لم تخفت حدة الجدل الذي تصدر الواجهة خلال الأيام القليلة الماضية، منذ صدور تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة وتسليمه لرئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي. وتواترت ردود الأفعال المستنكرة و الغاضبة مما جاء في التقرير على اعتبار أن فيه مسّا بتعاليم الإسلام والمقدسات التي يحميها الدستور الجديد ويسهر على فرض احترامها في بنوده، الأمر الذي دفع أعضاء لجنة الحريات الفردية إلى الدفاع عن التقرير والبحث عن سبل لإقناع الرأي العام بمنافع وميزات التوصيات والمقترحات. مفتي الجمهورية السابق: ما ورد في التقرير مخالف للشريعة الإسلامية وفي هذا الصدد، اعتبر مفتي الجمهورية السابق حمدة سعيد أن كل ما ورد في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة مخالف مخالفة صريحة وصحيحة لنصوص الدين لا فقط الظنية بل قطعية الدلالة. وقال سعيد، في اطار الندوة الي نظمتها وحدة بحث تاريخ الزيتونة في المعهد العالي للحضارة الاسلامية، "يعرفون الحقيقة ويتعامون عليها ومصرين على السير في ذلك الطرق لأهداف الله أعلم ماهي" وفق تعبيره. سامي براهم: تقرير لجنة الحريات الفرديّة انقلاب تشريعي بغلاف تأصيلي ديني ومن جانبه، اعتبر الباحث سامي براهم تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة بمثابة الانقلاب التشريعي بغلاف تاصيلي ديني يعيد هندسة الاسرة والمجتمع والعلاقات العامة بشكل يستجيب لتحولات بنيوية وسوسيولوجية عميقة وجذرية وعرض بالنظر الى الخيط الناظم لهذا المشروع الاصلاحي كما يرى اصحاب التقرير من اعلاء لشان الفرد الذي وقع التضحية به لصالح الجماعة في المنظومة الفقهية الوسيطة. وسلط براهم الضوء على الفردانية التي نادى بها التقرير، حيث تحول الفرد حسب تحليله الى سمات جندرية تتعدد بتعدد النوازع الذاتية والميولات والامزجة بما فيها الحميمية لتتحول هذه الفردانيات الى هويات تحتاج الى الانتظام كهوية مجتمعية وبالتالي كسر الحواجز القانونية والمرجعيات الدينية والعرفية. واشار براهم الى ان المشروع الاصلاحي المفترض قد استند في اضفاء المشروعية على هذا التصور الى رصد وظيفي لمظاهر التحولات الاجتماعية والى آلية الاجتهاد من خلال القياس والمقاصد في مخالفة ومغالطة الشرع والقانون والدستور. وقال سامي براهم إن هذا المشروع الذي يفترض أن يفضي الى منظومة تشريعية جديدة هو بمثابة دستور جديد للبلاد التونسية سيترتب عنه تفكيك ناعم وتدريجي لمنظومة مجتمعية ثقافية قيمية ورمزية قائمة وتشكيل اخرى بقوة القوانين والتموقع في السلطة وفق تحليله. فاطمة شقوت: قوانين هادمة للأسرة ومخلة بتعاليم الإسلام ومن جهتها، قالت فاطمة شقوت أستاذة القرآن وعلومه بالجامعة الزيتونية ، أنّها ستتصدّى و مشايخة الزيتونة لما جاء في هذا التقرير، من قوانين هادمة للاسرة و مخلّة بتعاليم الاسلام ووصفت فاطمة شقوت في تصريح ل"الشاهد" لجنة الحقوق الحريات الفردية و المساواة "بلجنة حقوق و حريات الفوضى و مساواة الرذيلة بالفضيلة." و أكدت فاطمة شقوت أنّ التقرير و على عكس ما تمّ ترويجه يُهين كرامة المرأة و يذلّها ذلك أنّه يجبرها على النفقة على الاسرة و الزوج و في حال عدم انفاقها يُقاضيها زوجها ، أما ان كانت لا تمتلك أموالا لتنفق على أسرتها تلتجئ مخصوصة للرجل ، لتتحول النفقة على المرأة من حقّ مكتسب إلى حاجة و خصاصة . وأكدت فاطمة شقوت أيضا أن قضية المساواة في الميراث ستحدث خللا داخل الأسرة باعتبارها ستخلق