لم يتوقف الحديث عن نقص مخزون البلاد من الأدوية ، خاصة أدوية الأمراض المزمنة ، طيلة الفترات الأخيرة، و تصدرت الأزمة الواجهة الإعلامية ومنصات التواصل الإجتماعي، سيما مع تكثف الحديث حول وجود شبهات فساد صلب وزارة الصحة والصيدلية المركزية ، الأمر الذي زاد من تعقيد المسألة أكثر فأكثر .. و تولي جهات الرقابة والسلطات المعنية اهتماماً كبيراً بملف سرقة الأدوية، لاسيما وقد كشفت معطيات عن دائرة المحاسبات والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وعن وزارة الداخلية، عمليات سرقة وتهريب أدوية تورّطت فيها بارونات فساد بالتنسيق مع مسؤولين من قطاع الصحة. وبين الفينة والأخرى تتمكن السلطات المعنية من الإيقاع بعصابات وشبكات مختصة في سرقة الأدوية وتهريبها خارج البلاد عبر الحدود، أو بيعها بطرق غير قانونية . أخر هذه الحوادث ما جدّ خلال اليومين الأخيرين ، حيث تمكن أعوان مركز الأمن الوطني بحي الرمانة من إلقاء القبض على كهل وبحوزته كمية هامة من الأدوية اعترف باختلاسها من أحد المستشفيات صحبة أشخاص آخرين لترويجها بين المرضى خارج المستشفى. و كانت قد وردت معلومات وردت على أعوان مركز الأمن الوطني بحي الرمانة مفادها تردد كهل على الجهة على متن دراجة نارية ويبيع أدوية إلى مرضى مقابل أثمان تقل عن ثمنها الحقيقي. وبتفتيش المتهم عثر لديه على كمية من الأدوية اعترف بأنه كان ينوي بيعها إلى مرضى قاطنين بالجهة وبمواصلة التحريات معه اعترف بأنه منخرط في شبكة مختصة في سرقة الأدوية من مستشفى بالعاصمة وترويجها خارجه، ودل على هويات عدد من عناصر الشبكة وتقرر الاحتفاظ بالكهل الموقوف، وإحالة التحقيقات على أنظار الادارة الفرعية للقضايا الاجرامية لتفكيك الشبكة المذكورة. ليس ببعيد عن هذا التاريخ، تمكن أعوان فرقة الشرطة العدلية ببن عروس، في شهر أوت المنصرم، من القبض على عامليْن اثنين بإحدى مستشفيات ولاية بنعروس اثر ثبوت تورطهما في الاستيلاء على كميات من الأدوية المختلفة من داخل المستشفى وترويجها خارجه. كما تم في شهر جويلية المنقضي، الكشف عن مافيا لسرقة أدوية السرطان من 3 مستشفيات بالعاصمة يقودها طبيب وموظفين وأعوان من إدارات تابعة لوزارة الصحة. وقد تمت الإطاحة بالعصابة من قبل الإدارة الفرعية للأبحاث الاقتصادية والمالية بالقرجاني بمنطقة الجديدة من ولاية منوبة حيث قام مساعد صيدلي في مستشفى عزيزة عثمانة بإخفاء كميات هامة من الأدوية داخل مخزن في منزله. وتتكون الشبكة من موظف بمستشفى عزيزة عثمانة مهمته السطو على أدوية السرطان وتغيير معطيات تتعلق بالمرضى وعون بمستشفى عزيزة عثمانة وهو الرجل الثاني في مافيا سرقة الأدوية تمكّن في 6 سنوات من تهريب ما يقارب مليون دينار من الأدوية كما تورط في تزوير شهادته المدرسية حتى يساعده موظف في وزارة الصحة من الارتقاء في عمله دون موجب قانوني مستواه التعليمي سادسة ابتدائي ولكن تم ترقيته الى خطة مساعد صيدلي. كما تورط في العملية موظف في