عندما تُشاهد صورَة الجدّة مكدومة العَينَين, مُلقاة على فراش الموت تلفظ آخر أنفاسها, لايمكن أن تتوقّع آخر صورة أبصرتها وأيّ فاجعة لحقت بها أوّلا, ضرب إبنتها لحدّ تكسير الأضلع, أم إغتصاب حفيدتها بعمر لا يتجاوز خمسة عشر ربيعا. من بينِهم أمنيّ, خمسَة شُبّان إقتَحموا منزل جدّة في منطقة "قبلاّط" من ولاية باجة, ليقلبوا حياة العائلة رأسا على عَقب, فبدؤوا بتعنيف الجدّة والأمّ وكأن بينهم ثأر لم تبرد ناره قطّ, وأيّ عقل يمكن أن يصدّق المشهد؟ كدمات على وجه العجوز تثبت عدم آدميّة الجناة ومقدار الجرم السّاكن عقولهم. عجوز شَارفت الثّمانين ربيعا من عمرها, لم تتوقّع يوما أن يقتحم شبّان بعمر أحفادها منزلها ليبرحوها ضربا حتّى تكون النّتيجة مفارقتها الحياة بوجع و حرقة على مصير إبنتها وحفيدتها المسكينتين. الأمّ أكثرهنّ وَجعا, هي بين صفيحي نار حارقة, بين أمها (الجدّة) الرّاحلة عن الحياة بوجه متورّم لا يشبه وجوه العجائز في عمرها, عندما يفارقن الحياة, وإبنتها القاصر بعمر الزّهور وقد تمّ إغتصابها من قبل خمسة مجرمين. الحفيدة المُختَطفة, ليست بحال أفضل من جَدّتها ووالدتها, فلا أحد يمكن له أن يتخيّل بشاعة حادثة الإختطاف وتناوُب خمسةٍ جَشعين عديمي الإِنسانيّة على إغتصابها وقتل طفولتها, في حين كان من المفروض أن يقوم رجل الأمن بحمايتهنّ وتأمينهنّ, أسرع لينهَم ويظفر لنفسه بفرصة إثبات حيوانيّته. كيف يمكن لنا أن نَأمن أنفسنا وأبنائنا في هذا الوطن؟ وحامينا أمنيُّ إغتصب أحلام الطفولة أمس, وقتل نخوة الرِّجال بكدماته على وجه إمرأة في عمر جدّته, وكيف يمكن أن نَسير حذو شرطيّ, بل رجل حتّى, دون إلتفاتٍ إلى الوراء وخوف من مصير ما أن يتكرّر. حادثة قبلاط ليست سابقة, وليست شذوذا لم نعرف مثيله قبل, لكنّها رجّة أخرى وفاجعة أيقضت ضمير مجتمع, ليسأل كيف يفقد النّاس بشريّتهم ليصبحوا بهذه الدّرجة من الحيوانيّة؟ وأيّ دافع يفقد رجل أمن إحساسه بواجبه ليجثو أمام غرائزه وكبته وجرمه؟ فارقت الجدّة الحياة, وبدل أن تزرع الورود البنفسجيّة على قبرها, زرعت الكدمات على وجهها وخدّها وذاكرتنا. وجع الحفيدة سينزف من ذاكرتنا قبل عينيها كلّما تذكّرنا فاجعة "قبلاّط". وليت الصّفحة لا تطوى قبل فتح ملفّ إنتشار الظّواهر السّلبيّة المجتمعيّة.