دعوة النهضة مؤخرا لاستئناف مشاورات وثيقة قرطاج 2 واللقاء غير المعلن بين رئيس الجمهورية وراشد الغنوشي وما تضمنته كلمة رئيس الحكومة الاخيرة، كلها مؤشرات توحي بأن التوافق يبقى أفضل الخيارات بالنسبة لتونس في الفترة الحالية. تونس الشروق: بعد تعليق العمل بوثيقة قرطاج 2 وما رافقها من جدل حول تعطل لغة الحوار بين رئيس الجمهورية ورئيس حركة النهضة داخل الاجتماع الأخير، وبعد تتالي التصريحات والتصريحات المضادة من مختلف الاطراف الفاعلة، ابرزها كلمة رئيس الحكومة يوم الثلاثاء الماضي، سادت على الساحة السياسية ولدى الراي العام حالة من المخاوف من امكانية تطور المناخ العام في البلاد نحو مرحلة صعبة. مخاوف بررها المتابعون بالقول أن المتواجدين على رأس السلطة اليوم لم يعد لهم من تفكير سوى مصالحهم الحزبية والشخصية الضيّقة أبرزها التحضير لانتخابات 2019 وتجاهل مشاغل ومعاناة المواطنين والمشاكل التي تعاني منها البلاد، وأن ما حصل مؤخرا من تقلبات سيزيد من تفاقم الوضع. فكيف السبيل للخروج من هذا الوضع؟ حوار..توافق وهدوء ما يحصل هذه الايام أعاد إلى الاذهان الوضع الذي آلت إليه البلاد سنة 2013 من فوضى وارتباك وعدم استقرار سياسي هدد بالانزلاق نحو متاهات خطيرة. غير انه سرعان ما سادت حالة من الاستقرار النسبي والهدوء وذلك بفضل لجوء الاطراف الفاعلة الى بعض الخيارات ابرزها الحوار الوطني وهو ما سمح بسن دستور توافقي وتنظيم انتخابات والتوافق بين ابرز قوتين سياسيتين في البلاد الى جانب الحكم الائتلافي وكذلك الوحدة الوطنية التي تجسمت بوثيقة قرطاج وحكومة يوسف الشاهد. ويرى متابعون ان هذه الخيارات جنّبت البلاد مشاكل عديدة خصوصا ان الانتقال الديمقراطي في البلاد مازال هشا ولم تتعود عليه الاطراف السياسية وكان لا بد من مثل هذه الفترة الانتقالية التوافقية على مدى بضع سنوات. مخاطر جديدة في الفترة الأخيرة، برزت بعض التّهديدات لهذه الحالة من الاستقرار خاصة بعد تعليق العمل بوثيقة قرطاج 2 والذي تلته تجاذبات وتصريحات مختلفة وأيضا بعد كلام رئيس الحكومة الذي أدخل ايضا بعض الشكوك على امكانية تواصل الاستقرار السياسي في البلاد، وهو ما اصبح يهدد المسار الديمقراطي برمته. فكل الاطراف السياسية تبدو اليوم في حالة «استنفار» وفي الآن نفسه في حالة خوف من تطورات غير مطمئنة خصوصا والبلاد تستعد لارساء تجربة الحكم المحلي والتحضير لانتخابات 2019 الى جانب التحديات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي تنتظرنا.. فالوضع بدا مؤخرا على غاية من التعقيد والخطورة خاصة بعد ما تردد حول «مناوشة» صغيرة بين «الشيخين» في الاجتماع الاخير لوثيقة قرطاج 2 وما ظهر من انقسام بين ابرز الفاعلين السياسيين حول بقاء يوسف الشاهد على راس الحكومة إلى جانب ما أحدثته كلمة هذا الاخير من «بلبلة» لدى الراي العام حول علاقته بنجل رئيس الجمهورية ومدير نداء تونس حافظ قائد السبسي. تأكيد التوافق بدا واضحا في اليومين الاخيرين ان ابرز الاطراف الفاعلة أحست بخطر عودة الانقسام مجددا على الساحة وهو ما جعلها تتحرك لتلافي ما قد يحصل من تطورات خطيرة. فحركة النهضة دعت مؤخرا لاستئناف الحوار في أقرب الآجال بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية المشاركة في وثيقة قرطاج2 معتبرة ان ذلك سيطمئن التونسيين. ويوم الخميس الماضي التقى كل من رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي اللذين يصفهما المتابعون ب»مُهندسي» التوافق في البلاد. ورغم عدم تسرب معطيات كافية حول فحوى اللقاء إلا ان الهدف منه كان واضحا وهو المحافظة على أجواء الاستقرار السياسي والتوافق على الاقل الى حدود 2019. وكان رئيس الحكومة يوسف الشاهد قد أكد في كلمته الاخيرة على ضرورة تواصل التوافق وتجنب المخاطر السياسية المحتملة. وكل ذلك يستدعي في رأي المتابعين العودة الى الحوار والتوافق والتشاور حول كل متطلبات المرحلة القادمة شكلا ومضمونا لانه لا يُمكن الخروج من هذا الوضع ب»انتصار» أحد الاطراف ولا بد من تنازلات من كل الاطراف ومن تنفيذ الحلول المقترحة.