بعد تأجيل لمدة سنتين تقدّم التونسيّون بدءا من صبيحة اليوم الأحد 6 ماي لأوّل إنتخابات بلديّة بعد الثورة في ظل دستور جديد للبلاد ينص بشكل واضح على تركيز الديمقراطية المحلية وعلى اللامركزيّة وعلى وجه الخصوص يضع قواعد واضحة لإنتخابات حرة ونزيهة وشفافة. على الساعة السادسة مساء اليوم الأحد أغلقت مكاتب الإقتراع أبوابها طبقا للقانون وبدأت بشكل رسمي عمليّة الفرز اليدوي للأصوات بعد يوم إمتزجت فيه المشاعر بين الفرحة بإنجاز إنتخابات ديمقراطية ونزيهة هي الرابعة في تونس بعد الثورة وبين نوع من التوتر بسبب كثرة الإشاعات وتضخيم بعض الحوادث التي تزامنت مع العملية الإنتخابية إضافة إلى التخوّفات التي رافقت ضعف نسب الإقتبال على مراكز الإقتراع. كلّ المؤشّرات الأوليّة الواردة طبقا لإستطلاعات الرأي بعد مغادرة الناخبين مع كثير من التوقّعات تتحدّث عن فوز واضح للحزبين الأكبر في البلاد وهما حزبا حركة النهضة وحركة نداء تونس وهما عمودا التوافق الذي أمكن بموجبه وصول تونس إلى تنظيم إنتخابات تعددية ونزيهة وشفافة على عكس بقيّة تجارب الإنتقال الديمقراطي في الوطن العربي. تصدّر حزبا حركة النهضة وحركة نداء تونس، الحزبان الوحيدان الذان تمكّنا من الترشح في كلّ الدوائر البلديّة بالبلاد، للنتائج إنتصار آخر للتوافق كأداة وإستراتيجيّة تم إنتهاجها منذ سنة 2014 لإدارة الشأن العام بعيدا عن منطق الغلبة وهو إنتصار أيضا للحوار كأداة لإدارة الإختلاف بين مختلف الفاعلين. إنتصار التوافق كركيزة أساسية للحفاظ على النموذج والتجربة التونسية في الإنتقال الديمقراطي لا يتعلّق فحسب بفوز الحزبين الكبيرين بالإنتخابات بل يتعلّق أيضا بنقل الأداة نفسها وهو التوافق إلى مستوى محلّي يمكّن من توفير الدعم والسند للمجلس البلدية المنتخبة كأهمّ مقوم من مقومات نجاعة عملها. لا يتعلّق الأمر بأن يتصدّر النداء النتائج أو أن تتصدرها حركة النهضة بل بوجود إلتفاف تونسي واضح حول توجه التعايش وإدارة الإختلاف بالحوار بعيدا عن التنافي والإقصاء فالغاية من الإنتخابات هو تنزيل الباب السابع من الدستور أي وضع لبنة أخرى من لبنات البناء الديمقراطي في البلاد. ظاهر إنتصار التوافق ممثلا في الحزبين الأكبر في المشهد لا يمثّل فحسب رسالة إلى الداخل مفادها قدرة التونسيين ونخبهم السياسيّة على إدارة إختلافاتها بالديمقراطية والحوار، أمّا باطنه فرسالة إلى العالم مفادها أن التعايش وإدارة التعددية والإختلاف تمثّل العمود الفقري لتجربة تونسيّة ناشئة كذّبت كلّ التوقّعات وتحطّمت على عتباتها جلّ إستراتيجيات الجذب إلى الخلف.