دعا أمس نواب المجلس الوطني التأسيسي خلال الجلسة العامة التي ترأستها محرزية العبيدي النائب الأول لرئيس المجلس وزير الصناعة والطاقة والمناجم كمال بن ناصر الى ضرورة مراجعة عقود الصفقات وفتح ملفات الفساد التي تنخر القطاع حسب رأي البعض منهم، وذلك مباشرة اثر تقديم الوزير عرضا شخّص فيه واقع قطاع الطاقة والمناجم، مع استعراض لللاجراءات والخطط التي ستتوخاها الوزارة مستقبلا على المدى المتوسط والبعيد. وكان الوزيرقد بيّن في مستهل الجلسة العامة أنّ الدعم في مجال الطاقة تضاعف سنة 2013 سبع مرّات مقارنة بسنة 2010، مؤكّدا أنّ شركة الكهرباء والغاز توفر الكهرباء للمواطن بنصف التكلفة الجملية للإنتاج فيما تتكفل الدولة بالنصف الثاني عبر اطار الدعم، ملاحظا أنّ قيمة الدعم في مجال الطاقة بلغت سنة 2013 حوالي 3734 مليار، وأنّ الاستثمارات في ميدان الطاقة بلغت 16.4٪ من جلّ الاستثمارات الوطنية بين سنتي 2010 و2011، ومقدّرا إنتاج المحروقات في حدود 7 ملايين طن في السنة، موضحا في الخصوص أنّ مدخرات النفط بصدد التناقص، وأنّ ذلك يستوجب التكثيف من عمليات التنقيب والبحث رغم ارتفاع تكاليفها المالية، مرجحا أن تكون نسبة احتياط البلاد من الغاز قائمة الى غاية ال20 سنة القادمة، مشيرا الى انه اذا استمرّ الحال على حاله حتّى حدود سنة 2030 ولم تتدخل الدولة سيكون هناك نقص رهيب سيرغم البلاد إلى اللجوء الى استيراد الغاز بنسبة 100٪. مراجعة العقود ودعم المحروقات وقد عابت أبرز ردود فعل النوّاب على وزارة الصناعة تعاطيها الضبابي مع ملف الطاقة المثير للجدل في الآونة الأخيرة، بعد أن رأى بعضهم أنّ هناك حجبا للعديد من الحقائق في الفساد والمحسوبية والاستحواذ على الثروات الوطنية التي أكّد الدستور التونسي الجديد أنّها على ملك الشعب طبقا للفصل 13 منه، حيث أكّد النائب محمد الطاهر الإلاهي أمين عام حركة التونسي أنّ ملف الطاقة سبّب حالة احتقان وتساؤل في صفوف أبناء الشعب خاصة أنّ البلاد حسب قوله تزخر بالمخزون الطبيعي الذي اكتشفته الشركة الفرنسية «بي آرجي آم» عبر مسح كامل للتراب التونسي وحدّدت للدولة التونسية المواقع الاسترتيجية للطاقة مثل جهة تطاوين وزعفران وجانب من الجرف القارّي، وليتضح بعد الثورة اسناد عقود دون احترام المعايير الدولية الى شركات أجنبية وبنسبة أرباح بسيطة الى الدولة، مطالبا بإعادة النظر في الاتفاقيات بالاعتماد على مناقصات إعلامية شفّافة، ومتسائلا عن حقيقة تعطّل معمل الاسمنت بالمزونة ومتى سيقع تزويد منطقة سيدي بوزيد بشبكة الغاز الطبيعي. من جهته تساءل النائب فتحي لطيف عن «الجبهة الشعبية» عن جدوى اعطاء المشاريع للشركات الأجنبية دون استراتيجية واضحة للدولة في استكشاف واستغلال الطاقة، مؤكّدا أنّ القطاع الخاص لا يهمه الاّ الربح السريع على حساب الأجيال القادمة، وهو تقريبا موقف لم يبتعد كثيرا عن وجهة نظر النائب محمد علي نصري عن حركة «نداء تونس» والنائبة لبنى الجريبي عن «التكتل الديمقراطي»، حيث انتقد الأول حجم الأرقام الرسمية في مجال الطاقة التي لم ير المواطن الفقير منها على حدّ قوله شيئا يذكر، بينما دعت لبنى الجريبي إلى ضرورة أن تكون العقود مع الشركات الناشطة في مجال الطاقة والمحروقات شفّافة، متسائلة عن الأسباب التي تدفع الشركات إلى شراء وحدة البترول بنفس الثمن الذي يشتريه المواطن العادي، وداعية في الشأن ذاته الى ضرورة مراجعة دعم المحروقات وتطبيق سياسة انتقائية للدعم في اطار ترشيد استهلاك هذا القطاع. ملفات فساد من جانب آخر، وقف النائب أزاد بادي رئيس كتلة «وفاء» خلال مداخلته عن حجم الفساد الذي ينخر قطاع الطاقة والمحروقات حسب افادته، حيث تساءل عن سبب إعفاء أصحاب رخص الاستكشاف من كلّ الضرائب والمعاليم، مؤكّدا أنّ هناك خروقات وتجاوزات وسرقة ولوبيات ومليارات، وأنّ القطاع مثّل أرض خصبة لنهب ثروة الشعب تواصل بعد الثورة نتيجة الصمت والتكتم في اطار تقاطع المصالح، ذكر منها بالخصوص الخروقات في رخصة البحث ببرج الخضراء الجنوبي في شركة «فواياجور كوربورايشن»، والخروقات في رخصة البحث أميلكار، والامتيازات المسندة لشركة «بريتش غاز تونس»، وخرق قانون الصفقات العمومية ومجلة المحروقات عبر امضاء وزير الصناعة على الملحق عدد 5 للاتفاقية النفطية الممنوحة لشركة «بريتش غاز» في رخصة أميلكار المبرمة سنة 1988، وملف الفساد الخاص بشركة «وين ستار» التي تتمتع حسب قوله بخمسة امتيازات 4 منها تمتلكها بنسبة 100٪، وملفات الفساد الخاصة بالشركة التونسية للنفط «سي آ فتي بي» والشركة التونسية للأنشطة البترولية. ورخصة الملح الممنوحة لشركة «كوتيراد» الفرنسية منذ سنة 1948، والفساد في منح امتياز استغلال صفقة «بار روسورس» ، معربا في ذات الشأن أنّ القائمة طويلة، ومتسائلا متى تتوفر الإرادة الجادة والنوايا الصادقة لفتح كامل ملفات الفساد في الطاقة وجعل الثروات الطبيعية ملكا حقيقيا للشعب التونسي لا ملكا لمافيات وعصابات تمتص دماء الشعب وماتزال على حدّ قوله، مقترحا في هذا الصدد مراجعة كلّ الصفقات المبرمة في الطاقة والمناجم عبر إحداث لجنة فنية ينتخب أعضاؤها من قبل المجلس التأسيسي وتتكوّن من نوّاب وخبراء وممثلين للحكومة وللوزارات المعنية، وذلك حتى يمكن المساهمة في وقف ما وصفه بالنزيف وإعادة الحقوق لأصحابها والثروات للشعب التونسي.