دخل البلاد ليلاً، على أطراف أصابعه و وسط غياب الأنظار، تمّ اخفاؤه و لم يستطع مُقابلة الشعب وجها لوجه، لم يستطع النظر حتّى في وجوه الصُحفيين ، او انتظار حلول الشمس ، مكث لساعات قليلة و رحل مستعجلا في طائرته الخاصّة ، نحن هنا لا نتحدث عن سارق او مجرم مطلوب للعدالة بل نتحدث عن أمير سعودي يُدعى محمد بن سلمان . هكذا حاول الامير السعودي تقليص و اختصار زيارته تماهيا و امتثالاً للنّصائح المُقدّمة من قبل مستشاريه الذين أكّدوا له مرارا و تكرارا أنّه غير مُرحب به في تونس، فصوره الدمويّة مُنتشره في ساحات العاصمة و القضايا المرفوعة ضده من قبل صحفيين و محاميين تُنذر بالخطر، امّا الشّعب فقد قال كلمته و كرّرها كثيرا ” لا اهلا و لا سهلا “.. نحن نكرهك” ، اما رئيسهم يا مولاي فقد اضطرّ اضطرارا لاستقبالك، اضطرار المغلوب على أمره ، فهو يستحقك مثلما تستحقّه تمامًا ! سُويعات معدودة ، هي مدة الزيارة التي قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لتونس قبل أن يغادرها،دون عقد مؤتمر صحفي، مكتفيا بالتقاط صور من قبل مصوري قصر الرئاسة، لم يتجرأ حتّى على مقابلة المواطنين العُزّل و لا حتّى مصافحتهم ، كيف ذلك وهو يعلم علم اليقين انّه في حضرة أول بلد عربي ينتفض احتجاجا على زيارته، احتجاجٌ انعكس بريقه على أعمدة الصحف الأجنبية ، التي أشادت بالوعي الديمقراطي لشعب تونس. و في مقال نشرته صحيفة الواشنطن بوست على موقعها الإلكتروني و ترجمه موقع ” باب نت” ،أشاد الكاتب بول شيم بالشعب التونسي و اعتبر شيم أنه لا يتعين على القادة العرب إجمالا القلق بشأن المتظاهرين عند زيارتهم لجيرانهم في ظل وجود قوانين غير رسمية رادعة لمنتقدي الدول الشقيقة ورؤسائها غير ان هذه القاعدة تشذ في تونس المختلفة عن كل دول العالم العربي حيث عبر الشارع في مهد الربيع العربي عن امتعاضه وعدم ترحابه لزيارة مرتقبة لولي العهد السعودي لقصر قرطاج على هامش جولة دولية تنتهي في الارجنتين اين سيحضر قمة العشرين. و بمجرد إذاعة خبر زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتونس، الأسبوع الماضي ، حتّى انتفض البلد بحقوقييه و صحافييه و مثقفيه ضدّ هذه الزيارة ، رافعا شعار ” لا لتدنيس ارض الثورة” في وجه طغاة العالم. هذا و شارك مئات المواطنين في أول احتجاجات بالعالم العربي ضد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حيث اتهموه بالضلوع في قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي كمّا حملوه مسؤولية الجرائم التي تقع في اليمن. و في مؤتمر صحافي عبرت 14 منظمة تونسية، بينها نقابة الصحافيين ومركز تونس لحرية الصحافة وجمعيات النساء الديمقراطية ومنظمات حقوقية عن رفضها لاستقبال بن سلمان و قرّرت نقابة الصحافيين من جانبها رفع دعوى قضائية ضد زيارة بن سلمان. واعتبرت نقابة الصحفيين في رسالة مفتوحة وجهتها إلى الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي أن الهدف من زيارة محمد بن سلمان إلى تونس تبييض سجله الدامي، على خلفية تورطه ونظام الحكم في بلاده في جرائم بشعة تمس حقوق الإنسان، لعلّ آخرها جريمة اغتيال الكاتب الصحفي جمال خاشقجي، حيث تشير تقارير دولية إلى تورط بن سلمان نفسه في هذه الجريمة النّكراء. واعتبرت الرسالة أن ولي العهد السعودي يشكل خطرا على الأمن والسلم في المنطقة والعالم، وأنه عدو حقيقي لحرية التعبير، وفق نص البلاغ.