منذ تقلّده زمام الحكم في فرنسا، بدا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون متوازنا في علاقته بالشارع الفرنسي ، معتمدا سياسة اتصالية تنمّ على ذكاء ودهاء سياسي شاسعين جعلاه قريبا من جلّ الأطياف التي تمثل الفرنسيين. بيد أنه غير مخفي أن أمام الرئيس الفرنسي تحديات كبرى تتعلق بالحفاظ على أمن بلد الأنوار في ظل التهديدات الإرهابية التي ما انفكت تترصدها بين الفينة والأخرى، الأمر الذي دفعه إلى البحث عن حلول جذرية لذلك. وفي خضم هذا الشأن، نشرت صحيفة "لافانغوارديا" الإسبانية تقريرا، تحدثت فيه عن عزم ماكرون، تعديل مبادئ الثقافة الإسلامية في فرنسا؛ لمنع تفشي ظاهرة التطرف، خاصة بعد تعدد الهجمات الإرهابية التي نفذت في السنوات الأخيرة. وقالت "لافانغوارديا" في تقريرها الذي ترجمته صحيفة عربي21، إن التعايش السلمي بين الدين الإسلامي، العقيدة الثانية الأكثر ممارسة في البلاد، وقيم الجمهورية، يعد من أبرز المواضيع التي اجتاحت فرنسا في الفترة الأخيرة. ويبدو أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يفكر في اتخاذ قرارات حاسمة للتصدي لأي تهديد من شأنه أن يقوض التماسك الوطني داخل البلاد. ويكمن هدفه الطموح في إرساء الأسس اللازمة لتطوير إسلام فرنسي متسامح وحديث يتماشى مع خصوصيات الشعب الفرنسي. وأوردت الصحيفة أن الرئيس الفرنسي إلى حد الآن لم يعلن عن مشروعه التشريعي، ولم يتعمق في شرح خططه. لكن الجميع يعلم أن هذه اللحظة أصبحت وشيكة في ظل تزايد الصخب الشعبي في البلاد. فلن يكون من السهل على الإليزيه سرد تفاصيل مبادرة تستوجب معالجة قضايا حساسة مثل مسألة تمثيل المجتمع المسلم وانتخاب محاوريه. كما تعد مسألة النظر في قواعد تمويل بعض الأطراف وتكوين الأئمة عاملا حاسما في إستراتيجية ماكرون الجديدة. و أكد ماكرون بحذر أن "الجميع يعمل على هيكلة الإسلام في فرنسا وطريقة تفسيره، وهو أمر بالغ الأهمية". وأضاف الرئيس الفرنسي أنه "بصدد التقدم خطوة بخطوة في هذه المسألة، وأنه سيتشاور مع العديد من الخبراء، من بينهم أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الإسلام والعالم العربي المعاصر، جيلز كيبل، إلى جانب استشارة المعاهد المتخصصة، مثل معهد مونتين، فضلا عن الاستعانة بممثلي جميع الأديان لتقديم وجهات نظرهم". وأشارت الصحيفة إلى أن كبار القراء طالعوا آخر مؤلفة للكاتب الفرنسي حكيم القروي، تحت عنوان "الإسلام، ديانة فرنسية". والجدير بالذكر أن القروي عمل في بنك روتشيلد، مثل ماكرون، وكان يقدم المشورة إلى الرئيس. كما اقترح الكاتب "تمردا ثقافيا" للمسلمين الذين اندمجوا في فرنسا، داعيا إلى انتخاب إمام فرنسي عظيم، في صورة شبيهة بالحاخام اليهودي العظيم. وأضافت الصحيفة أن الرئيس الفرنسي لم يتطرق بعد إلى آجال تنفيذ المشروع. كما تساءل ماكرون عن إمكانية عقد اتفاق جديد في نهاية المطاف مع الجالية المسلمة (كما هو الحال مع الكنيسة الكاثوليكية). وبعد أن تغاضى عن تحديد الخيار النهائي، أكد ماكرون أن "هدفه يكمن في إعادة اكتشاف كنه العلمانية". وأوردت الصحيفة أن ماكرون سبق أن تطرق إلى هذا الموضوع قبل أن يصبح رئيسا، من خلال الأعمال والمؤتمرات والمقابلات التي عقدها. ففي أكتوبر الماضي، صرح ماكرون في اجتماع عقد في مونبلييه، بأن "المشكلة في فرنسا لا تكمن في كيفية تعريف العلمانية، بل في طريقة تعايشها مع الإسلام". كما تساءل "عما إذا كانت الجمهورية الفرنسية قوية ومسؤولة بما فيه الكفاية لتقرر إدماج الإسلام في فرنسا بشكل كامل".