عرفتْ تونس في السنوات القليلة الماضية تجمّعات وتحرّكات نقابية تجاوزت الخطوط الحمراء منها التحركات الاخيرة للنقابات الامنية ، توقيف الانتاج بقفصة و تحركات نقابات التعليم والصحة و لا ننسى ما أقدم عليه المحامون عبر محاولة بعضهم خلع الباب الرئيسي لمقر البرلمان بساحة باردو عند احتجاجهم على إجراءات تضمنها قانون المالية في أواخر سنة 2016. و يعدّ الدفاع عن حقوق العاملين ومتابعة مطالبهم من أهم أدوار النقابات الوطنية في البلاد إلاّ أنّ هذه الادوار تطورت إلى ما لايحمد عقباه لتتحول هذه النقابات الى عصا غليظة بيدي أصحابها و للتحول من هيئات وسطية أو حلقة وصل بين العاملين فيها والحكومة إلى وسيلة ضغط على الحكومات ، ووصل الأمر بهذه النقابات إلى حدّ تعطيل الانتاج و التسبب في خسائر تقدّر بالمليارات للدولة على غرار ما يحدث في المجمع الكيماوي بولاية قفصة و ما تمارسه نقابة التعليم الثانوي من حجبها أعداد التلاميذ للشهر الثاني على التوالي. و اشتكى الأولياء من ارتهان مصير التلاميذ لأسباب لاعلاقة لهم بها ومطالب " لاناقة لهم فيها ولا جمل" متسائلين عن مصير هذا الجيل الذي أمسى "سلعة للمقايضة بين وزارة التربية ونقابات التعليم، وارتهن مستقبلهم في تجاذبات بعيدة كل البعد عن المضامين التربوية والمنحى الاصلاحي المنتظر منها" حسب قولهم. و في تعقيبه على الموضوع أكّد القيادي بالتيّار الدّيمقراطي و النائب عن الكتلة الديمقراطية غازي الشواشي ، أن ضعف الدولة و تراخيها هو الذي تسبب بمثل هذه المشاكل وهو الذي جعل النقابات تتمرد على القانون و الدولة من قبيل( قطع السكك الحديدية ، تعطيل انتاج الفسفاط و منع العمل ) ، مشيرا إلى أنها أحداث توحي بضعف الدولة التي كرّست ثقافة الافلات من العقاب . و تابع مصدرنا بالقول " كلّهم يتطاولون لانهم يعلموم انه لن يكون هنالك تتبع قضائي ." و أضاف الشواشي في تصريح ل"الشاهد"، اقتحام الامنيين للمحكمة الابتدائية ببن عروس أمرٌ خطير جدّا و يعدّ تمرّدا على مؤسسات الدولة ، قائلا " لا يمكن ان يمر هذا الشيء بسلام و يجب ان يتمّ تتبع نقابة الامن قضائيا و حلّها." و يرى مراقبون أنّ نقابة الأمن أضحت من أكثر النّقابات تغوّلا على الدولة بعد رفضها تغطية بعض العروض الفنية و تهديدها برفع الحماية الأمنية عن السياسيين والنواب لو لم يتم تمرير مشروع قانون زجر الاعتداء على القوات الحاملة للسلاح وآخرها التجمهر أمام المحكمة الابتدائية ببن عروس ، ما جعل الكثيرين يطالبون بحلّ هذه النقابة التي تهدّد سيادة الدولة . وطالب نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بحل هذه النقابات "بعد أن تجاوزت دورها في الدفاع عن حقوق منظوريها"، فيما نفى ممثلوها تلك الاتهامات. وتجمهر عدد من الأمنيين هذا الأسبوع في فضاء محكمة بن عروس، بحسب ما نقلته وسائل إعلام للمطالبة بالإفراج عن شرطيين موقوفين في شبهة الاعتداء بالعنف على موقوف. وبنفس الطريقة التي انتهجتها النقابات الأمنية مؤخرا، هدّدت الثلاثاء نقابة موظفي العدلية بتصعيد تحركاتها الاحتجاجية رفضا لإصدار بطاقة إيداع بالسجن في حق كاتب بالمحكمة الابتدائية بتونس على خلفية الاشتباه في تورطه في تدليس منشور تفتيش وتغيير محتواه. وأرجع عبدالستار السحباني، الباحث في علم الاجتماع أسباب تكرّر تمرّد النقابات على الدولة وأجهزتها بعد الثورة لسببين أساسيين، أولهما يتعلق بشعور بعض القائمين بالفعل النقابي بأن الدولة فقدت هيبتها أو بأن الوزن النقابي يضاهي قوة الدولة أو يفوقها رغم امتلاك الأخيرة كل وسائل العنف الشرعي والرادع لكل المتجاوزين للقانون. والسبب الثاني يكمن في تكرّر إفلات العديد ممن اقترفوا تجاوزات لا تمت بصلة للعمل النقابي من العقاب وذلك بسبب ثقل حجم ووزن النقابات أو الأطراف التي تقف وراءها وتساندها حتى إن كان النقابيون مخطئون.