بعد عودة الهدوء نسبيا إلى الشارع التونسي ، واتّضاح الرؤية على الساحة السياسية وانقسام الأطياف الحزبية بين الباحثين عن الاستقرار و مُريدي الخراب والفوضى ، من المتوقع أن يشهد المشهد السياسي تحولا هاما ، يمكن أن يكون مفصليا على الساحة ، بعد فشل أطراف سياسية معينة في تعكير صفو الوضع العام بالبلاد لخدمة مصالحها الخاصة .. وقد تصدّر الواجهة خلال الأيام الأخيرة سجال عميق بين الحكومة والمعارضة ، ومن زاوية أضيق ؛ بين حركة النهضة وائتلاف الجبهة الشعبية الذي عمد إلى إلقاء مسؤولية الزيادات في الأسعار على عاتق حركة النهضة باعتبارها اكبر حزب ممثل في البرلمان والحال هو أن الفصل المتعلق بالزيادات صادقت عليه الجبهة وتغيبت عنه النهضة. من جانب آخر عمل حزب "مشروع تونس" ، المعروف بانتهازيته الدائمة للفرص، على الاستفادة من الأحداث الأخيرة واغتنام الوضع للبروز ، فلم يتردد الأمين العام لحركة مشروع تونس محسن مرزوق في التفكير في تشكيل حكومة كفاءات مستقلة. وأكد مرزوق أن حركته ساندت حكومة الشاهد باعتبارها حكومة وحدة وطنية تضم وزراء مستقلين وليس باعتبارها حكومة متحزبة، معتبراً أن "حكومة المحاصصة لم تعد قادرة إلا على مراكمة الأخطاء، ويجب إيقاف عبث حزبي النداء والنهضة فيها وفي مصير دولة وأمة". من جهته، اعتبر الأمين العام لحركة النهضة ووزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، زياد العذاري، أن "أحداث التخريب والفوضى الأخيرة، يقف وراءها من يستهدف الحكومة ورئيس الحكومة واستقرار البلاد"، وأن "هناك من يستهدف يوسف الشاهد شخصياً، ويستهدف الائتلاف الحاكم". وأضاف العذاري في تصريح إذاعي، أن "من يطالب بالتنمية والاستثمار لا يدعو إلى الشارع، لأنه مدخل إلى الفوضى، والممارسة الديمقراطية تكون مؤطرة وتخضع إلى شروط". كما اعتبر أن من يصف المنظومة والحكومة بالفشل، "يحمل منطقاً طوباوياً، وهناك من يعيش في الثورية البدائية التي تدعو إلى هدم كل شيء"، متابعاً: "هذا الخطاب الفوضوي البدائي الشعبوي، حان الوقت لتجاوزه". ويتضح أن فكرة حكومة الكفاءات المستقلة أصبحت مطلباً لأكثر من جهة حزبية، على الرغم من التمثيل المحدود لهذه الأحزاب ووزنها البرلماني والشعبي. ولكن الأزمة تحيل إلى التساؤل حول مدى قدرة الحكومة على الصمود، وحول نوايا حزبي "النداء" و"النهضة" بعد الانفصال المؤقت وفك الارتباط، ونوايا السبسي بخصوص الشاهد وحكومته. من جهته، أكد حزب البديل التونسي ضرورة التقاء الأحزاب السياسية حول "عقد اقتصادي واجتماعي وسياسي فعلي لإشراك كل الأطياف السياسية في وضع خارطة طريق كفيلة بتصحيح المسار، وتشكيل حكومة كفاءات مستقلة غير متحزبة ومتحررة من الرهانات الحزبية، لتسيير الدولة وتأمين الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة مع الالتزام بعدم الترشّح". واستنكر الحزب في بيان له، كل توظيف للاحتجاجات الأخيرة واستغلالها للقيام بأعمال تخريب وحرق، داعياً التونسيين إلى الضغط على ما وصفها ب"الإدارة الرديئة للشأن العام، بالتحركات المدنية والاحتجاجات السلمية دون الانسياق وراء أعمال الشغب والمساس بالمكتسبات العامة والخاصة". وعبّر عن "تفهّمه للاحتجاجات السلمية وخروج الناس إلى الشارع للتعبير عن مطالبهم الاجتماعية والاقتصادية المشروعة نتيجة ضعف الإدارة السياسية وغياب رؤية واضحة لتسيير شؤون الدولة، ما أدى إلى تكريس واقع تغلب عليه الحسابات الحزبية الضيقة".