الصندوق الوطني للتأمين على المرض تم الكشف عن تورطه بعد سرقة مبلغ مالي ضخم من منزل طبيب متورط بدوره في تهريب الأدوية وقد رصدته كاميرا إحدى المنازل بجهة المنزه أثناء هروبه بحقيبة ليتبين انه احد ابرز عناصر شبكة تهريب أدوية السرطان إضافة الى عون بمستشفى عزيزة عثمانة مهمتها التنسيق مع موظفة بمصحة العمران التي تبين أيضا انه يتم تهريب كمية هامة من الأدوية من داخل المصحة المعنية، فضلا عن تورط طبيب مختص في علاج مرض السرطان يقوم بشراء الأدوية المهربة وبيعها لمصحات خاصة بالعاصمة وبعض ولايات الجمهورية إضافة الى موظف بمصحة خاصة يقوم بالتنسيق بين الأعوان ب3 مستشفيات على غرار مصحة العمران الأعلى وعزيزة عثمانة ومستشفى صالح عزيز مقابل حصوله على مبالغ مالية عن كل عملية. و كان رئيس مدير عام الصيدلية المركزية أيمن المكي قد أكد في أكثر من مناسبة أن هناك تنسيقا تاما بين وزاراتي الصحة والداخلية والإدارة العامة للديوانة للضرب على يد العصابات الإجرامية المتسببة في اضطراب في توزيع الأدوية . و شدد وزير الصحة عماد الحمامي، في اكثر من مناسبة ، على ضرورة التصدي لظاهرة تهريب الأدوية حفاظا على مكاسب القطاع. و أكد الحمامي أن الحكومة ساعية لتشديد العقوبات في ما يتعلق بملف تهريب الدواء خارج حدود الوطن، مشيرا إلى عدد من الزيارات الميدانية، المرتقبة، والمجالس الجهوية للصحة، حول ملف الأدوية. يشار إلى أنه، رغم التحذيرات التي رفعها عديد الأطراف ذو علاقة بالقطاع الصحي من تبعات عمليات تهريب الادوية التي تشهدها البلاد ، لا تزال هذه الظاهرة متواصلة بشكل ملفت و محيّر ، آخرها عملية جدت خلال اليومين الاخيرين كشفت عن تورط عدد من الصيدليات و المزودين لتوزيع الادوية بالقطاع الصحي في شبكة لتهريب الادوية بكميات هامة . وكانت الوحدات الأمنية على الحدود التونسية الليبية قد تمكّنت في السنوات الأخيرة من إحباط عمليات تهريب كبيرة للأدوية ، فباتت الصيدليات و مراكز الصحة و صيدليات المستشفيات تفتقر الى مختلف انواع الأدوية رغم انتظام الاستيراد من الخارج عبر الصيدلية المركزية ورغم وجود صناعة دوائية متطوّرة في البلاد. و الأدوية التي باتت تفتقر اليها الصيدليات و المراكز الصحية هي أدوية ارتفاع ضغط الدم و أدوية الأمراض المزمنة من قبيل داء السكري وأمراض القلب والأعصاب والجهاز التنفسي ، وهو الأمر الذي يؤدّي إلى تفاقم معاناة بعض مصابي الأمراض المزمنة، خصوصاً في الجهات حيث لا يتوفّر عدد كبير من الصيدليات وحيث يعوّل المرضى في حصولهم على الدواء على مراكز الصحة الأساسية التي لا تلبّي الكميات التي توفّرها احتياجات المرضى. ويأتي دواء الأنسولين على رأس الأدوية المفقُودة بمدنين وذلك نتيجة تهريبه إلى ليبيا التي تفتقر لهذا الدواء المُدعّم وفق تأكيدات الصّيادلة بالجهة حيث ينتهز المهربون فرصة نقص هذا الدواء بليببا ليهربوه ويبيعونه بأسعار تصل إلى أربعين جنيه ليبي وهو ثمن مرتفع قياسًا بانخفاض ثمنه بتونس.