ما انفكّ ملفّ الثروات الطبيعية والباطنية التي تحوزها تونس يتصدّر الواجهة ويشغل الرأي العام ، في ظلّ ما يعتبره مراقبون تغوّل الشركات الأجنبية وسيطرتها على القطاع وتسلّطها على نصيب الأسد من ثروات تونس، الأمر الذي دفع منظمات وجمعيات إلى المطالبة باستمرار بضرورة مراجعة الاتفاقيات التي وقعهتها الدولة منذ عقودٍ خلت وورطّت في تبِعاتها أجيالا.. ولعلّ ملف ثروة الملح يعدّ من أبرز الملفات التي أسالت الكثير من الحبر وأججت الرأي العام، في ظلّ استغلال شركات فرنسية للثورة التونسية بناء على اتفاقيات تعود إلى عام 1947. وعاد ملف ثروة الملح في تونس إلى تصدّر الواجهة من جديد بعد أن توجهت لجنة الصناعة والطاقة والثروات الطبيعية في البرلمان، بطلب إلى مسؤولي وزارة الطاقة والمناجم للمثول أمام البرلمان، الإثنين، لمساءلتهم حول ما تحقق في خطة مراجعة اتفاقيات الاستغلال الفرنسي لثروة الملح التونسية. و يتمسك البرلمان بفتح هذا الملف بهدف دفع الحكومة إلى إلغاء ومراجعة عقود الاستغلال المعمول بها حالياً والتي يعود جزء منها إلى ما قبل 69 عاماً. وفي خضمّ هذا الشأن، أكد عضو مجلس نواب الشعب غازي الشواشي أن أعضاء البرلمان سيطالبون الحكومة بتقديم إيضاحات حول خطتها لمراجعة اتفاقيات استغلال شركة "كوتوزال" الفرنسية لثروات الملح التونسي في كل من حقلي "طينة " و"الساحلين" . وأضاف الشواشي، في تصريح للعربي الجديد، أن الحملة التي أطلقها حزبه تحت شعار "حلّ الدوسي" هدفها دفع الحكومة إلى اتخاذ قرارات سريعة بشأن مراجعة عقود الطاقة ومن بينها الملح، مؤكدا على أن عقودا قديمة لم يجر مراجعتها تفوّت على الدولة عائدات مهمة، بينما تحقق الشركات المستغلة أرباحاً كبيرة على حساب قوت التونسيين وحقهم الدستوري في ثرواتهم الطبيعية. وأضاف أن الدستور يمنح البرلمان الحق الرقابي لتصرف الدولة في الثروات الطبيعية، مشيرا إلى أن الأحزاب المنشغلة بهذا الملف قد تلجأ إلى المحاكم لمقاضاة مسؤولي الدولة من أجل المساهمة في تبديد الثروات، إذا لم يتم مراجعة عدة عقود ومن بينها عقود الملح في الآجال القانونية. وقال إن الإشكالية لا تتعلق باستغلال الشركة الفرنسية للملح التونسي، بل ببنود العقد المبرم الذي يمكن الشركة من الحصول على الملح التونسي بأسعار رمزية، بينما يتم بيعه من قبل الشركة بالأسعار العالمية. يشار إلى أن عددا من المنظمات ما فتئت تضغط على الدولة والبرلمان من أجل مراجعة اتفاقية استغلال الملاحات، وتتهم الحكومات المتعاقبة، ب"التواطؤ" مع الشركات الأجنبية، على غرار المنظمة التونسية للدفاع عن الحق في السكن اللائق وحق الإنسان في العيش الكريم، التي رفعت دعوى قضائية لدى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ، في ديسمبر 2017 ، بهدف مقاضاة الدولة الفرنسية لاستغلالها الثروات التونسية بموجب قوانين أبرمت في عهد الحماية. وأكد رئيس المنظمة محمد منصف العلوي أنه "عملا بالمادة 47 من النظام الداخلي للمحكمة الفرنسية، ووفقا لمبادئ القانون الدولي المعترف بها عموما، فإن حق الشعوب في استغلال الثروات والموارد الطبيعية متأصّل في السيادة والحق في الكرامة والعدالة الاجتماعية وحق الشعوب في تقرير المصير". ولفت العلوي إلى أن المبادرة تنبع من أهمية نفض الغبار عن هذه القضيّة التي تصرّ الحكومات منذ الاستقلال على بقائها من المواضيع المحظورة، ووقف إهدار الثروات الطبيعية التونسية. وتتطلع تونس مع بداية العام إلى مضاعفة صادراتها من الملح، مستغلة طلبا أوروبيا متزايدا على هذه المادة، تزامنا مع موجة الثلوج والصقيع التي تجتاح عددا من دول المتوسط. و تمكنت تونس ، خلال الشهر الأخير من سنة 2017، من مضاعفة صادرات الملح بأكثر من 100% مقارنة بالفترة ذاتها من السنة السابقة، لتبلغ الكميات المصدرة من "ميناء جرجيس" جنوب شرقي البلاد 84367 طنا، مع توقعات بارتفاع هذه الكمية بنحو 115 ألف طن في فيفري الجاري. وقد حفّز ارتفاع الطلب الأوروبي على الملح الغذائي وملح البحر، الشركات على التصدير بعد تضاؤل رغبتها في ذلك على مدى أكثر من 5 أعوام شهدت خلالها اتفاقيات إنتاج الملح وتصديره العديد من المراجعات، بعد دعاوى برلمانية لإعادة النظر في كيفية استغلال الشركات الأجنبية هذه الثروة. و يعدّ الملح التونسي من أجود الأملاح الطبيعية في العالم، ويتم تصديره خاما إلى فرنسا لتكريره وتسويقه في العديد من البلدان الأوروبية والآسيوية.