تعيش السّاحة السياسية التونسية و قبيل أسابيع من الاستحقاق البلدي، على وقع فوضى العبارات وتردّي لغوي ملحوظ انخرطت فيه النخبة السياسية فتسمّمت الأجواء بانتهاج النخبة السياسية مُعجما حربيّا يُذكّر بخطابات الحروب الضروس وإكتسح القذف والشتائم المتبادلة عناوين الصحف والمواقع الإفتراضية والتدوينات ومواقع التواصل الإجتماعي. كما أدّت هذه العطالة لدى النخبة السياسية بجانبيها المعارض والممثل للحكومة، إلى انتشار عبارات الكراهية والألفاظ السوقية والإشاعات والإتهامات دون أدلة في صفوف الجميع، في الوقت الذي يفترض فيه أن تتّجه النخب السياسيّة في البلاد . و تصاعدتْ وتيرةُ الخلافات في الآونة الأخيرة ، و اتّخذ الصّراع بين السياسيين نسقا مرتفعا وصفه بعض المراقبين بمتلازمة "الحسابات الانتخابية" ، فلا يمرّ أسبوع دون ان تفجر الوسائل الاعلامية فضيحة لذلك السياسي أو ردّا مضادا على تصريح معين . في هذا الصدد ، دعا المعهد العربي لحقوق الإنسان في بيان له ، إلى إيقاف الموجة الخطيرة من الانزلاق في العنف وهتك الأعراض والتشهير بالمنافسين أو المعارضين، وذلك على خلفية ما شهده النقاش خلال الفترة الأخيرة، حول مآل مسار العدالة الانتقالية وهيئة الحقيقة والكرامة، من تصاعد للخلافات والصراعات التي تحولت بسرعة إلى خطابات تحريضية وحاملة للكراهية والعنف المعنوي وحتى المادي. كما أكد المعهد على ضرورة إعلاء المصلحة الفضلى للمواطنين من خلال المحافظة على العدالة الانتقالية واستكمالها، والبدء فورا في إنشاء المؤسسات الدستورية وتركيزها وإعطائها أدوات العمل اللازمة، مشددا على ضرورة انصراف الجميع في كل مفاصل المجتمع وعلى كل مستويات صنع القرار إلى إقامة دولة القانون والشروع العملي في الإصلاحات العميقة في مجالات حيوية كالتعليم والصحة والقضاء والتشغيل. ولاحظ أن تصاعد خطاب العنف والسلوك العدواني ليس أبدا نتيجة أخطاء فردية معزولة، وإنما هو دليل على وجود أزمة حقيقية وعميقة في التعليم والتربية والثقافة، وهو نتيجة حتمية للتعطيل اللاواعي أو المقصود لمسار الإصلاح والانتقال السلس والتلقائي نحو الاستقرار الديمقراطي وإرساء المؤسسات القانونية التي تستمد منها دولة القانون وجودها وتوازنها. وبين أن استبطان سلوكات وممارسات معادية لمفهوم دولة القانون والمؤسسات التي تسعى تونس لتركيزها وتدعيم وجودها خلال فترة الانتقال الديمقراطي، هي ممارسات معادية في الوقت ذاته لفكرة وحدة الوطن وقيم التعايش السلمي والتسامح. ويرجع مختصون ذلك الى "رداءة اللغة السياسية وضعف التواصل السياسي عند البعض، وتراجع النخب المنتجة للأفكار داخل الأحزاب"، فضلا عن "ضعف التكوين السياسي"، و"عدم التجديد في أدبيات الحوارات السياسية"، إضافة إلى "عدم التشبع بثقافة ومنهجية مجتمعات المعرفة والإعلام"، و"استمرار بعض القيادات المعاقة فكريا وثقافيا وتواصليا على رأس بعض الأحزاب". وإن الباحث في أسباب تردّي لغة الحوار السياسي في تونس ليتبيّن أسبابا عديدة من أهمها تمسّك السياسي التونسي غالبا بصحة ورجاحة ما ذهب إليه واعتماده خطابا إقصائيا لا يرى من خلاله إلا نصف الحقيقة فالآخر هو العدو وأطروحته مرفوضة حتى قبل تبيّنها وهي للأمانة عادة عربية قلّما حاد عنها رجل السياسة العربي.