أجمع عدد من السياسيين على أهمّية ما طرحه رئيس الجمهورية، في خطابة بمناسبة الذكرى 62 للاستقلال، بخصوص تعديل القانون الانتخابي والدعوة إلى تكوين لجنة تعنى بالنظر في هذه المسألة، معتبرين ان تونس وصلت إلى حالة من "الانسداد السياسي" نتيجة لطبيعة النظام الانتخابي الذي اعتمد آليات جعلت البرلمان يكون مساحة لقاء بين شتات أحزاب من الصعب تجميعها. و بحسب جريدة " الشروق" ، فإنّ هذه الاليات منعت وجود أحزاب بتمثيلية قوية يمكنها ان تكون سندا للحكومة وهو ما أثّر على ادارة الشأن العام بشكل واضح. وأنتج مقولة "الجميع يحكم ولا احد يحكم" فائتلاف السلطة لا يتمتع بانسجام دائم وتخضع علاقات مكوناته الى هزات عديدة تؤثر ارتداداتها بشكل مباشر على الحكومة،حسب ذات الجريدة . و منع النظام الانتخابي المعتمد حالي أي حزب كبير من توفير الأغلبية المطلوبة لحكومته وتحتم اللجوء إلى التحالفات والائتلافات الحزبية ، فباتت المؤسسة التشريعية مشتّتة بين أكثر من عشرين حزبا. ولا يستقيم مفهوم الاغلبية فيها الا بتجميع اربعة أو خمسة احزاب قد تتّفق حينا وتختلف احيانا.. وأثّر بشكل سلبي على تمثّل التونسي لهذا النظام السياسي الجديد خاصة أن الصورة العامة له لا تخلو مفاصلها من الصراع والبطء وضعف النجاعة. وحول تعديل القانون الانتخابي قال رئيس كتلة نداء تونس سفيان طوبال ، إن مختلف مكونات البرلمان تعرّضت إلى هذه المسألة وتم القيام بتحيينه سنة 2017 وقبل الانتخابات البلدية، مضيفا أنّ المبادرة وبعد أن كلف رئيس الجمهورية وزير العدل ورئيس الحكومة بتقديم مبادرة تشريعية من الواضح أنها ستكون حكومية وستناقش داخل البرلمان. وأعرب عن أمله في التوصل إلى حل قبل الانتخابات القادمة. من جانبه قال رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إنّ الهدف من تعديل القانون الانتخابي،هو إنتاج أغلبية باعتبار أنّ التمثيل النسبي أفرز مشهدا سياسيا فيه قدر كبير من التمزّق، لكنه لفت إلى أن هذا القانون به أيضا إيجابيات من بينها فرض الحكم الائتلافي والتعدّد ومنع أي حزب من التغوّل في بلد يحمل ذكريات سيّئة عن تغول الحزب الواحد. وأشار إلى أنّ مصطلح التوافق والديمقراطية، مصطلح تونسي، أفرزه القانون الانتخابي، معتبرا التعوّد على الحكم الائتلافي والابتعاد عن الإقصاء أمر إيجابي بعد سنوات من الحكم الانفرادي. وقال إنّ حركة النهضة مع توسيع دائرة الإئتلاف للمشاركة في الحكم وتنمية البلاد، مثمّنا رفض رئيس الجمهورية الإقصاء وتأكيده على فتح الباب أمام الاحزاب، التي لم يكن لها الحظ في الحصول على مقاعد في البرلمان للمشاركة في الحكومة. بدوره أكّد رئيس حزب آفاق تونس ياسين إبراهيم ، أن دعوة رئيس الجمهورية إلى تكوين لجنة للنظر في مسألة تعديل النظام الانتخابي،نقطة إيجابية ويتفق معها حزب آفاق تونس، موضّحا أنه يمكن النظر في القانون الانتخابي والشعب مطالب بالتقييم واختيار من يمثله بعد انتخابات 2014 وفي ظلّ وجود خيارات. وأضاف أنّه تبين اليوم أن تعديل القانون الانتخابي هو مبادرة رئاسية، لكن لا بد من مراجعة القانون ومناقشة المسألة لتجاوز بعض الإشكاليات، ومن بينها عدم إيجاد أغلبية واضحة في البرلمان. من جهة أخرى اعتبر الناطق بإسم حزب العمال الجيلاني الهمامي أنّ الغاية من التعديل ليس ضمان الإستقرار السياسي ومنح الحزب الحاكم اريحية تمكّنه من تنفيذ برنامجه بل مدخل لعودة المنظومة القديمة. وقال إن الغاية منها التوجه نحو تبسيط المشهد السياسي لإفراز حزب مهيمن أو حزبين، مشيرا إلى وجود رغبة واضحة أن يظل نداء تونس في الحكم وعودة البقية للمعارضة ومنهم حليفه الحالي النهضة، ووضع حاجز أمام الأحزاب الأخرى. وقال الهمامي "لا أعتقد أن الإئتلاف الحاكم غير قادر على تنفيذ برنامجه ولم يمنعه التنوع داخل البرالمان من ذلك"، مشيرا إلى أنّ المسألة مرتبطة بالحسابات السياسية. و قال أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد إنّ تعديل النظام الانتخابي الحالي يعّد من المسائل التي من شأنها المساعدة على إصلاح النظام السياسي وهو ما طرحته بعض مكونات المجتمع المدني وأحزاب سياسية. وبيّن بلعيد في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، أن الباحثين والجامعيين الذين دعوا إلى هذا التعديل رأوا أنّ النظام الإنتخابي الذي تم اعتماده في انتخاب أعضاء مجلس النواب (وهو نظام التمثيل النسبي مع أكبر البقايا) تضمّن عيوبا كثيرة تتنافى مع المبادئ الثورية وهو ما يتطلّب إعادة النظر فيه وإيجاد البديل. وأكّد انّ التلاقي مع رئيس الجمهورية بخصوص دعوته اليوم في خطاب ذكرى الإستقلال إلى تكوين لجنة للنظر في إمكانية تعديل القانون الانتخابي والتقارب معه كان دون تحضير، موضّحا في الآن نفسه أن لرئيس الدولة تحليله الخاص في المسألة وأنهم سيتحملون كباحثين وجامعيين مسؤولية نتائج العمل البحثي الأكاديمي في الغرض، وفق تعبيره. وكان رئيس الجمهورية، الباجي قايد السبسي أكّد يوم الثلاثاء الماضي، في خطاب ألقاه بقصر قرطاج، بمناسبة إحياء الذكرى 62 لذكرى الاستقلال، أنه لن يقوم بأية مبادرة لتغيير الدستور رغم نقائصه وهناته . وشدّد على وجوب احترام دستور جانفي 2014 الذي انتخب على أساسه، مبينا أن هذا الدستور يعد كسبا كبيرا لتونس يجب احترامه، لاسيما وأن الهيئات الدستورية التي نص عليها لم تستكمل بعد وفي مقدمتها المحكمة الدستورية. وبخصوص المقترحات المتعلقة بإعادة النظر في القانون الانتخابي الحالي قال رئيس الجمهورية إنه يوافق المنادين بتغييره، لأنه أمر مرغوب فيه ويجب المضي في تغييره قبل الانتخابات المقبلة مهما كانت الانتقادات، مقترحا في هذا الصدد إحداث فريق مصغر صلب لجنة وثيقة قرطاج للنظر في هذا القانون.