "ميزانية الدولة انساقت إلى زيادات في الأجور، ما نتج عنه ارتفاع في نسب التداين والتضخم المالي، وهذا ما جرنا اليوم إلى انحدار الدينار التونسي مقارنة بالعملات الأجنبية". ورجح الخبير التونسي "انفجار الوضع مع التقاء عناصر عديدة، بينها زيادة الضرائب وارتفاع الأسعار وانهيار في قيمة الدينار، والذي أدى بدوره إلى غلاء فاحش، وأوجد قلقاً لدى الفئات محدودة الدخل". و ما فتئ الوضع الاقتصادي والمالي في تونس ينحدر نحو منزلق حرجٍ، في ظلّ تراجع إيرادات عديد القطاعات الإقتصادية التي تعتمد عليها البلاد ، فضلا عن تراجع قيمة الدينار أمام العملات الرئيسية ، في الوقت الذي تطالبُ به بتحقيق التوازن الاجتماعي و الاقتصادي و المالي .. و ربما تكون الديون هي المؤشر الاقتصادي الأخطر في المستقبل، وخاصةً أن البلاد تعتمد بشكل شبه أساسي خلال السنوات الماضية على الديون الخارجية في تمويل ميزانية الدولة وتوفير النفقات العمومية، وهو ما جعل حجم الديون يتراكم من سنة إلى أخرى. وتصاعدت التحذيرات من انحدار الاقتصاد التونسي إلى الركود في ظل تباطؤ معدلات النموّ وتفاقم الديون وتزايد الضغوط على التوازنات المالية وأكدت خطورة استنزاف الاحتياطيات المالية على قدرة الحكومة على إصلاح الاقتصاد المتعثر. و في هذا الصدد ، أكد الخبير في استراتيجيات الاستثمار الصادق جبنون إن من أسباب شح النقد الأجنبي الانخفاض المتواصل للدينار مقابل اليورو، الذي شهد ارتفاعا كبيرا مؤخرا، وكذلك بسبب ضعف اقتصاد البلاد. وبحسب بعض التحاليل والمؤشرات فإنّ سعر صرف اليورو سيتجاوز 3200 او 3000 مليم منتصف العام القادم. ويقول الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، إنّ سعر الدينار يسجل منذ بداية العام الحالي تراجعا ب 16 بالمائة مقابل اليورو و ب 6 بالمائة مقابل الدولار وأن عملية الإنزلاق الدينار متواصلة في ظل عدم مبادرة الحكومة القيام بإصلاحات حقيقية لمجابهة الأزمة الاقتصادية و المالية. وأكد ، في تصريحات سابقة، أن ‘سنة 2018 ستكون سنة عسيرة جدا ‘ ، موضحا ان جميع التحاليل والمؤشرات تؤكد تخطي سعر صرف الاورو 3 دينارات و 300 مليم في منتصف العام القادم خصوصا وأن صندوق النقد الدولي وفي إطار القرض الذي قدمه لتونس مازال يطالب بمزيد المرونة في تسعير الدينار والتي تقتضي مزيد التخفيض في قيمة العملة المحلية.