تمر اليوم سنة كاملة على حدث أذهل المنطقة وجعل الجميع يشعر بالحيرة الفعلية على مستقبل المنطقة العربية؛ إنه القرار الغريب الذي اتخذته أربعة دول عربية هي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ومصر ببدء حصار غريب وغير مبرر على دولة قطر دون سابق انذار؛ سوى تلك الحادثة الغريبة التي قررت فيها مجموعة محسوبة على دول الحصار أن تخترق موقع وكالة الأنباء القطرية وتنسب تصريحات كاذبة لحضرة صاحب السمو الأمير تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله. لقد شعر العالم العربي بالحيرة والذهول جراء هذا القرار ولم تكن مرارة القرار ملازمة للشعب القطري وحده بل لكل الأمة العربية بما فيها شعوب دول الحصار التي تربطها روابط أسرية وتاريخية لم يكن أحد يتصور أنه هذه العلاقت ستتضرر في يوم بسبب قرار عربي داخلي ليس له أي سبب واضح. لذلك كان الضرر الأول للقرار الرباعي تضرر قطاع واسع من المجتمع الخليجي الذي يترابط فيما بينه بعلاقات مصاهرة ونسب وعلاقات قبلية ضاربة في عمق التاريخ لم يكن من السهل تجاهلها بإغلاق الحدود. وهذا ما خلف غضبا شعبيا قبل أن يكون غضبا سياسيا وخلافا حكوميا بالاساس. لقد كانت كبرى التهم الموجهة إلى دولة قطر أنها تدعم الإرهاب وهو ما نفته دولتنا بشدة واستندت في ذلك إلى القوائم التي حددتها الأممالمتحدة، بل كانت قطر سباقة في الانخراط بالتحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي ونفذت كل المقرارات الدولية والإقليمية في خصوص مكافحة الإرهاب. وشدّدت دولة قطر مرارا على أنها تواجه حملة افتراءات وأكاذيب تهدف إلى فرض الوصاية على قرارها الوطني. وما يثبت ذلك بشكل واضح أن الدول الأربع، في جويلية 2017، عبر الكويت، قائمة تضم 13 مطلبا إلى قطر لإعادة العلاقات معها، وأمهلتها 10 أيام لتنفيذها، وهو عمل يبين بلا شك نية محاولة تركيع دولة قطر ومصادرة هيبتها واستقلالها. وكان أيضا من بين التهم التي تم رميت بها دولة قطر أنها تتحالف مع إيران -رغم أن هذا ليس جريمة في العلاقات الدولية- وأن الدوحة تستضيف عناصر من الحرس الثوري الإيراني على أراضيها، وقد نفت قطر قطعيا وجود أي عنصر من الحرس الثوري بل ذهبت إلى أبعد من ذلك واقترحت استعدادها لتخفيض علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع إيران إذا ما التزمت بذلك كل الدول الخليجية كلها. وهو أمر عجيب وعلى غاية من السخرية إذ يتم طلب قطع العلاقات بين قطروإيران في حين أن الدول التي تطلب ذلك نفسها تقيم علاقات مع إيران على مختلف الأصعدة اقتصاديا وسياسيا وحتى تنسيقا عسكريا ثم يتم رمي التهم على دولة قطر. والأغرب هو طلب إلغاء القاعدة العسكرية التركية في قطر حيث تؤكد الدوحة دائما أن تركيا دولة مسلمة شقيقة، ولا يوجد قانون دولي أو إقليمي أو في ميثاق مجلس التعاون ينص على منع إقامة قواعد عسكرية لأن ذلك من صميم القرار السيادي لكل دولة في العالم. كما دفعت دول الحصار دولة قطر إلى ضرورة إنهاء العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين بحجة أنها جماعة إرهابية وهو ما لم يتم إثباته وكان جواب دولة قطر أنها ستلتزم بالقرارات الأممية إذا ما تم إثبات أن هذه الجماعة ضالعة في الإرهاب، لكن في غياب ذلك فإن التعامل مع تيار الإخوان المسلمين سيبقى مثله مثل التعامل مع أي فصيل يتبنى العمل السياسي السلمي الديمقراطي. ولقد كانت خاتمة الردود القطرية على طلبات أشقائنا الذين حاصرونا بأن مطالبهم "ليست واقعية ولا متوازنة، وغير منطقية، وغير قابلة للتنفيذ"، لكن دولتنا أكدت في مرات عديدة استعدادها للحوار إذا توفرت الشروط المناسبة وإذا تم التعامل مع قطر بمنطق الأخوة وحسن الجوار. لكن رغم كل هذه الضغوطات فقد كانت السنة الماضية سنة الانجازات بالنسبة لدولة قطر اذ أن المؤشرات التي تصدرتها دولة قطر والمراتب التي اعتلتها كشفت حجم التوازن الذي استطاعت دولتنا تحقيقه ففي مجال الطاقة، ومع بدايات العام الجاري دشن حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، مشروع مصفاة (لفان 2) وقد أسهم ذلك في مضاعفة طاقة قطر لتكرير المكثفات لتصل إلى حوالي (292) ألف برميل يومياً، مما جعل راس لفان واحداً من أكبر مواقع تكرير المكثفات في العالم. كما أن السوق القطرية شهدت بعث 35 مصنعاً تمكن القائمون عليه من بدء الإنتاج منذ بدأ الحصار الجائر، ونجحت مصانع كثيرة قائمة في مضاعفة طاقتها الإنتاجية، وتمت الموافقة على إنشاء أكثر من 60 مصنعاً جديداً. تغطي كلها حاجة المواطن القطري والوافدين بشكل منظم وكافي بالإضافة إلى النجاعة الكبيرة التي استطاعت بها قطر للطيران تأمين المواد المستوردة مما جعلها تحصل على أحسن المراكز والجوائز العالمية في نقل الركاب والبضائع أيضا. أما على المستوى الخارجي فقد امتصت الدبلوماسية القطرية كل الصدمات التي خلّفها الحصار، حيث حققت السياسة القطرية نجاحاً كبيراً، وكان للجولات الخارجية التي قام بها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في أفريقيا وأوروبا وآسيا الأثر البالغ في تعزيز مكانة دولة قطر على الصعيدين الدولي والإقليمي، بالإضافة إلى تدعيم أواصر الصداقة مع كافة دول العالم. وفي الاخير نؤكد أن أيدينا لا تزال ممتدة بهذه الدعوة في كل حين لاشقائنا في دول الحصار ونطلب إليهم مرارا الجلوس لانهاء هذه الأزمة ونعبر لهم عن حسن نوايانا في كل وقت وحين؛ حتى نجنب منطقتنا مزيدا من النكسات والتشرذم ولا شك أن ذلك سيكون تحت سقف احترام السيادة الخاصة بكل دولة ودون وصاية. سعد ناصر الحميدي سفير دولة قطر بتونس