يبدو أن المشهد السياسي الحزبي في تونس لم يُبنى بالوضوح والدقة الكافيين عن اتجاهات العملية السياسية فيها في ظل وجود إجماع حول هشاشة المشهد الحزبي في البلاد وضعف التكوين السياسي، وتراجع منسوب الوعي لدى القادة السياسيين، وهو ما يتعارض مع الفاعلية السياسية الحقيقية، التي كان يطمح لها التونسيون. ويظن بعض السياسيين الذين ألقت بهم الصدف في خضم المشهد السياسي وبعض الاحزاب الفاقدة لبرامج وتأييد شعبي أن الهدف من العملية السياسية هو الصعود الى صدارة المشهد ولو على حساب مصلحة البلاد، فيتجرد بعضهم في أغلب الأحيان عن الوطنية. هذا المشهد يثبته تورط بعض السياسيين ورجال الأعمال وخاصة منهم الوجوه البارزة والتي تتصدر المشهد الاعلامي في قضايا جوسسة والتعاون مع أجندات خارجية، أو المساعدة على تشويه الوضع العام في البلاد. يأتي ذلك من خلال ما كشفته صحيفة الشروق اليومية من معلومات حول شبكة التجسس المذكورة، تتعلق بشراء رجلي الأعمال اليهودي الفرنسي والأمريكي (اللذين يديران الشبكة) لرئيس حزب أشارت له الصحفية برمز (م. م) وخبير اقتصادي (م.ج) ومستشار سابق لرئيس الجمهورية (ع.ك) ومدير عام سابق للجمارك، مشيرة إلى أن المتورطين تسلموا تطبيق للهاتف المحمول متختص بالتنصت تم إدخالها إلى قصر قرطاج للتنصت على مكالمات واجتماعات رئيس الجمهورية، فضلا عن إرسال تقرير يومي حول نشاط أغلب السياسيين في البلاد. وقد أصدر قاضي التحقيق بالقطب القضائي والمالي، تحجير السفر على الخبير الاقتصادي معز الجودي ورجل أعمال فرنسي مقيم في تونس، على خلفية ما عُرف "بقضية التجسس". وكان قاضي التحقيق أصدر بطاقتي إيداع بالسجن ضد كل من مستشار وزير الصحة الحالي وموظف بوزارة أملاك الدولة ومن المنتظر أن يتم خلال الأيام القادمة التحقيق مع العديد من الاشخاص في هذا الملف. هذا ونقلت بعض المواقع الاعلامية، وبعض التسريبات أن م.م الوارد في التحقيق هو نفسه رئيس حزب مشروع تونس محسن مرزوق، الذي قرر في ما بعد مقاضاة كل من تعمد ذكر اسمه في القضية. واقع الحالي يشير أيضا الى المعلومات التي تناقلتها سابقا بعض الصحف التونسية والتسريبات عن تورط رئيس حزب افاق تونس ياسين ابراهيم في خدمة أجندات خارجية، في مقدمتها، شبكة الجوسسة التي عملت على تدريبها الامارات المعادية للمسار الثوري التونسي، ويشار الى أن ابرز أهدافها تتلخص في معاداة حركة النهضة. كما نقلت نفس المصادر بعض المعلومات التي أكدها في ما بعد قياديوه، عن لقاء جمع بين ابراهيم والقيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان المثير للجدل و المعروف بلقبي "رجل الثورة المضادة" في دول الربيع العربي و"أخطبوط مؤامرات الشرق الأوسط"، انسحب على اثره الحزب من الحكومة ومن وثيقة قرطاج، ويرجح ان الانسحاب مخطط له، ولغايات دفينة، غالبا غير بريئة. فضيحة أخرى، كشفتها "أسرار عربية"، تحصلت عليها عبر وثيقة سرية إماراتية مفادها أن شبكة التجسس الاماراتية في تونس تعمل منذ العام 2016 على شراء ولاءات وذمم عدد من أعضاء البرلمان التونسي وتشغيل بعضهم كعملاء لأبوظبي من أجل تمرير الأجندة الاماراتية المعادية للثورة وللتيار الاسلامي في البلاد. وضمت قائمة النواب، شكيب باني النائب عن حركة نداء تونس، والذي قرر لاحقا مقاضاه الموقع، نافيا كل ما روج عنه. ويؤكد مراقبون، أن أنشطة كبار السياسيين في تونس، وبعض الملفات التي تثبت في كل مرة تورط بعضهم في قضايا جوسسة وفساد، قادت الى فقدان ثقة التونسيين فيهم وفي العملية السياسية ككل، وهو ما تترجمه نتائج سبر الاراء الصادرة تباعا، ووصل فقدان الثقة حد عزوف الناخبين عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية.