الكشف عن فضيحة تجسّس يشارك فيها وزراء ورؤساء أحزاب ومديرو بنوك ومدير عام ديوانة يقودها رجل أعمال فرنسي تعمل لصالح اجندات خارجية، وأهداف بعيدة كل البعد عن الوطنية، اضافة للتصنيفات المتتالية في القوائم السوداء، فضلا عن الاخفاق الحكومي المتواصل بتعطّل كل محرّكات التنمية، وتعمّق عجز الميزان التجاري وعجز الميزانية وانهيار الدينار، وتزايد نسبة البطالة والتضخّم الصاروخي، أساءت كثيرا الى صورة الثورة وتونس وتجربة الانتقال الديمقراطي ككل وهزت صورة البلاد في الخارج. كما أضرت هذه العوامل مجتمعة بالاقتصاد الوطني، خاصة انها ساهمت بشكل أو باخر في فقدان ثقة المانحين في المثال الاستثنائي في المنطقة حد تتالي التصنيفات السوداء الاخيرة، ويفسرها مراقبون بغياب الإرادة السياسية الرسميّة في مجابهة حقائقها ومعالجة أورامها بشكل ناجع وفعّال. ويشير متابعون للشأن التونسي أن جزءا كبيرا من أزمة تونس الخانقة سواء الاقتصادية أو الاجتماعية او السياسية سببها الصورة السيئة التي يقدمها عنها سياسيون وبعض رجال أعمال يخدمون مصالح أجنبية بعيدة كل البعد عن مصلحة الوطن والوطنية، الى جانب طغيان المصالح السياسية والحزبية على مصالح الدولة. هذا ونشرت جريدة الشروق اليومية تحقيقا في جزءين، تحت عنوان "فضيحة تجسّس تهز تونس .. وزراء ورؤساء أحزاب ومديرو بنوك ومدير عام ديوانة سابق في قبضة شبكة استخباراتية يقودها رجل أعمال فرنسي"، ذكرت فيه الصحفية صاحبة المقال بالخصوص أنه "وبعد أن تم إصدار بطاقة إيداع بالسجن ضد كل من مستشار وزير الصحة ومدير عام بوزارة أملاك الدولة أثبتت التحقيقات تورط قيادات في الدولة في أكبر فضيحة تجسس". ونشرت الصحيفة ما قالت إنه "القصة الكاملة لتورط قيادات بارزة في الدولة ورؤساء أحزاب وسياسيين ومدراء عامين في قضية تجسس لحساب فرنسي"، تحدثت فيه عن التحقيق حول اتهامات رجل أعمال فرنسي في تزعمه شبكة تجسس كشفتها التحقيقات مع المدير العام بوزارة أملاك الدولة ومستشار في وزارة الصحة، كما كشفت "وجود تطبيقة مشبوهة داخل قصر قرطاج"، تعمل لمصلحة أطراف أمريكية وفرنسية، وتضم رؤساء أحزاب ومدراء بنوك ومسؤولين كبارا في الدولة، وقالت إن السلطات التونسية تقوم حاليا بالتحقيق مع بعضهم بتهمة إفشاء أسرار الدولة لجهة خارجية. وكشفت الصحيفة لاحقا معلومات جديدة حول شبكة التجسس المذكورة، تتعلق بشراء رجلي الأعمال اليهودي الفرنسي والأمريكي (اللذين يديران الشبكة) لرئيس حزب أشارت له الصحفية برمز (م. م) وخبير اقتصادي (م.ج) ومستشار سابق لرئيس الجمهورية (ع.ك) ومدير عام سابق للجمارك، مشيرة إلى أن المتورطين تسلموا تطبيق للهاتف المحمول متختص بالتنصت تم إدخالها إلى قصر قرطاج للتنصت على مكالمات واجتماعات رئيس الجمهورية، فضلا عن إرسال تقرير يومي حول نشاط أغلب السياسيين في البلاد. وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن وجود شبكات تجسس تعمل لصالح أطراف أجنبية في تونس، حيث كشفت وسائل إعلام مؤخرا عن وجود شبكة تجسس مرتبطة بالإمارات حاولت شراء ذمم نواب وعدد من رؤساء الأحزاب بهدف التأثير على الحياة السياسية في البلاد، ومحاولة عزل حركة النهضة، كما نجحت السلطات في وقت سابق بكشف شبكة تجسّس يقودها دبلوماسي روسي، وتقوم بجمع معلومات حساسة حول التونسيين. من جهة أخرى، صنف الاتحاد الاوروبي بداية الشهر الحالي للمرة الثانية على التوالي في ظرف قياسي تونس في قائمة سوداء للبلدان الأكثر عرضة لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بعد أن صنفها سابقا ضمن قائمة سوداء للملاذات الضريبية قبل التراجع عن ذلك. وقبل أن تتجاوز تونس تأثيرات ذلك على صورتها الخارجية، وتدارك ما أحدثته من رجات على المستوى الداخلي والديبلوماسي، حتى انهالت التصريحات بوقوف تونس على أعتاب تصنيفات كثيرة جديدة تلوح في أفق المستجدات. يأتي ذلك في وقت تسعى فيه السلطات إلى التسريع في وتيرة الإصلاحات الاقتصادية وتحاول تحسين تشريعاتها الجبائية ومكافحة التهرب الضريبي، استجابة لشروط صندوق النقد الدولي، من أجل الاستمرار في دعمها ماليا. في هذا الصدد، قال رئيس اللجنة الوطنية للتحاليل المالية، الشاذلي العياري، ان لديه مراسلات (50 او 60 مراسلة ) وجهتها اللجنة الى الحكومة لتحذيرها من تدارك تصنيفات اقليمية محتملة لتونس في عدة مجالات من بينها تصنيفات لجان مالية دولية في وقت شدد فيه اعضاء اللجنة على ان تونس تمتلك ترسانة تشريعية في مجال تبييض الاموال لكن تنقصها الفعالية ". من جهته، أكد ناجي جلول المدير العام للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية في تصريح لجوهرة أف أم، أن دور المعهد استشرافي بالأساس وهو يعمل على اسناد عمل الدولة في حل كل المشاكل الكبرى التي تجمع التونسيين.