لا يزال صدى المحاضرة التي ألقاها رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في “مركز الدراسات الاستراتيجية والديبلوماسية” يوم في 12 جانفي 2019، متواصلا، وقد لقيت اهتماما وتناولا إعلاميّا واسعين، بين التغطية العادية وتحليل المضامين. وكان الغنوشي قد شارك في ندوة حوارية مفتوحة نظّمها مركز الدراسات تحت عنوان "مسار الثورة بعد حصيلة ثمان سنوات.. رؤية واستشراف" حول جملة من القضايا الوطنية والإقليمية؛ شملت الحديث عن الثورة والديمقراطية والحداثة. وقد اختلفت القراءات للمحاضرة التي ألقاها زعيم حركة النهضة بين محلّل ومثمّن وناقد. وفي مقال تحليلي صدر بالصحيفة الورقية العمومية “الصحافة اليوم”، في 13 جانفي 2019، تحت عنوان خطاب ناعم يمجّد «التوافق»… ويبرّئ خضر؟!، سلّط الصحفي مراد علالة الضوء على “النعومة الى المدى الأقصى والحرص الاستثنائي والشديد على التشبث بالتوافق وتلابيبه ومعانيه وتلويناته وتمظهراته”، وفق تعبيره. وانطلاقا ممّا ورد على لسان الغنوشي “أيدينا ممدودة لكل توافق، لكل الأطراف لاستكمال المسار، وصف الصحفي المحاضرة ب”محاضرة المصالحة” أو “محاضرة الأيادي الممدودة”، معتبرا أن الغنوشي “وصل مرحلة رمي الورود والرسائل المباشرة والمشفرة للجميع “. ولم يفت الصحفي، المعروف بقربه من الجبهة الشعبية، أن يركّز على موقف الغنوشي من مسألة ما يعرف ب”الجهاز السرّي” لحركة النهضة وعلاقتها ب”مصطفى خضر” مشكّكا ضمنيا في تبرؤ الغنوشي وحركته من الاتهامات التي توجهها إليها هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي. وفي الصحيفة ذاتها، صدر بتاريخ 15 جانفي 2019، يومان بعد المحاضرة، مقال لرئيس التحرير الهاشمي نويرة مقال بعنوان “الثالوث المحرّم” في خطاب الغنوشي: “الحقيقة.. الديمقراطية والحداثة” رسائل بالجملة للداخل والخارج، اعتبر فيه أن المحاضرة التي ألقاها الغنوشي تمثّل الخطة السياسية لحركة النهضة خلال المرحلة القادمة، مشيرا إلى أنّها ترتكز على جملة من الأسس أبرزها الحفاظ على النظام السياسي الحالي وتصالح هوية الدولة والشعب مع الذات الوطنية والتمسّك بالنظام الانتخابي. ونوّه المقال بأنّ الغنوشي، الذي اعتبر أن “كلمته خيطت بشكل جيد”، وجّه من خلالها رسائل ضمنية إلى الداخل والخارج ؛ فخارجيا قال إن “الثورة التونسية تبقى منتجا تونسيا غير قابل للتصدير ولكنه ملهم للشعوب لتختار مسارها الثوري ومسارها الانتقالي” . أما داخليا، فاعتبر نويرة أن الغنوشي بعث من خلال كلمته رسائل إلى مختلف الأطراف، أوّلها رئيس الحكومة يوسف الشاهد في إشارة إلى كلمته التي حدّد فيها “تاريخ صلوحيته بتاريخ إنجاز الانتخابات والتي لن يكون مشمولا بها”، وإلى المزمعين الترشح إلى سباق الرئاسيات في موفى 2019، حيث أنّه أعلن بصريح العبارة عدم نيته الترشح في الانتخابات القادمة ، وإلى “الأحزاب وأنصار النظام السابق تحديدا” حيث اعتبر أن من “أهم عوامل النجاح في التحول من الثورة إلى الانتقال الديمقراطي هي إسقاط قانون العزل السياسي والدستور التوافقي (..) وأن تونس الذكية لم تكن تحتاج إلى تحطيم الماضي بكل ما فيه ولا إلى تعليق المشانق..” … أما صحيفة “المغرب” الورقية فقد أصدرت في 13 جانفي 2019 مقالا بعنوان “راشد الغنوشي يفصح عن خطة حركة النهضة ل 2019 قرابين النهضة لرئيس الدولة مقابل …” لرئيس تحريرها زياد كريشان ، اعتبر فيه أن كلمة الغنوشي تقدّم “ملامح الخطة النهضوية في هذه السنة السياسية والانتخابية ذات الرهانات الكبرى والمخاطر المرتفعة”. كما ركّز كريشان في مقاله على “تشبثه بالتوافق مع رئيس الدولة وحزبه النداء قبل الانتخابات وبعدها وذلك أيا كانت نتيجتها بما يفيد ضمنيا بأن النهضة حتى لو ربحت الانتخابات التشريعية القادمة فهي لن تتصرف بمنطوق 2011 بل بما يقترب أكثر مما حصل في 2014 دون تحديد مسبق لشكل هذه التوافق”. وعقّب الأستاذ راشد الغنوشي على المقال في عدد المغرب ليوم 16 جانفي 2019 بمقال عنوانه “الثورة والقرابين المتخيلة” وقال: “أطمئنكم بأننا لسنا في وضع تقديم القرابين بل مواصلة ترسيخ مقومات الانتقال الديمقراطي واستكمال مؤسسات الجمهورية الثانية ودولة القانون التي يتساوى أمامها الجميع. اذا كانت عاداتنا تقديم القرابين فلماذا لم نفعل ذلك مع الزعيم بورقيبة رحمه الله؟ ولماذا لم نفعل ذلك مع بن علي؟ لقد حاولوا استدراج نهضة الداخل لتقديم قرابين من قيادات الخارج أو الداخل وباءت المحاولة بالفشل ولهذا بقيت النهضة الحزب الوحيد الذي لم يشهد انشقاقا يذكر، أما القربان الوحيد الذي قدمته النهضة فكانت التنازل عن السلطة سنة 2013 لإنقاذ الثورة وتجنيب تونس مصير تجارب الربيع العربي الأخرى”. وتابع قائلا: “لا نستغرب أن يعمد غير الديمقراطيين إلى كل الأساليب للتشويش على المسار والتشويه والشيطنة وافتعال القضايا المختلفة ولكن ذلك لم يمنع مناضلات النهضة ومناضليها ومعهم كل المناضلين الشرفاء من كل العائلات السياسية لإنجاح استحقاقات هذه السنة والذهاب الى عهدة انتخابية جديدة شعارها التنمية لا المزايدات والمهاترات”. وفي صحيفة “العرب” اللندنية، كتب الصحفي أمين بن مسعود مقالا تحت عنوان “تونس: النهضة وتطويق قصر قرطاج”، بتاريخ 15 جانفي 2019، تعرّض فيه إلى خطاب راشد الغنوشي مشيرا إلى أنّه يتمحور حول مستويين يتمثلان في مساعي الحركة إلى التقرب من جلّ الأطياف السياسية من جهة ، والمشاركة الفعلية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة (مع التطرق إلى موضوع التوافق) من جهة أخرى. كما اعتبر بن مسعود أن “النهضة تريد تشريكا في الحكم الرئاسي وتمثيلا في القصر، ذلك أن ابتعادها عن قرطاج جعل القصر مناط تشكل سياسات اجتماعية وأمنية مضادة لها” . وبتاريخ 17 جانفي 2019، صدر مقال تحليلي بموقع “العربي الجديد” تحت عنوان “رسائل الغنوشي للسبسي والشاهد: بوادر تغيّر؟” لوليد التليلي، اعتبر فيه أن كلمة الغنوشي وردت”، حاملةً رسائل مهمة، خصوصاً لرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد” . وركّز بالخصوص على تحليل فرضية ما إذا من الوارد أن تحدث شراكة سياسية بين النهضة والحزب “المنتظر” ليوسف الشاهد، مستشهدا بقول الغنوشي إن “لا وجود لعقد شراكة بيننا وبين رئيس الحكومة” وإن “الشراكة في المستقبل تحتاج إلى برمجة، وهو ما لم يتم إلى حدّ الآن”. كما ربط التليلي اللقاء الأخير “غير الناجح” -وفق تعبيره- الذي جمع السبسي بالغنوشي بالإيحاءات الواردة في محاضرة هذا الأخير له، في علاقة بجملة من الملفات أبرزها تعطل تركيز المحكمة الدستورية وإمكانية تأجيل الانتخابات ..إلخ وبدوره، نشر موقع “عربي21” مقالا تحت عنوان “الغنوشي يحسم موقفه من الترشح لرئاسة الجمهورية”، بتاريخ 21 جانفي 2019، للصحفية أمال الهلالي تناولت كلمة الغنوشي ووظفت التحليل الوارد في مقال لمحمد بوعود الذي يقول إن “الغنوشي لم يقطع الأمل يوما في استمرار التوافق مع السبسي وحزبه لكنه قد يكون أراد في وقت ما أن يراهن على الجواد الرابح حين ظن أن الرئيس قد انتهى سياسيا وبأن البديل القوي هو رئيس الحكومة يوسف الشاهد”، وأن “حرصه على التوافق في الحكم مع أي حزب هو سياسة متبعة من الحركة رغبة منها في عدم الحكم بمفردهم وتحمل تبعات ذلك، وأن التوافق مع السبسي كان قد أعطى للنهضة نوعا من الحصانة السياسية”. فهرس المقالات: خطاب ناعم يمجّد «التوافق»… ويبرّئ خضر؟! (مراد علالة/ الصحافة اليوم/ 13 جانفي 2019) “الثالوث المحرّم” في خطاب الغنوشي: “الحقيقة.. الديمقريطية والحداثة”، رسائل بالجملة للداخل والخارج، الهاشمي نويرة، الصحافة اليوم، 15 جانفي 2019. راشد الغنوشي يفصح عن خطة حركة النهضة ل 2019 قرابين النهضة لرئيس الدولة مقابل.. زياد كريشان، جريدة المغرب، 15 جانفي 2019. “الثورة والقرابين المتخيلة”، راشد الغنوشي، المغرب، 16 جانفي 2019. تونس: النهضة وتطويق قصر قرطاج، أمين بن مسعود، صحيفة العرب اللندنية، 15 جانفي 2019. “رسائل الغنوشي للسبسي والشاهد: بوادر تغيّر؟”، وليد التليلي، العربي الجديد، 17 جانفي 2019. “الغنوشي يحسم موقفه من الترشح لرئاسة الجمهورية”، أمال الهلالي، عربي21/ 12 جانفي 2019.