صراعا بين الأخ و أخته و الزوجة و زوجها ، قائلة " المال الذي ستحصده المرأة من الميساواة في الميراث ستنفقه مُرغمة على زوجها و هو ما سيؤدي إلى مشاكل لا طائل لها." مشيرة الى ان اللجنة ذاتها نبّهت في تقريرها إلى هذه المشاكل عبر حديثها عن القضايا التي من الممكن ان تُرفع على خلفية المساواة في الميراث. و اضافت أستاذة القرآن وعلومه بالجامعة الزيتونية " قيل في توطئة هذا التقرير أنّ ما جاء فيه لا يتعارض مع روح الشريعة و مقاصدها و الحال انه يخنق الشريعة التي تنصّ على خمس أركان أساسية وهي : حفظ النفس و النسل و العقل و المال و الدين و ما جاء في التقرير يهدم هذه الأركان . كما لفتت فاطمة شقوت إلى أن الدستور التونسي يفرض أن يكون رئيس الجمهورية مسلمًا و أن يحافظ على مقدّسات و هوية هذا الشعب. سناء الحداد: التقرير يتناقض مع مبادئ الدستور و تعاليم الاسلام بدورها، أكدت النائب المؤسس والمحامية سناء الحداد على هامش المؤتمر الصحفي الذي نظمته التنسيقية الوطنية للدفاع عن القرآن والدستور والتنمية العادلة للحديث عن التقرير الصادر عن لجنة الحريات الفردية و المساواة، أنّ التقرير يتناقض مع مبادئ الدستور و تعاليم الاسلام. و لاحظت سناء الحداد في تصريح ل"الشاهد"، أنّ التقرير هجين و بعيد كلّ البعد عن الشعب و يتعارض مع هويته و مبادئ الدستور التونسي. و حمّلت سناء الحداد رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي مسؤولية ما سيؤول إليه الوضع في صورة تبنّيه القوانين المنبثقة عن اللجنة المذكورة ، قائلة " رئيس الجمهورية مسؤول عن احترام الدستور من خلال تبنّيه لمشاريع قوانين تحترم هذا الدستور..لا نعلم بعد موقف الرئيس.. لكنني متأكدة انّه لن تتمّ المصادقة على هذه القوانين ." و أضافت " أوصي رئيس الجمهورية بأن يحترم أحكام الفصل 39 الذي يلزم الدولة على تأصيل الناشئة على الهوية الاسلامية كذلك الفصل 146 و الذي يقول ان الدستور وحدة منسجمة يُؤوّلُ بعضها البعض كما اوصيه بأن يضبط لاحكام الفصل الاول من الدستور و الذي يقول أن تونس دولةٌ الاسلام دينها." وكانت التنسيقية الوطنية للدفاع عن القرآن والدستور والتنمية العادلة قد عبرت في مؤتمر صحفي الخميس 21 جوان 2018، عن رفضها تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، معتبرة أنه "يتعارضه مع مقاصد الشريعة الاسلامية". و ضمت التنسيقية عددا من أساتذة الزيتونة ومجموعة من المحامين، ومن بينهم وزير الشؤون الدينية السابق نور الدين الخادمي الذي إعتبر أن التقرير صادم لهوية الشعب التونسي المحددة بالدستور وأنه تجاوز التخصصات العلمية بأنواعها وفق تعبيره. الخادمي: التقرير مرفوض شكلا ومضمونا ومن جانبه، اعتبر أستاذ علم المقاصد بجامعة الزيتونية ووزير الشؤون الدينية الأسبق، نور الدين الخادمي، أن التقرير مرفوض شكلا ومضمونا فيما يتعلق بالأحوال الشخصية وفي موضوع الحريات الفردية، مؤكدا تضمن التقرير لمقترحات معادية لنظام الأسرة في الإسلام بالإضافة الى تعارض التقرير و مقترحاته مع ما ورد في توطئة الدستور. وأشار إلى ان ما ورد في التقرير "يبيح الشذوذ ويلغي القوامة ويحرم المرأة حقها الشرعي في النفقة"، على حد قوله. ودعا الخادمي ديوان الافتاء إلى إصدار فتوى و ابداء رأي تخصصي واضح في التقرير، كما دعا رئيس الجمهوربة لاستقبال عدد من العلماء في مجال القضاء و القانون و العلوم الاجتماعية لإبداء رأي علمي تخصصي في ما يتعلق بتقرير لجنة الحريات الفردية و المساواة.