قد يكون مرضا او أزمة نفسية أو ربما رسالة تُترجم واقعا اقتصادي مزؤوم ، قد تكون صرخة استغاثة مُوجهة لمن سيعثر على الجثة أوّلا أو ربما رسالة يقول صاحبها فيها “أنا لست على ما يرام”. كثيرة هي اسباب و مُسببات الانتحار ، حتّى أنّ الخبراء و الأخصائيين الذين اشتغلوا على هذه الظاهرة اعتبروا أنها معقدة للغاية و من الصعب رصد تفاصيلها بسهولة ، لكن يتفق الكثيرون في تونس أن التغييرات الطارئة والمتسارعة على المشهد الإجتماعي والإقتصادي قد تكون ضخيرة تُشعل لهيب المُنتحرين. و منذ بداية سنة 2018 تم تسجيل 281 حالة ومحاولة انتحار، منهم 45 حالة بين الأطفال دون سن ال15 عاماً، وهو ما نسبته 16% من إجمالي الحالات، حسب إحصائية صادرة عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية . كما أفاد ذات المصدر أن حالات ومحاولات الإنتحار في تونس بلغت 34 حالة وهي إحصائيات أجمع عدد من الخبراء في علم النفس وعلم الإجتماع على أن تسارع الأحداث والتغييرات الطارئة على المشهد الاجتماعي والاقتصادي تساهم في مزيد استفحالها. و في السنة الماضية وصلت أعداد حالات ومحاولات الانتحار إلى 462؛ 34 منهم أطفال دون ال15 سنة، وفي سنة 2016 وصل العدد إلى 583 حالة؛ منها 40 حالة لأطفال من نفس الفئة العمرية، حسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وأشارت المختصة في علم الاجتماع رحمة بن سليمان في هذا الصدد الى أنّ الانتحار هو ظاهرة اجتماعية مرتبطة بعدة متغيرات وقد ارتفعت نسب الانتحار أو الاقدام عليه في المدّة الأخيرة بسبب عدم قدرة الشخص على تحمّل التغييرات الطارئة والمتسارعة على المشهد الإجتماعي والإقتصادي وحتى السياسي أو العيش وسط ما يعرف في علم النفس الإجتماعي بمجتمع المخاطر الذي يجعل الفرد غير قادر على استيعاب ما يدور حوله من تعاقب متسارع للأحداث حسب تقديرها. وأضافت أن دوافع هذه الظاهرة الاجتماعية المنتشرة لدى الشباب تحت اطار نظرية الحرمان النسبي أي أن الشباب التونسي بعد اندلاع ثورة 14 جانفي ارتفع سقف انتظاراته وعلّق آمالا كبيرة على تغير الوضع الاجتماعي والمهني خصوصا الا أنه لم يجد ما يرنو اليه حيث اصطدمت هذه الإنتظارات بواقع عجز الدولة على تحقيقها مما ولد بداخله صراع نفسي تشكل في تمظهرات مختلفة على غرار الإحتجاجات العنيفة أو اللجوء إلى الإنتحار كحركة احتجاجية على الوضع العام وتعبيرعن الرفض واستحالة مواصلة العيش في مثل هاته الظروف. واعتبرت بن سليمان أن الفقر والتهميش والبطالة تؤدي إلى عجز الشاب على اثبات ذاته وتحقيق كرامته و هو ما يدفعه الى فكرة الانتحار و الاقدام عليه مشددة على أنّ هاته العوامل وإن ساهمت في إرتفاع نسب الانتحار بالبلاد إلا أنّ ذلك يختلف من فرد لآخر من خلال حسن إدارة الأزمة الاجتماعية التي يعيشها وفق آليات دفاعية مرتبطة مباشرة بالخصوصية النفسية للشخص. من جهته أرجع المختص في علم النفس أنور جراية أسباب ظاهرة الانتحار أو الإقدام عليه الى الشعور باليأس وانسداد الآفاق بسبب دوافع شخصية أوعائلية أو اجتماعية أو ايدولوجية مؤكدا في هذا الخصوص أن حالات اليأس لدى الشباب تعود أساسا الى البطالة و انسداد الآفاق المهنية و الوظيفية خاصة لدى أصحاب الشهادات العليا والإفتقار لأساسيات العيش الكريم. واعتبر أن الانتحار تختلف أشكاله فهنالك المباشر و غير المباشر على غرار العمليات الإنتحارية الإرهابية التي يقوم بها الشاب لدى استقطابه من طرف الجهات الإرهابية الى جانب الهجرة غير الشرعية التي تحمل معها قوارب الموت. أما رئيس الجمعية الوطنية للاولياء و المربين مصطفى الفرشيشي فاعتبر أن الفراغ العاطفي والتهميش الأسري والتقصير في تأطير الأبناء الى جانب عدم استقرار الأسرة كلها من مسبّبات الانتحار والاقدام عليه. وحسب تقريرالمنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية تستأثر فئة الذكور بعدد حالات ومحاولات الانتحار المسجلة (27 حالة) والاناث 7 حالات وتستحوذ الفئة العمرية الشابة من 16 الى 35 سنة على 55 بالمائة من الحالات المسجلة فيما تبلغ هذه النسبة لدى الفئة العمرية الأقل من 15 سنة 9 بالمائة. وتتقدم ولاية قفصة جهات البلاد بتسجيلها ل (13 حالة) خلال شهر سبتمبر الماضي تليها ولاية القيروان (4 حالات) ثم ولاية نابل(3 حالات) والمنستير حالتين.