تُشير كلّ المؤشّراتُ والمستجدات، إلى أن المشهد السياسي قد يشهد تغيرات في العمق وتطورات كبرى قد تؤثر في طبيعة المناخ العام في تونس ،فغاية الكلّ الآن هي ضمان الفوز بالانتخابات القادمة، تشريعية كانت أم رئاسية. وبدأت الاستعدادات حثيثة قبل أشهر من الحدث الأكبر لسنة 2019، وشهدت أحزاب تعبئةً مُقابل تفرغة أخرى، وعرفت الساحة السياسة ظهور شخصيات اختفت منذ نهاية الاستحقاق الماضي لسنة 2014، فيما استغلت أطراف سياسية أذرعها الإعلامية، إمّا للدّعم أو التشويه. واختار آخرون الساحة القضائية لإدارة المعارك، فيما نزل آخرون للشّارع، واتّجه البعض للعمل في صمت، كلّ ذلك يُنذر بأن المرحلة القادمة ستكون أصعب وفي مستوى أهمية الانتخابات التشريعية والرئاسية، خاصّة وأنّ هذه الأخيرة ستكون بمثابة الميزان الذي سيحدّد ثقل كل حاب وموقعه ضمن الترتيب النّهائي. تغيّرات جديدة لم يكن أحدٌ ليتوقّع قبل سنة من الآن أن السّاحة السياسة ستشهد ميلاد حزبٍ قد يقلب كلّ الموازين وقد يكون سببا في تفرغة أحزابٍ في حسابه، ولم يكن أحد ليتوقع أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي كان يعدّ أحد أبناء نداء تونس سيتحول إلى أشدّ أعدائه وربّما قد يتسبب في تراجع النداء في الانتخابات القادمة، هذا الأمر لم يخفه أنصار الشاهد الذين أكدوا وبصحيح العبارة أنّ نداء تونس فشل في المُحافظة على ثقة الناخبين وبالتالي فهم يُعلنون أنّهم “البديل”. حزب يوسف الشاهد “تحيا تونس” الذي أعلن عنه يوم الأحد 27 حانفي بالمنستير، استطاع في ظرف قياسي يقلّ عن السنة استقطاب أكبر عددٍ من الندائيين المستقيلين وجميع نواب آفاق تونس بالبرلمان ونوّاب الاتحاد الوطني الحر لسليم الرياحي والمستقيلين من مشروع تونس لمحسن مرزوق مع إمكانية التحاق الأخير بالحزب الجديد انضماما أو تحالفا، كما يضمّ المشروع السياسي وزراء وإطارات دولة ورجال أعمال. سباقُ الرّئاسة على الرغم من أن موعد الاقتراع تفصلنا عنه بضعة أشهر، إلا أن سباق الانتخابات بدأ بالتصاعد، من خلال إعلان وجوه سياسية مختلفة عزمها على خوض معترك الانتخابات الرئاسية. ولم ينف، كما لم يُؤكّد رئيس الجمهورية الحالي الباجي قايد السبسي ترشحه لولاية ثانية، وقال السبسي في حوار لصحيفة العرب “اليوم الذي أقرّر فيه الترشح من عدمه، سيكون حافزي الحقيقي هو مصلحة تونس… إذا كانت مصلحة تونس تقتضي شخصا آخر نساعده في ذلك… وإذا اقتضت المصلحة وجودي وقتها سأفكر في الترشح.” وعمد زعيم الجبهة الشعبية حمة الهمامي شهر أكتوبر الماضي إلى نشر صوره وهو يساعد المواطنين في تنظيف الشوارع بجهة نابل اثر الفيضانات، كما جالس حمّة الهمامي المواطنين واستمع لمشاغلهم، في نشاط اعتبره البعض تمهيدا للاستحقاق الرئاسي. وعلّق عديد النشطاء بالقول “يبدو أن الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمّة الهمامي شرع مبكّرا في حملته للانتخابات الرئاسية 2019 رغم أنه لم