لعلّ ما شهدته الساحة السياسية من أحداث خلال الفترات الأخيرة ، سيما فيما يتعلّق بالجدل الذي طوّق مآل حكومة يوسف الشّاهد والذي قسّم المشهد السياسي ، كشف الدّور الهام الذي تلعبه حركة النهضة من أجل الحفاظ على تماسك واستقرار الوضع العام بالبلاد. جل المؤشرات تحيل إلى أن حركة النهضة غلّبت صوت الحكمة والعقل في تعاملها مع الأزمة السياسية الأخيرة ؛ وهي الوحيدة التي أعلت صوتها دفاعا عن المصلحة الوطنية واستماتت في الدّفاع عنها في الوقت الذي ارتأى فيه بعض الفرقاء السياسيين على رأسهم نداء تونس تغليب المصلحة الحزبية الخاصة. وقد استماتت حركة النهضة في رفضها لإجراء تحوير وزاري شامل، مخيرة إجراء تحوير جزئي في الحكومة مع الإبقاء على يوسف الشاهد على رأسها، و ذلك لتفضيلها عدم القفز في المجهول والمجازفة باستقرار البلاد والحال أن إجراءات تغيير الحكومة بطم طميمها من شأنها أن تطول، و هو ما سيعطل دوران العجلة الاقتصادية من جهة و سيؤثر على علاقات تونس الخارجية، والحال أن البلاد على أبواب انتخابات تشريعية ورئاسية في 2019. و أمام عدم وجود أي بديل جاهز سواء ليوسف الشاهد أو لطاقم حكومته، في الوقت الحالي، فإن المرحلة التي تلي إقالته ستكون فترة فراغ كامل مفتوحة على كل السيناريوهات الممكنة، إذ تعودت الأحزاب والمنظمات في التجارب السابقة على قضاء أشهر طويلة في المشاورات بحثاً عن تشكيل متناسق يستجيب مع كل المعادلات ، وهو ما سيقود إلى فترة فراغ قد تشكل خطورة على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. و ليس بمستبعد أن يفتح ذلك مجالاً لتدخل لوبيات لتشكيل وضع جديد قد يعبث بمرحلة الاستقرار النسبي الذي تعيشه البلاد منذ مدة، وهو ما تؤكده تصريحات كل قياديّي النهضة ب"ضرورة المحافظة على الاستقرار". و قد أكدت حركة النهضة في أكثر من مناسبة أنها لا تتمسك بشخصية يوسف الشاهد على رأس الحكومة بقدر سعيها لإيجاد استقرار سياسي يمكّن رئيس الحكومة الحالي أو المقبل من تنفيذ برنامج الإصلاحات الكبرى الذي تتضمنه وثيقة قرطاج 2 . كما دعت الحركة المنظمات الكبرى بالالتزام بتطبيق بنود الوثيقة ال63 قبل الاتفاق حول النقطة ال64 المتعلقة بإحداث تعديل جزئي أو كلي للحكومة، معتبرة أن المجيء بحكومة جديدة دون التزام الأطراف الموقعة على الوثيقة بتطبيق بنودها، سيعيد البلاد إلى المربع الأول. جدير بالإشارة إلى أن مجلس شورى النهضة كان قد أيّد في اجتماعه الأخير موقف رئيس الحركة راشد الغنّوشي الداعي إلى الاستقرار والتوافق حول الإصلاحات الكبرى التي تتضمنها وثيقة «قرطاج 2»، كما فوّض الغنوشي بالاستمرار في المشاورات مع بقية الأطراف الموقعة على الوثيقة للوصول إلى حل للخلاف المستمر حول النقطة الأخيرة من الوثيقة المتعلقة بكيفية تعديل الحكومة. وفي هذا الإطار، قال عضو المكتب السياسي لحركة النهضة سامي الطريقي، ان موقف حركته هو الدفاع عن الاستقرار الحكومي والسياسي في البلاد، وان هذا لا يتحقق دون المحافظة على حد ادنى من تمثيلية حكومة الشاهد في الحكومة القادمة. بدوره، أكد عضو مجلس الشورى زبير الشهودي "لا نحتاج إلى حسم سريع في موضوع الحكومة، بل يجب أن ندخل في حوار جدي حول ما إذا كان تغيير رئيس الحكومة سيعود بالنفع على المرحلة وخاصة في ما يتعلق بالإصلاحات الكبرى، وأن لدينا التزاماتنا المالية مع المنظمات الدولية المانحة" . وتساءل الشهودي قائلا: " هل تغيير رئيس الحكومة يعني الذهاب إلى الإصلاحات أم أن الاستقرار هو الذي يحقق النفاذ للإصلاحات، فلأول مرة يمكن الحديث عن إيجاد برنامج وطني مشترك بين القوى الأساسية حول الأجندة الاقتصادية والاجتماعية في تونس، لكن يبقى السؤال هو من سينفذ ذلك؟" وكان الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي قد استغرب من تمسك حركة النهضة بيوسف الشاهد، متسائلاً "هل يمكن أن تفشل كل الحكومة وينجح رئيسها؟". وفي رده عليه، صرح زبير الشهودي "موقف الاتحاد متقلب كثيراً في الفترة الأخيرة، فتارة يطالب بتغيير بعض الوزراء، ثم يستقر رأيه للدفاع عن رئيس الحكومة، ثم يعود ليطالب بإزاحته". وتابع : "يجب أن نكون متواضعين وأن نعترف أن تغيير رؤساء الحكومات السابقة لم يساهم في تحسين الأداء، فإذا تحدثنا عن الفشل فالجميع فشِل ، لكن السؤال هو: هل ستكون الأطراف الاجتماعية مستعدة للالتزام بالإصلاحات الكبرى؟ فالإصلاحات الكبرى تمس من منظوري المنظمات الكبرى وبالتالي نحتاج إلى تحمل قيادة هذه المنظمات لمسؤوليتها السياسية والأخلاقية والتزامها ب63 نقطة التي تم الاتفاق عليها، وبعد ذلك يمكن الحديث عمن سينفذ هذه النقاط، بمعنى: دعونا نمضي على ال63 نقطة المُتفق عليها ونلتزم بتطبيقها، وبعدها سيكون الحوار إيجابيا حول بقاء الحكومة الحالية من عدمه".