مثّل الاتحاد العام التونسي للشغل على امتداد الفترات العصيبة التي مرت بها تونس جسرا بين الدولة والفئات الهشة، يخفف تارة من ضغوط الدولة التي تستوجب التضحيات على فئات أنهكتها التضحيات، ويقنع منظوريه تارة اخرى بمراعاة ظروف الدولة على أن تجني الأجيال القادمة كلفة المشروع الوطني. ومارس سابقا شتى أنواع الضغوط على الحكومات المتعاقبة منتصرا للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بناء على الاهداف الكبرى السامية التي تأسس لأجلها، ولم يعرف منذ تكوينه سقطة سياسية باستثناء الأخيرة التي دعا فيها الى اجراء تعديل وزاري و ضخ دماء جديدة في الحكومة و تدعيم الحكومة بكفاءات جديدة للحد من تفكك اجهزة الدولة وتحقيق التقارب في وجهات النظر بين مختلف الأطراف. وقال الطبوبي امام نواب مؤتمر الاتحاد الجهوي للشغل بسيدي بوزيد ان الايادي المرتعشة لا يمكن لها ان تصنع ربيع تونس وأضاف ان الحكومة مطالبة بتحقيق نتائج في مستوى تطلعات الشعب. ويرى مراقبون ان الاتحاد بات يتحرك في حدود مربعه الجديد الذي حددت ابعاده وثيقة قرطاج التي نصّبته شريكا في الحكم حتى انه بات تقريبا الشريك الوحيد بعد تخلي جل الاحزاب المشاركة فيها عن الحكومة باستثناء حزبي الائتلاف الحاكم، بالتالي له كل الحق في المطالبة بتعديل حكومة هو الشريك الرئيسي فيها، في ظل ركود المشهد السياسي وتراجع البلاد على أكثر من صعيد. هذا التدخل في الشأن السياسي، وعدم الاقتصار على الشأن الاجتماعي والنقابي وانتهاء الود بينه وبين حكومة الوحدة الوطنية، تبدو تداعياته سلبية جدا وقد لا تساعد في تقدم الحكومة بشأن العديد من الملفات العالقة بين الطرفين إضافة إلى ارتداداتها على المشهد السياسي المتهرئ بطبيعته، في ظل وضع سياسي واقتصادي واجتماعي صعب تمر به البلاد بسبب تراكمات داخلية وخارجية أثرت سلبا على الأداء الحكومي. من جهته، أكد الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل محمد علي البوغديري في تصريح ل"الصباح"، أن الوضع العام في تونس وصل إلى مرحلة خطيرة للغاية، بسبب فشل ذريع في إدارة شؤون البلاد التي أصبحت على شفا الانهيار الكلي، واعتبر البوغديري في تصريح ل»الصباح »أن ما قاله نور الدين الطبوبي هو رسالة تحذيرية مضمونة الوصول إلى كل الحكومة بأن الوضع لم يعد يحتمل المزيد من التراخي وسياسة الأيادي المرتعشة وعليها القيام ببعض المراجعات في علاقة بالتوجهات الاقتصادية والاجتماعية. تعليقا على ذلك، أكد المحلل السياسي عبد الله العبيدي في تصريح ل"الشاهد"، أن الهيكلين الوحيدين الذين يعملان بصفة مهيكلة هما اتحاد الشغل وحركة النهضة، وهما الوحيدان اللذان يطرحان أمورا ملموسة، مذكّرا في ذلك بتصريحات رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الذي قال فيه أن بعض الشخصيات المرموقة التي زارت تونس أسرت له أن حركة النهضة والاتحاد الحزبين الوحيدين في البلاد. وشدد العبيدي على أن الاتحاد له الحق في المطالبة بإجراء تحوير وزاري وتعديل الحكومة التي هو شريك فعلي فيها، وهو الوحيد الذي بقي مساندا لها على خلاف باقي الاحزاب السياسية التي تخلت عنها من اجل مصالحها