علّق رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي حوارات قرطاج المنعقدة منذ أسابيع في جولات ماراطونية جمعت أغلب وأبرز الفاعلين السياسيين والإجتماعيين بشأن مضامين ل"وثيقة قرطاج 2″ التي ترفع في ظاهرها شعار البحث عن الإستقرار وتوفير النجاعة المطلوبة وخاصة المناخات الملاءمة لإستكمال الإصلاحات الكبرى وهدفها حلحلة الأزمة الإقتصادية والإجتماعية بعد توفير الإستقرار الأمنيوالسياسي. كشفت الجولات الأخيرة للمفاوضات في قرطاج وإلى حدود ما بعد تعليقها أن الأهداف من "وثيقة قرطاج 2" ومواقف بعض المشاركين في جلسات الحوار متناقضة إلى حدّ بعيد خاصة في علاقة بشروط الإستقرار ونجاعة الإصلاحات عندما برزت إلى السطح الحسابات والمصالح ليضيع بين زواياها المتابعون للحوار أوّل والهدف من الحوار ثانيا. بعد يومين من تعليق الحوار خرج رئيس الحكومة يوسف الشاهد في كلمة موجّهة إلى الشعب التونسي بشكل ومضمون أثار جدلا واسعا على شبكات التواصل الإجتماعي وعلى المنصات الإعلاميّة في الوقت الذي ينتظر فيه أن تصدر الهيئة السياسية لنداء تونس موقفا هذه الليلة، وإلى ذلك وبعد إتيانه على خطورة تسرّب أزمة نداء تونس إلى مفاصل الدولة وإنعكاسات عدم إستقرار الحزب على العمل الحكومي وضع الشاهد أفقا جديدا للحوار كانت ملامحه متطابقة بشكل كبير مع نفس الأفق الذي طرحته وتطرحه حركة النهضة وعدد من الفاعلين الإجتماعيين والسياسيين. تعديل حكومي يأتي بناءا على تقييم علمي وموضوع للآداء لضخّ دماء جديد للفريق الحكومي يليه إنطلاق في إنجاز جملة من الإصلاحات العاجلة في علاقة مباشرة بأزمة الصناديق الإجتماعية وأزمة المؤسسات العمومية وكذلك كتل الأجور، هذا بالضبط ما كانت تطرحه حركة النهضة منذ البداية سعيا لتكريس التوافق بسند سياسي واسع لإنجاح الإصلاحات الكبرى الأهم من المصالح والحسابات الضيقة لهذا الطرف أو ذاك غير أن هذا التطابق لا يعني أن حركة النهضة هي الطرف المتمسّك بشخص يوسف الشاهد. يبقى يوسف الشاهد مجرّد إسم داخل الأزمة السياسيّة فلا بقاؤه في القصبة مطلب لحركة النهضة التي تطلب الإستقرار والفاعليّة ولا رحيله يمثّل حلاّ في ظلّ حساسية الظرف الذي تمرّ به البلاد فخليفته لن يكون صاحب العصا السحرية التي ستقلب الوضع فالأسلم بين الحالتين بقاء الشاهد الذي إنخرطت حكومته بشكل جزئي في الإصلاحات الكبرى وحقّقت بعض المؤشرات الإيجابية التي يجب المراكمة عليها. في المحصلة يطلب التونسيون إستقرارا على ثلاث مستوايات، إستقرار أمني وقد تحقّق بشكل كبير في ظلّ نجاحات المؤسستين الأمنية والعسكرية في الحرب على الإرهاب وإستقرار إقتصاديا وإجتماعيا في ظلّ تدهور المقدرة الشرائية وإنهيار قيمة الدينار منذ نحو سنة تقريبا وإستقرارا سياسيا يمكن من تعبئة الإستثمارات ثانيا ومن توفير مناخات ملاءمة لإنطلاق عمل المجالس البلدية المنتخبة التي ستساهم بشكل كبير في حلحلة جملة من الإشكاليات المباشرة للمواطنين. ما ينتظره التونسيّون في شكل هواجس واضحة هو تقريبا ما ورد في التقييم الدقيق المنجز ضمن "وثيقة قرطاج 2" غير أن جزءا من المشاركين في الحوار توقّف عند النقطة الأخيرة من مضامين الوثيقة وتجاهل 63 نقطة على غاية من الأهمية سبقتها فتمّ تعليق الحوار ولكن لم يتمّ إيقاف قطار مسار الإنتقال الديمقراطي في تونس الذي يتطلّب إنجاحه مسار إصلاحات كبرى يجب أن يتم توفير مناخات نجاحها بكلّ السبل وأهمها الإستقرار. ضمن هذه الهواجس وهذا الجدلورغم كلّ الملاحظات التي تطرح نقاطا من الإستفهام الكثيرة فإنّ أفق الحلّ السياسي الوارد والمتبقّي أمام الفرقاء السياسيين والفاعلين الإجتماعيين في تونس اليوم ما بعد تعليق حوارات قرطاج وكلمة رئيس الحكومة يوسف الشاهد بات أمام خيار وحيد هو الخيار الذي تطرحه حركة النهضة منذ أسابيع قبل قبل تعليق الحوار.