عندما يكون المصاب وطنًا, يُصبح الحياد جريمة, ولا يمكن أن تلتزم الحياد أمام شعب سُلب أرضه ورزقه, وهتك عرضه, ودُفِعَ به إلى مجاعة قاتلة, والسّبب ظلم ذوي القربى. فمع استمرار التّحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، هجومه على مدينة الحديدة اليمنية المطلة على البحر الأحمر، وأحد آخر الممرات التي تصل من خلالها المساعدات الإنسانية للبلاد، فإن مؤسسات أممية وحقوقية، ووكالات إغاثة، حذرت خلال اليومين الماضيين من حدوث مجاعة وشيكة شاملة، قد تشمل ملايين السكان. إتّهمت منظمة “أنقذوا الأطفال” الدّولية جميع أطراف الصّراع في اليمن بدفع البلاد إلى حافة المجاعة, فيما طالبت الأممالمتحدة بمحاسبة المسؤولين عن الضربات التي أودت بحياة المدنيين. وفي تقرير جديد, قالت المنظمة الحقوقية إن جميع الأطراف, بما فيها التحالف السعودي الإماراتي, تتحمل المسؤولية إزاء خطر الجوع الذي يهدد اليمنيين.وطالبت “أنقذوا الأطفال” في تقرير بمحاسبة المسؤولين عن منع الغذاء والدواء عن الأطفال، ونبهت إلى احتمال وفاة أكثر من نصف مليون طفل في مناطق النزاع بسبب الجوع الشديد قبل نهاية السنة الجارية, وقالت إنّ من المخجل إستخدام المجاعة سلاحا في الحروب. وحذر مسؤول الشؤون الإنسانية في الأممالمتحدة في تصريحات، من أن محاولات مقاومة المجاعة في اليمن أصبحت في طريق مسدود، في ظل تفشي الأمراض وصعوبة الوصول إلى الموارد الغذائية، حيث يتزامن القصف المستمر واستهداف المدنيين من قوات التحالف المدعوم سعوديًا، مع استهداف التحالف نفسه للمعابر البحرية والحدودية، وهو ما يقف حائلًا أمام تزويد البلاد بالمساعدات. وفي وقت سابق, قالت منظّمة “اليونيسيف” إنّ اليمن يعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم, وينحدر بشكل مطرد نحو المجاعة. وكانت الأمم المتّحدة أعلنت في شهر ماي الماضي أنّ اليمن يواجه أكبر أزمة إنسانية في العالم. وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك إنّ النّزاع في اليمن يشهد تزايدا في القيود على العمل الإنساني مع وجود 22 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة, وأكّد أن خطر المجاعة يهدّد نحو 8.5 ملايين. ووصف مارك لوكوك الحالة بأنها “قاتمة” وأبلغ مجلس الأمن بأن الوضع “تدهور بطريقة مقلقة في الأسابيع الأخيرة”، مضيفًا أنه “ربما نكون الآن على وشك الوصول إلى نقطة تحول، وبعد ذلك سيكون من المستحيل منع وقوع خسائر كبيرة في الأرواح نتيجة للمجاعة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد”. وأكد أن ثمة دلالات عديدة على الظروف الشبيهة بالمجاعة، بما في ذلك الحالات التي يأكل فيها الناس أوراق الشجر. وفي سياق متصل, دعت مفوضة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشلي التحالف السعودي الإماراتي لإظهار شفافية أكبر في قواعد الإشتباك التي يتّبعها في اليمن, ومعاقبة المسؤولين عن الضّربات التي أودت بحياة مدنيين هناك. وجاءت دعوة باشلي اليوم في أول خطاب لها بمجلس حقوق الإنسان منذ توليها منصبها خلفا لزيد بن رعد. وكانت المفوضية السامية لحقوق الإنسان أصدرت نهاية أوت الماضي تقريرا بشأن جرائم حرب في اليمن, ترتكبها القوّات السّعودية والإماراتيّة وأفراد من الحكومة اليمنية و”سلطات الأمر الواقع” في إشارة إلى جماعة الحوثيين المسيطرة على السلطة في صنعاء والعديد من المحافظات اليمنية. وكشف تقرير مفوضية حقوق الإنسان أنّ معظم ضحايا غارات التّحالف الإماراتي السعودي كانوا مدنيين, وقدر مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عدد القتلى المدنيين في اليمن منذ مارس 2015 ب6660 قتيلا. وذكر التقرير الأممي أيضا ضباطا إماراتيين اغتصبوا العديد من المعتقلين في اليمن, وإرتكبوا أعمال عنف جنسي بأدوات مختلفة, كما أشار إلى إرتكاب تجاوزات بحق بعض المعتقلين في مراكز الاحتجاز. وحسب تقرير لمنظمة “أنقذوا الأطفال”، فقد قُتل ما لا يقل عن 349 مدنيًا في الحديدة منذ 13 جويلية 2018، عندما شنت السعودية والإمارات، وقوات موالية لهما هجومًا لاستعادة هذا الميناء الاستراتيجي، مضيفة أن “الحديدة” ضمت 51% من إجمالي الإصابات في صفوف المدنيين بين شهري جويلية وأوت، حيث أشارت المنظمة أن 685 مدنيًا على الأقل قد قتلوا في إجمالي البلاد خلال هذه الفترة. لكن، بينما تعرض التحالف السعودي لانتقادات واسعة بسبب استمرار حالات قصف المدنيين والأطفال، التي لم تكن الغارة على حافلة لطلاب المدارس في صعدة آخرها، كما أن هناك إدانات للتحالف بسبب لجنة التحقيق التابعة له، التي تقوم بتبرئة كل هجوم يُدان به. وكانت لجنة التحقيق المذكورة، قد قالت عن أكثر من حالة قصف أطفال ومدنيين، بأنها خطوات مشروعة، ولا تخالف القوانين الدولية والإنسانية.