من الواضح أن الانتشار الواسع لوسائل الإعلام والاتصال كفضاء مفتوح، صار ملاذا لممارسة شتّى أشكال التمييز وإنتاج خطاب الكراهية، ما يستثمره الفاعل السياسي بالدرجة الأولى . و تميل وسائل إعلامية مرئية و سمعية خاصة و عموميّة إلى إذكاء خطاب الكراهية و إعمال سياسات الإقصاء و نشر خطاب القذف على الهواء حتى ان البعض اكد ان هذه الوسائل باتت ساحة خضبة لبث هذا الخطاب و انتشاره لانه أضحى يمثّل "سلعة" مرُبحة و عاملاً للرّفع من نسبة المشاهدين . و لا يختلف اثنانعلى أنّ خطاب الكراهية قد تشعّب أكثر من أيّ وقت مضى في الساحة الوطنيّة ،وارتفعت خلال السنوات الأخيرة نبرة هذا الخطاب الذي بلغ حد التحريض أحياناً، إذ لا يمرّ يوم إلا ونرى صُورًا متعدّدة للكراهية تصدّرها أطراف سياسية و أطراف تدّعي أنها حقوقية ، ليتأكد بجلاء ان العنف السياسي استطاع أن يجد لنفسه موطئ قدم في جلّ الوسائل الإعلامية التي باتت تصدّر "مادّة الكراهية" بشكل شبه يوميّ ، مراهنة بذلك على انجذاب الجماهير لهذه الانواع من الممارسات الفضائحية. من هذا المنطلق صارت الدعوة لتفعيل القوانين الرادعة لخطاب الكراهية، أمرا ملحّا أمام تنامي ظاهرة العنف ، وأمام عدم الالتزام القنوات بالضوابط القانونية و الاخلاقية . و أكد الأستاذ و الباحث الجامعي أنور الجمعاوي في مقال نشره في "العربي الجديد" أنّ المنابر الإعلاميّة التونسية ما زالت ميّالة إلى إذكاء خطاب الكراهية وإعمال سياسات الإقصاء، ونشر خطاب القذف على الهواء، فترى وتسمع وتقرأ عبارات من قبيل "موتوا بغيظكم" و"لن تمرّوا" و"جمهوريّة الموز" و"سننتقم" و"سنثأر" و"لا بدّ من استئصال هؤلاء أو أولئك"، وتتواتر في الخطاب الإعلامي نعوت "ظلاميّ" و"كافر" و"رجعي" و"مبتدع" و"عميل" و"خائن". ويحتكر آخرون صفات تندرج في حيّز التقدميّة: حداثي، ومنفتح، وحضاري، ومعتدل. مشيرا إلى أنّ هذه الأحكام معياريّة، وتخضع للتنسيب بامتياز، وليس من الموضوعيّة في شيء احتكار التقدّم أو نعت الآخرين بالرجعيّة على أساس خلفيّات أيديولوجيّة وصراعات حزبيّة تنبني على مجافاة الواقع وإصدار الأحكام المسبقة على الأشياء والأشخاص والظّواهر. وكان تقرير أصدرته المجموعة العربية لرصد الإعلام وجمعيتان تونسيتان (المجلس الوطني للحرّيات وشبكة تحالف من أجل نساء تونس) قد نبّه إلى أنّ 90% من الصحف التونسية الناطقة بالعربية تتضمّن خطابا يحثّ على الكراهية، و13% من وسائل الإعلام فيها دعوة صريحة أو مضمّنة لاستخدام العنف، و58% من المنابر الإعلامية تبثّ خطابا مثيرا للنعرات الحزبية أو الدينية. ولفت مرصد أخلاقيات المهنة التابع لنقابة الصحفيين النظر مرّات إلى مئات الإخلالات المشهودة في الإعلام التونسي بعد الثورة، والمتعلّقة بالوصم والشتم، والتحقير والتكفير، والتمييز على أساس الهوية والدعوة الصريحة إلى العنف. كما صدرت عن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري عشرات القرارات العقابية ضدّ مؤسّسات إعلامية مختلفة، بسبب بثها الكراهية وانتهاكها الكرامة الإنسانية.