"الكبش يدور الكبش يدور و قرونو نطّاحة .. يا جزّار و يا عمّار اذبحوا بالرّاحة …" الأغنية التي تصدح من جلّ بيت تونسيّ صبيحة عيد الأضحى .. الأغنية التي يحبّها الكبير و الصغير على حدّ السواء ، تبثّها الإذاعات المحلّية على موجاتها باعثة البهجة في كل بيت .. في اليوم الموعود ، تستيقظ النسوة ، مبكّراتٍ لتحضير عجينة الخبز مشمّرات عن سواعدهنّ ، و مدندنات ما حلا و زان من الأغاني التونسية المحببة للقلب ، ليصحو على أصواتهنّ كلّ من في الدار/الحوش .. و يقصد الرّجال المساجد والمصليات لأداء صلاة العيد مرتدين اللباس التقليدي " الجبة " أو ما جدّ من اللباس العادي ، فاليوم يوم عيد و الأناقة في الأعياد من سنن الحبيب المصطفى .. و تصحو الفتيات لمساعدة أمهاتهنّ في التحضير ، قبل عودة الأباء من صلاة العيد .. ينضّدن و يزوّقن الغرف باكرا ، لاستقبال الأقارب و الجيران الذين سيزورونهم لمعايدتهم..
فيما يخرج الأطفال إلى شوارع الحيّ مرافقين خرافهم معهم بعد أن ينوهم بالشرائط المنوعة و الأصباغ الملونة ، متباهين أمام أطفال الجيران ب"كبشهم عنتر" ..
و بانتهاء الفتيات من إعداد الغرف و انتهاء الأم من طهو الخبز "الطابونة " ، يكون الأب قد عاد من صلاة العيد و قد اصطحب معه ابنه و الخروف من ناصية الطريق .. تهرع الفتيات جريا لاستقبال الوالد ، يعايدنه و يعايدن أمهن ..
و تكون الأم قد سبق أن هيّأت أدوات الذبح من : سكين كبير للنحر و سكاكين صغيرة للسلخ ، و قد أشعلت إحدى البنات الكانون و رشّت فوقه قليلا من البخور لتعبق رائحته الزكية في الأرجاء …
بعد الإنتهاء من عملية ذبح الخروف و سلخه ، و قد ساهم فيها كل من في المنزل الكبير و الصغير على حد السواء، تأخذ الأم "المرّارة" و تعلّقها على سور المنزل حتى يكون "العام أخضر" كما يقول الأجداد أي للمباركة .
في حين يهمّ الأب بقصّ أجزاء اللحم للشواء و يمدّها لإحدى بناته المتكفّلة بالمهمة .. بينما تنصب أخرى المائدة ، و تضع عليها قارورة "الليموناضة" ، الأصحن ، خبز "الطابونة" ، حبات ليمون .. و تبدأ وليمة الشواء في أجواء من الضحك و الهرج ، و الأبوين يتندران و يقصان على أبنائهما ذكريات الأعياد في صغرهما مسترجعين أبسط التفاصيل …
بعد الانتهاء من وليمة الشواء ، تهم الأم و بناتها بغسل أحشاء الخروف "الدوارة" ، وهي المهمة التي إذا ما أتقنتها البنت التونسية صارت مهيّئة للزواج ، وفق أمهاتهن .. تلي ذلك مهمة إعداد "العصبان" و هي تعني حشو أحشاء الخروف بالخضار المتمثلة في السلق و البقدنوس و الكرفس ، التي سبق تقطيعها في الليلة الماضية ، مع اللحم المقطع و البهارات ، و الأرز …
في حين يهتمّ الأب بمهمة "تشوشيط" رأس الخروف ، (أي تعريضه للنار قصد تخليصه من الصوف العالق به ) ، مستعملا الحطب والالواح لإيقاد النار في الباحة الخلفية للمنزل .
في الأثناء ، لا يخلو المنزل من الزيارات غير منقطعة النظير من الجيران و الأقارب الذين يقصدون الديار المجاورة للتهنئة و المعايدة ، و كلّما خطا أحدهم عتبة المنزل إلا و هرعت إحدى البنات لإعداد صحن من الشواء إليه ، و كأنه لم يكن بصدد تناوله في منزله .. هكذا هو خال كلّ تونسي؛ الكرم و الجود أهمّ سماته -لله درّه- .
بالإنتهاء من جلّ مهام اليوم الأول ، يلبس أفراد العائلة الجديد من ثيابهم لزيارة منزل الجدّ حيث يجتمع الأعمام و العمّات لمعايدتهم و مشاركتهم أجواء العيد الحميمة ، حاملين معهم نصيب الجد و الجدة من خروفهم .. هكذا هي الأصول ..
في اليوم الثاني ، تأتي مهمّة تقطيع لحم الخروف باستعمال "الساطور" و "القرضة" ، ليوع فيما بعد على أكياس صغيرة لتحفظ في الثلاجة . مهمة تقطيع اللحم و تكسير عضامه تتم في ثاني أيام العيد ، لأن الأجداد يقولون بأن على الخروف أن "يحجّ" ، و حجّ الخروف يعني أن يظلّ ليلة بعد ذبحه على حاله .
و بعد الانتهاء من ذلك ، يحمل الأب كمية اللحم المخصصة للصدقة ليسلّمها لأحد المعوزين و ضعاف الحال بالجوار ممن لم تسعفهم الظروف لاقتناء خروف .. فما العيد إلا فرصة لتبادل قيم الخير و التسامح و الرحمة … كل عام و أنتم بخير ..