على أحر من الجمر، ترتقب تونس قرار صندوق النقد الدولي بالموافقة على إرسال القسط الثالث من القرض المبرم بين الطرفين والذي يقدر بنحو 314 مليون دولار، ولئن تصب توقعات الحكومة في أن يتم قريبا الإفراج عن هذا القسط، بيد أن خبراء في الاقتصاد والمالية لا يتفقون مع وجهة النظر الحكومية ويعتبرون أن الصندوق قد يرهن تقديم الشريحة الجديدة من القرض بتنفيذ الإصلاحات المتفق بشأنها والمتعلقة بإجراءات هامّة تخصّ الوضعين الإقتصادي والمالي للبلاد. ويبدو أن صندوق النقد الدولي بدأ يتأهب للإفراج عن الشريحة الثالثة من القرض ، إذ أعلن عن عقد اجتماع قبل نهاية الشهر الحالي مع ممثلي الحكومة للنظر في صرف القسط الثالث من القرض المتفق عليه، والمعطل منذ أشهر. وكان الوزير لدى رئاسة الحكومة المكلف ملف الإصلاحات الكبرى توفيق الراجحي، قد توقع حصول تونس على القسط الثالث من قرض صندوق النقد الدولي، المقدر، في بداية شهر فيفري الماضي، ، غير أن مجلس الصندوق أجل الحسم في المسألة ، وظل يترقب تطبيق البلاد لإصلاحات اقتصادية لمعالجة مشكلات متفاقمة مثل ارتفاع معدلات التضخم. وقد رفع البنك المركزي خلال اليومين الماضيين في سعر الفائدة خلال الشهر الحالي إلى 5.75 في المائة، من خمسة في المائة، في قرار قال محافظ البنك مروان العباسي، إنه اتخذ بسبب المخاوف من خروج التضخم عن السيطرة. وتوقع العباسي، في أول ظهور إعلامي له، أن يكون معدّل التضخّم لكامل سنة 2018 في حدود 7.2 في المائة على أن تتراجع هذه النسبة خلال سنة 2019 إلى ما بين 5 و6 في المائة. وقال إن نسبة التضخّم المسجلة في نهاية شهر فبراير الماضي والمقدرة بنحو7.1في المائة لم تشهدها تونس منذ عقدين من الزمن وهي تبعث على القلق ومن شأنها الإضرار بالمقدرة الشرائية للتونسيين على حد تعبيره. وقد اعتبر الناطق الرسمي باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس ، الجمعة 9 مارس 2018 ، أن قرار البنك الترفيع في سعر الفائدة المديرية للبنك المركزي ب 75 نقطة اساسية صائب ويأتي من اجل الحد من ارتفاع نسبة التضخم التي وصلت الى مستوايات لم تشهدها منذ 25 سنة. وشهدت معدلات التضخم في تونس ارتفاعا مطّردا خلال الفترة الأخيرة لتصل إلى 6 في المائة في ديسمبر من السنة الماضية و7.1 في المائة خلال شهر فيفري الماضي، وهو ما فرض إجراءات حكومية استثنائية. وكان صندوق النقد الدولي قد اتفق مع تونس منذ سنة 2016 على منحها قرضا إجماليا بقيمة 2.9 مليار دولار يمتد إلى حدود سنة 2020. ويقسط هذا القرض على 8 أقساط تصرف خلال أربع سنوات، وهو موجه لدعم البرامج الاقتصادية والمالية ومشروعات التنمية وتنفيذ مجموعة من الإصلاحات. وانتقد صندوق النقد في مناسبات سابقة خيارات الحكومة التونسية وذلك إثر توجيهها لجانب مهم من أقساط القرض لتمويل أجور موظفي القطاع العام بدلا من تمويل مشروعات التنمية وخلق فرص العمل. وفي خضم هذا الشأن، علقت مدير صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد على الاوضاع في تونس قائلة: " شعور الشعب التونسي بالإحباط مفهوم. فهم يريدون فرص عمل وحياة أفضل لأنفسهم ولأسرهم، كما يريدون العدالة. والحكومة تريد كل هذه الأمور أيضاً، كما نريدها نحن في الصندوق. ونحن نعتقد أن الإصلاحات الاقتصادية بالغة الأهمية لتحقيق هذه الأهداف." وتابعت في تصريحات سابقة : "لننظر فيما تمر به تونس حالياً. فتونس تواجه تحديات بالغة التعقيد والصعوبة – من النمو المنخفض إلى البطالة المرتفعة، خاصة بين الشباب والنساء، إلى الفساد والهجمات الإرهابية التي ألحقت ضرراً بالغاً بالسياحة" متسائلة في هذا الصدد " فكيف تبدأ في ظل هذا الوضع في حلحلة هذه المشكلات؟" و أضافت لاغارد : "تونس تنفق الكثير على رواتب القطاع العام. وتكلفة الأجور هذه، التي تبلغ 14.1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي وحوالي نصف الإنفاق الكلي، تعتبر من أعلى المستويات في العالم. فالقطاع العام في تونس يؤمِّن وظيفة من كل خمس وظائف." كما اردفت : "حين تنظر إلى الدين العام الداخلي والخارجي، تجد أن كليهما زاد بمقدار الضعف تقريباً منذ عام 2010 (من 39 في المائة إلى 70 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في حالة الدين الداخلي، ومن 49 في المائة إلى 80 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في حالة الدين الخارجي). ووصل التضخم إلى 6.4 في المائة في ديسمبر العام الماضي، صعوداً من 5.5 في المائة في جوان 2017. مقارنة بنسبة 0.6 في المائة في المغرب في ديسمبر الماضي. كذلك وصلت الاحتياطيات إلى مستويات بالغة الانخفاض. وتشير هذه الأرقام إلى أهمية تنفيذ الإصلاحات، مع حماية شرائح المجتمع الأقل دخلاً. و استنتجت : "إذن تمويل الصندوق في تونس يتيح متنفساً يسمح بإبطاء سرعة تخفيض الإنفاق ويساعد على زيادة الإيرادات الضريبية بصورة عادلة." واضافت لاغارد :" تجدر الإشارة هنا إلى أننا نركز على ضرورة أن تكون الإصلاحات متوازنة اجتماعياً وجيدة التصميم بما يجنِّب الفقراء تحمل الأعباء المصاحبة. ويتضمن هذا الحفاظ على دعم المنتجات الغذائية الأساسية وزيادة الضرائب على السلع التي يستهلك معظمها الأثرياء. وقد حاولنا التأكد أيضاً من أن خفض التوظيف في القطاع العام يعتمد على نظام المغادرة الطوعية والتقاعد المبكر بدلاً من التسريح الإجباري."