-ريحان البعزاوي- لا يزال الجدل متواصلا حول مسألة التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة من عدمها، والتي أعلن البرلمان إنهاء ولايتها في موفى ماي القادم دون التمديد لها بسنة إضافية ، على الرغم من الانتقادات التي طالته والاتهامات الموجهة اليها بعدم شرعية جلسة التصويت تحت قبة البرلمان . ويعد قرار البرلمان ، ممثلا في شخص رئيسه محمد الناصر وعددا من نواب كتلتي نداء تونس والحرة الذين صوتوا على عدم التمديد للهيئة، بمثابة الضربة القاصمة لعملية الانتقال الديمقراطي في البلاد، على حد تعبير مراسل صحيفة لاكروا الفرنسية، تييري برازيون، في تقرير اطلعت عليه الشاهد ونقلته إلى اللغة العربية، وفيما يلي نصه: " بعد يومين من المناقشات المحتدمة، رفض مجلس نواب الشعب تمديد ولاية هيئة الحقيقة والكرامة لمدة سبعة أشهر إضافية، ابتداء من أواخر ماي إلى 31 ديسمبر، كما كان مقررا في 27 فيفري المنقضي. وقد أصبحت هيئة الحقيقة والكرامة التي تشكلت في جوان 2014 حلقة وصل حاسمة في عملية التحول الديمقراطي في تونس. ولكنها حلقة مثيرة للجدل. فالهيئة التي تتمثل مهمتها الرئيسية في الإشراف على مسار العدالة الانتقالية، وتتولى كشف الحقيقة وإماطة اللثام عن مختلف الانتهاكات ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها وردّ الاعتبار للضحايا لتحقيق المصالحة الوطنية وذلك في الفترة الممتدة بين عامي 1955 و 2013 – سنة التصويت على القانون الذي أنشأته – وإحالة أهم الملفات إلى العدالة، و كان أمامها أربع سنوات فقط للتحقيق في ماضي الديكتاتورية. ومن بين أمور أخرى، كانت مسؤولة عن اقتراح آليات جبر الضرر الذي ارتكب ضد الضحايا، والتوصية باتخاذ إصلاحات مؤسساتية لمنع عودة الديكتاتورية، واقتراح سياسة تذكارية، وتسليط الضوء على الجرائم الاقتصادية، وتأطير عمليات التحكيم بين الدولة ورجال الأعمال الفاسدين … الكثير من الملفات الساخنة تتصدر قائمة أعمال الهيئة، في حين أن المسؤولين الذين عملوا تحت رئاسة زين العابدين بن علي (1987-2011) لا يزالون على مقربة من السلطة. ومن أجل إنجاز هذه المهمة، كانت هيئة الحقيقة والكرامة تعوّل على سبعة أشهر إضافية، والتي تم رفضها للتو في حالة ارتباك قانوني تام. وفي الواقع، في حين أنه بالنسبة إلى الهيئة، القانون لا يشترط عليها الحصول على موافقة البرلمانيين، إلا أن رئيس المجلس، محمد الناصر، طرح الموضوع للنقاش، يوم السبت. ويوم الاثنين، انتهت هذه المناقشة بتصويت – 65 صوتًا ضد وامتناع عضوين عن التصويت – وبالتالي الطعن في شرعيته، نظرا لعدم الوصول إلى اكتمال النصاب القانوني البالغ 73 صوتًا. وفي هذا الخصوص، قالت سهام بن سدرين، رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة: "لقد قرروا الانتقال إلى القوة"، في إشارة إلى نواب المجلس. وبعد ظهر البارحة، لم تذكر الهيئة ما إذا كانت ستلتزم بالقرار أم ستحاول تجاوزه. وعلى أي حال، هذا هو الفصل الأخير من معركة طويلة. وفي الواقع، لم يُخفِ رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، وحزبه، نداء تونس، أبدًا عداءهم للهيئة. "أنا ضد (تسوية) حسابات الماضي. وأعتقد أن تونس بحاجة إلى المضي قدمًا"، هذا ما صرح به الباجي قائد السبسي خلال حملته الانتخابية في عام 2014. وكانت أول مبادرة تشريعية له، في جويلية 2015، هي سحب اختصاصات هيئة الحقيقة والكرامة في الشؤون الاقتصادية، وإرجائها إلى قانون "المصالحة" الذي يقتصر على الموظفين العموميين، والذي صدر في أكتوبر الماضي. ويقول أعضاء الهيئة أن الدولة لم تتعاون معهم، حيث لم يتم بعد تشكيل الدوائر المكلفة بمقاضاة المسؤولين عن حملات القمع، ولم تقم وزارة الداخلية بتسليم أرشفتها، ولم يتصرف المسؤول القانوني في الدولة في جميع طلبات التحكيم تقريبًا في قضايا الفساد … أما فيما يتعلق بصندوق التعويضات للضحايا، الذي تم إنشاؤه في فيفري الماضي، فستمنحه الدولة 10 ملايين دينار فقط (3.3 مليون يورو). لقد شهدت هيئة الحقيقة والكرامة تباطؤا كبيرًا بسبب التوترات الداخلية القوية التي أضعفتها بالفعل الظروف السياسية العدائية. وقد استقال ستة من أعضائها الخمسة عشر للطعن في إدارة سهام بن سدرين – التي تركز عليها الكثير من النقد – أو تم رفضهم. غير أنه في غضون أربع سنوات، تلقت الهيئة 63000 ملفًّا، وقدم 49000 شخص شهادة على ما عانوه في جلسات الاستماع الخاصة. وخلال جلسات الاستماع العلنية هذه المرة، وابتداء من نوفمبر 2017، تمكن التونسيون من سماع قصص محزنة لضحايا مختلف أحداث القمع. ومع ذلك، فإن مشاعر العطف التي أثارتها لم تكن كافية لعكس توازن القوى. وحتى اليوم، لم يتم إرسال سوى ملف واحد إلى العدالة في الشهر الماضي. وقالت سهام بن سدرين: "لأنهم يخافون من العدالة، يريد خصومنا الانتهاء منها في أقرب وقت ممكن مع هيئة الحقيقة والكرامة". وعلى الرغم من عدم الرغبة في تنفيذ توصيات الهيئة أو تقدير ذكرى الضحايا، فإن المعارضين للهيئة حريصون، من ناحية أخرى، على تحقيق المصالحة دون عدالة لتونس.