ما فتئت الهجرة غير الشرعية تمثّل هاجسا لفئة كبيرة من الشباب التونسي الذي ضاق ذرعا بالفقر و الحاجة و البطالة معلقا أماله بقارب تتقاذفه الأمواج يمنة و يسرة عساه يبلغ الحدود الأوروبية التي يخالها فردوسًا .. كابوسٌ، يتراءى لهم حلمًا سهل المنال، قصف أعمار الكثير و الكثير من الشباب و مع ذلك لم تتوقف محاولات التسلل بحرا إلى الأراضي الأوروبية رغم ما نسمعه عن "رحلة الموت" المحفوفة بالمخاطر و الصعوبات .. ولعلّ الفاجعة التي عاشت على وقعها تونس أمس الأحد خير دليل على تواصل ظاهرة "الحرقة" رغم كل الإجراءات التي تتخذها السلطات لمكافحتها. و كان قد تعرض مركب حامل لقرابة مائتي مهاجر غير شرعي إلى الغرق في عرض سواحل قرقنة، وتم إلى حد مساء الأحد 3 جوان 2018 انتشال 47 جثة لمهاجرين غير شرعيين قضوا نحبهم ، فيما تتواصل عمليات التشريح و إجراءات تحديد الهويات في المستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس. و يروي حسام، أصيل المهدية، وأحد الناجين في حادثة غرق المركب بقرقنة، ما شاهده عند غرق المركب بعد منتصف ليلة البارحة. وقال في تصريح لاذاعة "الجوهرة اف أم"، ، إنه تم التفطن لتسرّب المياه إلى المركب بعد 5 ساعات من الإبحار. وأضاف أنه طُلب من "ريس السفينة" بالتوقف والعودة أدراجه إلى الشاطئ، إلا أن المركب انقلب فجأة مضيفا "أن الريس قام بقلب المركب"، بحسب شهادته، بعد أن سارع مجتازون على متن المركب بالاتصال بالسلطات التونسية "الحاكم"، بحسب تعبيره. وتابع أن فرق الانقاذ التابعة للسلطات وصلت بعد نحو 5 أو 4 ساعات من انقلاب المركب فيما سارع بعض البحارة بانقاذ البعض منهم. وأكد أن المجتازين، نحو 180 شخصا، صارعوا الموت إلا ان محاولاتهم باءت بالفشل وكان الغرق مصير عدد منهم فيما تمكن هو من النجاة بفضل قطعة خشب تشبّث بها وبقي ممسكا بها نحو 9 ساعات في عرض البحر الى حين انقاذه لتكتب له الحياة من جديد. يشار إلى أنه وقع تفعيل اللجنة الجهوية لمجابهة الكوارث وتنظيم النجدة بولاية صفاقس التي اتخذت سلسلة من الإجراءات الرامية إلى "تسريع نسق عمليات النجدة وانتشال الجثث والتعرف على هويات الغرقى، بغاية تسليم الجثامين إلى أهاليها في أسرع وقت"، وفق ما صرح به والي صفاقس، عادل الخبثاني. وأفاد الوالي أن هذه اللجنة التي تضم عديد الإطارات الأمنية والعسكرية وممثلي المصالح الإدارية (الفلاحة والصيد البحري والصحة والحماية المدنية) والمنظمات والبلديات والمعتمدين، "في حالة انعقاد مستمر" منذ صباح الأحد. وقال إن لجنة فرعية منبثقة عن لجنة الكوارث، تم تشكيلها في المستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة، حيث يتم استقبال الناجين لتلقي الإسعافات والعناية الطبية وتسليم الأموات من الغرقى لقسم الطب الشرعي، أين تتم إجراءات التشريح والتعرف على الهويات. كما تسهر هذه اللجنة حسب تأكيد الوالي، على "الإحاطة بالناجين من حيث توفير الخدمات الصحية والملابس والدواء والتغذية". ويجري كذلك في إطار عمل اللجنة الجهوية لمجابهة الكوارث وتنظيم النجدة، التنسيق بين مصالح الطب الشرعي والشرطة الفنية، على الصعيدين الجهوي والمركزي، بغاية التسريع في نسق إجراءات التعرف على هويات الغرقى وتسليم الجثث إلى أهاليها، بعد استكمال الإجراءات القانونية اللازمة "في أسرع وقت ممكن"، حسب والي صفاقس. وبالتوازي مع ذلك يجري التنسيق مع ولاة الجهات التي يوجد عدد من أبنائها ضمن قائمة الغرقى، لتحديد توقيت وصيغ نقل جثامينهم إلى تلك الولايات.