جاء في تقرير نشره مركز العربي للأبحاث والدراسات السياسات (غير حكومي مقره الدوحة)، و تحت عنوان "نتائج الانتخابات البلدية و تداعياتها: ، أنّه خلافا للاستحقاقات الانتخابية السابقة، سجلت القوائم المستقلة حضورًا لافتًا في الانتخابات البلدية الأخيرة، وبلغ عددها 860 قائمة، توزعت على مختلف البلديات. و اشار التقرير إلى أن حضور القوائم المستقلة بهذه الكثافة أثار جدلًا بشأن هويتها السياسية وأدوارها. وتصاعد الجدل إثر إعلان النتائج، ذلك أن هذه القوائم حصلت على 32.27% من عدد الأصوات المصرّح بها، بحسب النتائج الأولية التي أعلنتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، لتتصدّر المشهد، متفوقةً، على حركة النهضة، غير أنها حصلت على الترتيب الثاني، من حيث عدد المقاعد (1001 مقعد للمستقلين مقابل 1101 مقعد للنهضة). و بحسب ذات التقرير ، فإنّ الجدل الذي أثارته القوائم المستقلة، خصوصًا، بشأن هويتها السياسية، ومدى دقة الحديث عن احتلالها المرتبة الأولى، فالقوائم المستقلة تفتقر إلى أي هوية سياسية معلنة، مع أن بعضها محسوبٌ على أطرافٍ بعينها، كما أنها تفتقر إلى رابط سياسي أو مشروعي أو برامجي، يجمع بينها داخل البلدية نفسها أو من بلدية إلى أخرى، عكس الأحزاب. أضف إلى ذلك تعدّدها داخل الدائرة الانتخابية نفسها، على خلاف الأحزاب التي لا يُسمح لها بترشيح أكثر من قائمة واحدة في كل دائرة. كل هذه العوامل الموضوعية تجعل وضع القوائم المستقلة في موضع مقابلة ومقارنة بالقوائم الحزبية ضربًا من التعسف، منهجيًا وسياسيًا. و أكد المركز العربي للأبحاث و الدراسات السياسية ، أن التوزيع الجغرافي للمقاعد التي فازت بها القوائم المستقلة من بلدية إلى أخرى تتابين، ففي حين كان نصيبها معتبرًا في بعض أحياء العاصمة وولايات الساحل (سوسة، والمنستير، والمهدية)، ظل التصويت في الجنوب وبعض ولايات الوسط والشمال حزبيًا، بالأساس، ولم تغنم القوائم المستقلة إلا النزر القليل. التقرير لفت أيضا ، إلى أنه باستثناء بعض البلديات، من غير المتوقع أن يكون للفائزين بمقاعد القوائم المستقلة أدوار ومسؤوليات متقدمة في المجالس البلدية المقبلة؛ إذ ينتظر أن يتحالف بعضها مع الفائزين من القوائم الحزبية، خصوصا أن الهوية السياسية لبعض القوائم المستقلة محسوبة، بدرجات، على أطراف سياسية اضطرت إلى الترشّح تحت عنوان الاستقلالية، لعدم تمكّنها من الإيفاء بشروط الترشح في القوائم الحزبية، وخصوصا شرطي التناصف الأفقي والتناصف العمومي (التناصف بين الرجال والنساء داخل القوائم الواحدة، والتناصف في رئاسة القوائم داخل الولاية). ومن المستبعد جدًّا أن يصل المستقلون إلى أي شكل من أشكال التنظيم والترابط الذي يؤهلهم للتحول إلى قوة ضغط وتعديل وازنة. و اشار مركز البحوث و الدراسات السياسية في ختام تقريره، إلى أنه بالرغم من الرفض الإقليمي المعلن، فإن إنجاز الانتخابات، في حد ذاته، يعدّ مكسبًا ومراكمة ل "التحوّل الديمقراطي" الذي حافظ على شكلياته الدنيا في تونس، على خلاف دول الربيع العربي الأخرى، غير أن الموضوعية تقتضي، أيضًا، الإقرار بأن التجربة في مراحلها الأولى، وأن الأطراف الإقليمية المنخرطة في إجهاض استحقاقات الثورات العربية لن تسلّم، بسهولة، بتبلور تجربة، قائمة على إدارة التناقضات بأدوات سياسية، تغري الآخرين بالنسج على منوالها.