تكمن أهمية اللامركزية التي يتطلبها الوضع التونسي في دورها في إعادة توزيع السلطات وتعديل الأدوار بين الحكومة والجماعات المحليّة في مختلف جهات البلاد، وتخفيف الاعباء على الدولة وارجاع الشأن المحلي إلى أصحابه الحقيقيين. مشروع اللامركزيّة في تونس أحدث صخبا وأثار جدلا في كل المراحل التي مر بها الى حد اللحظة أي من مشروع مقدّم من طرف البنك الدولي، إلى باب مُضمّن في دستور سنة 2014، إلى رهان سياسي وأرضيّة لإعادة ترتيب التحالفات الحزبيّة. ويقبل المشروع على مرحلة جديدة تلي الانتخابات البلدية المزمع اجراؤها في ماي المقبل، وهي مرحلة التجسيد، ويرى مراقبون أن المشروع سيصطدم فيه بالواقع الاقتصاديّ للمناطق البلديّة، خصوصا في الجهات التي تتذيّل قائمة المؤشرات التنمية الجهويّة، وسيكون أما تحديات حملته اياها الحكومات المتعاقبة، ليتسلم قريبا مفاتيح مشاكل البلاد المتراكمة منذ عقود. وحول ملامح مرحلة تجسيد اللامركزية على أرض الواقع مستقبلا، اعتبر الاستاذ في القانون الدستوري والمحلل السياسي جوهر بن مبارك في تصريح ل"الشاهد"، أن مشروع قانون الجماعات المحلية المعروض حاليا أمام أنظار مجلس نواب الشعب لن يحدث تغييرا كبيرا، أو انتقالا لامركزيا حقيقيا وواقعيا، لأنه لن يعطي صلاحيات جديدة للجماعات المحلية مقارنة بالصلاحيات المتوفرة حاليا. وأضاف بن مبارك أن القانون بصيغته الحالية يفتح المجال فقط امام نقل صلاحيات بموافقة الحكومة من المركز الى الجهات، لافتا الى أن مشروع القانون حافظ على الموارد المالية الضعيفة المرصودة الى الجماعات المحلية ولم ينص على موارد جديدة. استاذ القانون الدستوري شدد أيضا على ان تسيير الجهات حسب مشروع القانون المعروض حاليا لن يتغير، لأن الوالي سيبقى الشخصية المحورية في الجهة، وأن الادارات الجهوية ستبقى المسؤولة على تسيير العملية التنموية وستواصل التحكم في التنمية بالتنسيق مع الوالي، وستكون بمثابة مصالح خارجية للوزارات. ولفت محدث "الشاهد"، إلى ان المرحلة التي يقدم عليها مشروع اللامركزية سيخلق إشكالا سياسيا وصداما اخر بين الوالي الذي هو بمثابة شخصية معينة تتمتع بالكثير من الصلاحيات ورئيس المجلس الجهوي المنتخب لكن بصلاحيات محدودة. هذا ويرى عدد من النواب أن مشروع القانون يتضمن جملة من النقاط التي يجب أن تُراجع أو تتغير انطلاقا من تسمية مشروع القانون، حيث أكد عضو لجنة تنظيم الإدارة و شؤون القوات الحاملة للسلاح والنائب عن حركة نداء تونس جلال غديرة للشاهد، أن عنوان المجلة (مشروع قانون اساسي يتعلق بالجماعات المحلية) اثار نقاشا اليوم لتغييره الى "مشروع قانون اساسي يتعلق بالسلطة المحلية"، وبعد المداولات اُتفق على الابقاء على التسمية الاولى. النائب عن حركة نداء تونس أكد أيضا حصول خلاف حول وجوب تفرغ كافة رؤساء البلديات من عدمه وتقرر عرض المقترح على التصويت، كما اختلف نواب اللجنة حول توسيع أو تغيير مرجع النظر البلدي ومن يتولى ذلك فاقترحوا أن تكون من صلاحيات المجلس البلدي فيما اقترح نواب اخرون أن يتم ذلك عبر قانون وتم عرضه للتصويت. يذكر أن عددا من الجمعيات (منظمة البوصلة، كلنا تونس والجمعية التونسية للحوكمة) كانت قد دعت إلى المصادقة على مشروع القانون المذكور قبل موعد الانتخابات البلديَة وان خلاف ذلك سيجعل من الانتخابات المرتقبة انتخابات صورية تكون فيها المجالس البلدية، تحت إشراف السلطة المركزية، فاقدة لأدنى مقومات الاستقلالية المالية والإدارية، وان ذلك سيحول دون تحقيق أي تغيير ملموس في إدارة الشأن المحلي. ويجمع خبراء الاقتصاد ومختصون على مشاريع التنمية المعطلة تمثل عبئا حقيقيا على الدولة حيث تجد الوزارات مع إعداد كل ميزانية جديدة نفسها مجبرة على طلب مخصصات إضافية لمواصلة إنجاز المشاريع بفعل تأثير انزلاق سعر الدينار وارتفاع كلفة الإنشاء على المخصصات المبرمجة لهذه المشاريع منذ انطلاقتها، خاصة أن الاحصائيات الرسمية تؤكد وجود أكثر من 320 مشروع تنموي داخل الجهات بكلفة تفوق 1500 مليون دينار لا يزال معطلا.