تنتظر تونس منذ أكثر من سنتين تفعيل إصلاحات كبرى وصفتها الحكومات المتعاقبة بعد إنتخابات نهاية سنة 2014 بالمؤلمة غير أنه لم يقع الشروع بعد في إنجازها على الواقع رغم تناولها بالنقاش في أكثر من مناسبة ضمن إطار الإئتلاف الحكومي نفسه أو حتى ضمن مبادرة وثيقة قرطاج التي أطلقها رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي قبل نحو سنة، إصلاحات تستوجب على حدّ كثير من المتابعين حزاما سياسيا وشعبيا كبيرا حول الحكومة والإئتلاف الحكومي ومصارحة من طرف الحكومة نفسها للتونسيين بطبيعة العقبات التي تواجه البلاد في السنوات الأخيرة وحتى القريبة القادمة حتى يكون الجميع على نفس المسافة من تحمل المسؤولية المشتركة. إلى جانب التصريحات أحدثت في رئاسة الحكومة خطّة وزير مكلّف بالإصلاحات الكبرى التي تم الإعلان منذ الصائفة الفارطة عن فتح نقاش بين مختلف الفاعلين والشركاء في "وثيقة قرطاج" لوضع أبرز ملامحها غير أنه لم يتم تشكيل اللجنة المكلفة بمتابعة ذلك حتّى الإعلان عنها قبل أسابيع إثر إجتماع دعا لهرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في قصر قرطاج وعاد على إثره الجدل والحديث الكثير بشأن طبيعة هذه الإصلاحات والغايات من وراءه وحتّى سبل وآليات متابعتها وتقييمها في ظرف حساس سياسيّا مع بداية بروز أزمة حادّة بين رئاسة الحكومة والإتحاد العام التونسي للشغل. رئاسة الحكومة التونسيّة عقدت أخيرا وبعد أشهر من الإنتظار ندوة كبرى حول الإصلاحات الكبرى قاطعها الإتحاد العام التونسي للشغل في حركة يقول كثيرون أنها تؤكّد الأزمة الحادة بين الطرفين وذهب البعض حدّ القول بفشل هذه الإصلاحات بسبب مقاطعة الإتحاد أمّا آخرون فقد أعادوا إلى الواجهة موضوع خوصصة المنشآت العمومية ضمن هذه الإصلاحات وهوما تحدّثت عنه بعض القيادات النقابية نفسها في وقت بدا فيه الموقفمن الحكومة مطالبة واضحة برحيل رئيسها وبعض أعضائها على حدّ تصريح نور الدين الطبوبي الأمين العام لإتحاد الشغل الذي كان قبل أسابيع فقط مصرّا على الإستمرارية وحساسية الظرف الذي لا يحتمل تحويرا وزاريا. تغيّر موقف إتحاد الشغل وحدّته تجاه الحكومة ورئيسها يوسف الشاهد ألقى بظلاله على الندوة الوطنية للإصلاحات الكبرى فقد انتقد الوزير المكلف بالإصلاحات الكبرى توفيق الراجحي، مقاطعة الاتحاد العام التونسي للشغل للندوة الملتئمة الأربعاء حول الإصلاحات الكبرى، قائلا إنّ الاتّحاد "فوّت على نفسه فرصة ثمينة للحوار مع الآخرين". وأوضح الراجحي أنّ الهدف من عقد الندوة المذكورة هو تشريك كل الفاعلين والمتدخلين من أحزاب ومنظمات، وذلك بهدف الخروج بمناقشة الإصلاحات والملفات الحقيقية والهامة للعلن بدل مناقشتها في المكاتب المغلقة، وفق ما ذهب إليه. واعتبر الوزير أنّ الحكومة لم تختر قضية التفويت في المؤسّسات العمومية أو خوصصتها بل الديون الكبيرة للعديد من المؤسسات العمومية اضطرت إلى تنفيذ "إصلاحات موجعة اختارت الحكومة ولكنها لم تخترها"، على حدّ تعبيره. كما أكّد الراجحي أنّ الندوة ركّزت على مواصلة النقاش بشأن الحوكمة وهيكلة المؤسسات العمومية وتشخيصها حالة بحالة، ثم الأخذ باستنتاجات الخبراء التي ستفضي إلى خيارات عديدة من بينها البحث عن شريك استراتيجي للمؤسسات العاجزة أو خوصصتها أو إعادة هيكلتها ماليا. رئيس الحكومة يوسف الشاهد لم يفوّت فرصة إشرافه على إفتتاح ندوة الإصلاحات الكبرى ليعلّق على بعض نقاط الإستفهام في رسالة مضمونة الوصول إلى القيادة النقابية معلنا إصرار حكومته على تنفيذ الإصلاحات وعدم خضوعها لأي إملاءات من أي طرف كان في ذات الوقت الذي شدّد فيه أنه ليس للحكومة مشروع إيديولوجي قائم على هذا الأساس، قائلا: "لا التعليم ولا الصحة ولا الشركة التونسية للكهرباء والغاز ولا الشركة التونسية للإستغلال وتوزيع المياه سيتم خوصصتها.. ونحن حريصون على المرفق العمومي في الديمقراطية الإجتماعية.. ولابد من التفرقة بين المؤسسات العمومية في القطاعات التنافسية وبين تلك المصنفة ضمن المرافق العمومية.. وحتى المؤسسات العمومية في القطاعات التنافسية وبرنامجنا في إصلاح المؤسسات العمومية يقوم على رؤية كاملة تضمن حقوق العمال والموظفين وتحافظ على مردودية مالية إيجابية لفائدة المجموعة الوطنية".