الانتخابية. وأشار محدث "الشاهد" أن الاتحاد بقي الحليف الاساسي لرئيس الحكومة، بالتالي له الحق في انتقاد التشكيلة الحكومية التي يدعمها بعد أن راقب عملها عن كثب، خاصة أن بعض الاحزاب انسحبت من وثيقة قرطاج فيما بقي ممثلوها في الحكومة. هذا وشهدت بداية السنة الحالية احداثا ساخنة انطلقت بموجة احتجاجات واضرابات تخللت شهر جانفي وتكثفت خلال شهر فيفري الجاري تقودها قطاعات اعلنت رفضها للسياسة المنتهجة من طرف السلطة لحل مشاكلها وفتحت النار على سلطات إشرافها متهمة اياها بعدم الجدية في التفاوض وعدم احترامها للاتفاقيات المبرمة بينها وبين الهياكل النقابية الممثلة لها. هذا وارتفع نسق الاحتجاجات وتسارعت الاضرابات التي شملت عديد القطاعات كالهندسة والصحة والتعليم الثانوي وكذلك الجامعي حيث واصل امس الاساتذة الجامعيون اضرابهم لليوم الثاني على التوالي في تجمع احتجاجي امام مقر مجلس النواب نددوا خلاله بما اعتبروه تراخيا من قبل الوزارة في التعامل مع مطالبهم وعدم جدية في التفاوض مع الجامعة العامة للتعليم العالي رغم الهنات العديدة التي باتت تعيشها الجامعة التونسية العمومية. وقد مثل مطلب الزيادة في الاجور على قاعدة احترام سلم التأجير في الوظيفة العمومية اهم المطالب التي رفعها الاساتذة الجامعيون بالنظر الى ما وصفوه بالوضع المادي المزري الذي بات يعيشه العاملون في القطاع مقارنة بعديد القطاعات الاخرى التي حضيت ب"رضاء"السلطة و"دعمها "اللا مشروط لها على حد تعبيرهم من خلال تمتعهم بزيادات عديدة ومنح وامتيازات مختلفة. ويخوض الاساتذة الجامعيون الباحثون التونسيون منذ بداية شهر جانفي المنقضي اضرابا اداريا احتجاجا على ما اعتبروه خرقا للقانون من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من خلال عدم احترامها لسلم التأجير في الوظيفة العمومية وتشبثها باسناد أجر محدد ومعين للأساتذة الجامعيين على اختلاف وتفاوت مستوياتهم التعليمية ما دفعهم الى التهديد بسنة جامعية بيضاء باعتبار ان الطلبة لم ينجزوا بعد امتحاناتهم. من جهتهم يخوضوا اساتذة التعليم الثانوي سلسلة من التحركات الاحتجاجية أعلنوا خلالها تمسكهم بمواصلة حجب الاعداد عن الادارة للضغط على سلطتي الاشراف للاستجابة لمستحقاتهم المتفق في شأنها او المطالب الجديدة التي لم تلق الحل بعد. هذا ويتواصل اضراب الاطباء المقيمين والداخليين وطلبة الطب منذ تاريخ 6 فيفري الجاري احتجاجا على تراجع سلطة الاشراف عن تعهداتها المضمنة في اتفاق فيفري 2017 المبرم بينها وبين المنظمة التونسية للاطباء الشبان. وطالب المحتجون بالاسراع في اصدار الامر المتعلق بالنظام الاساسي الخاص بالاطباء الداخليين والمقيمين بالصيغة المتفق عليها والحفاظ على الشهادة الوطنية لدكتور في الطب منفصلة عن شهادة الاختصاص في الطب و فتح خطط للاطباء المتطوعين للتخفيف من الضغط المهول على زملائهم الداخليين الى جانب المطالبة بنشر الامر المتعلق بالدراسات الطبية في اجل يتم الاتفاق عليه كتابيا وفتح ملف اجور الاطباء "الاجانب" الذين درسوا بتونس ورصد الاعتمادات امام التطوع لسد الشغور الحاصل بالمستشفيات الجامعية فورا.