يعد محل توافق حتى صلب الجبهة التى طالب عدد من قياداتها بإبعاده من زعامتها”. كما عاد الرئيس السابق المنصف المرزوقي إلى الساحة السياسة وهو لا يخفي رغبته في العودة إلى الحكم وإزاحة “التمساح” في إشارة إلى نداء تونس، إلاّ أن المنصف المرزوقي ورغم شعبيته لدى القوى الثوريّة يفتقر لكيان سياسي يدعمه خصوصا بعد تفكّك حزبه حراك تونس الإرادة الذي لم يتفق مع خيارات المرزوقي في جعل الرئاسيات من أولويات الحزب. كما كشف الأستاذ في القانون الدستوري قيس سعيد، عن ترشحه للانتخابات الرئاسية، مُعتبرا أن تحمل هذه المسؤولية “هما وغما وابتلاء”، لكنه في المقابل يُؤكد تحملها انطلاقا من “شعور عميق بالواجب”، على حدّ قوله. وأعلن القاضي والمتحدث السابق باسم وزارة الداخلية، وليد الوقيني، في تدوينة على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، اعتزامه الترشح لرئاسة الجمهورية. ولم يُخف رئيس حزب المبادرة كمال مرجان نيّته للترشح للانتخابات الرئاسية، وأوضح مرجان في تصريح إذاعي أنه سيكون سعيدا إذا حظي بدعم حركة النهضة، مضيفا: “في كل الأحوال من سيرشحني هو حزبي وسأخدم بلدي.” وتسعى بقيّة الأحزاب إلى تسجيل حضورها في الانتخابات الرئاسية المقبلة، إما عبر ترشيح وجوهه تنتمي إليها، أو دعم أخرى قريبة منها. تطوّرٌ في تقنيّات المُنافسة من المُنتظر أن تكون المنافسة بين الأحزاب السياسية ساخنة وعلى مستوى أهمية هذا الاستحقاق الوطني ورمزيّته، إلاّ أن المنافسة وتقنيات إزاحة بالخصم اتخذت في الآونة الأخيرة سُبلا وأشكالا مُتعدّدة برزت في الساحة قبل صافرة البداية. من هذه التقنيات، تشويه الخصم بقضايا وهميّة، وتجنيد وسائل الإعلام لتشويه المنافسين، وافتعال قضايا لإثارة الرأي العام وغيرها من الأساليب المبتكرة في استحضار أجواء ومناخ انتخابات 2014 وما سبقها من تشويه للخصوم والنيل منهم في المنابر الإعلامية. كما تحولت القنوات الإعلامية التونسية الخاصة والعمومية إلى بوق دعاية مع اقتراب الاستحقاق الوطني وحاد الخطاب الإعلامي في بعض المضامين التلفزية عن دوره في النقد والتوجيه إلى الهجوم والثّلب والتّأليب. كما طبعت الفوضى تحركات بعض السياسيين الذين تشتّتوا بين العمل على كسب الرهان الانتخابي وابتكار طرقٍ أقل صُعوبة وتكلفة، فانطلق بعضهم في العمل على الاستثمار في التحرّكات الاحتجاجية، وانتقاد الحكومة وشيطنة الخصوم السياسيين ورفع القضايا وتأليب الشّارع، ولفت الانظار وإثبات الوجود. ويبدو الحرص على منصب رئاسة الجمهورية، في نظام شبه برلماني، تركيزا على أولوية ضعيفة في توازن السلطات، وثبت ذلك في ما أقدم عليه رئيس الحكومة يوسف الشاهد من فرض للتحوير الحكومي الجزئي الأخير أمرا واقعا رضي به رئيس الجمهورية رغم تبرّمه من تجاوزه في بعض المسائل الإجرائية المعمول بها. وكأنّ أغلب السياسيين التونسيين ما يزالون يعيشون بمخيال النظام الرئاسي وحكم الفرد واحتكاره للسلطات.