لا حديث في الفضاء العام سوى عن المدرسة القرآنية بمنطقة الرقاب من ولاية سيدي بوزيد، والّتي أغلقتها السلطات، مؤخرا بشبهة تورطها في الاتجار بالأطفال القصر وارتكاب انتهاكات جسيمةٍ بحقهم منها الجنسي والمعنوي. الخبرُ وعلى أهميّته تلقفتهُ الكثير من المحطات الإعلامية بكثير من الحذر نظرا لما يعكسه من حساسيات على جميع المستويات فيما انتظرت وسائل أخرى انقشاع الغيمة لتتضّح الرّؤية وتكشف التفاصيل، وآخرون استغلوا الخبر لغايات أخرى منها ما هو إيديولوجي ومنها ما هو متعلّق باصطفافات سياسية واقتناص الفرص لضرب الخصم خاصة وأننا على بُعد أمتار من استحقاق وطني غايةٍ في الأهمية، طائفة أخرى عمّمت ولم تُحفظ الشاذ بلْ قاست عليه ودخلت في حملة لشيطنة المدارس القرآنية وجميع مجالس حفظ القرآن. ورفع البعض شعارا لحملة يتمنّاها: “أغلقوا جميع مراكز الدين… الإسلام خطرٌ على أبنائنا”. وبدت المدرسة القرآنية، الخارجة عن القانون والأخلاق بالرقاب، بمثابة الغنيمة الثمينة لمُتصيّدي الفرص الذين تلقفوا الخبر بكثير من الانتشاء والتوجيه، لغايات سياسية وإيديولوجية، منهم من ربط ما مُورس من شذوذ في المدرسة بالإسلام عامّة ومنهم من تفنّن في رسم السيناريوهات عبر ربط المدرسة بهذا الحزب وذاك، وبالتالي إلى توجيه الناس إلى عدم انتخابه، ومنهم من انتقل إلى السرعة القصوى وطالب بالغلق الفوري لمدارس القرآن. ومن المُتوقّع أن نشهد في المرحلة المُقبلة مطالب من قبيل منع تدريس وحفظ القرآن في المدارس والروضات. لم تمرّ سويعات عن الحادث التي اهتزت له الأوساط الاجتماعية حتّى امتلأت المنابر الإعلامية والمحطات الإذاعية بالمحللين السياسيين والقيادات السياسية. فالحدث رغم بعده الاجتماعي البحت، طُوّع في الاستخدامات السياسية المُكرّرة والسيناريوهات الملفقة لغايات مشبوهة متعلقة باستحقاقات 2019، حيث صرف البعض النظر عما تعرض له الأطفال من انتهاكات جسيمة ليتحول الحادث أداةً سياسيةً تستخدم في تلفيق التهم والشّحن وصنع مناخات الاحتقان والاصطفافات الهووية العقيمة. وحذّر مراقبون وخبراء من استغلال الحادثة في جر البلاد لمربع الاستقطاب الإيديولوجي، ونشر هشام عجبوني القيادي في حزب التيار الديمقراطي تدوينة على صفحته الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك” أشار فيها إلى محاولة استغلال الحادثة لجرّ البلاد إلى مربع الاستقطاب الإيديولوجي، باستغلال الحادثة الأخيرة. وكتب هشام: “كل من يحاول جرّنا إلى مربّع الاستقطاب الإيديولوجي فيما عُرف بقضية الرّقاب، يخادع الرأي العام ويغذّي الصراعات الهووية العقيمة، وذلك بغايات سياسوية وانتخابوية. المسألة لا علاقة لها بتعليم القرآن، فالكتاتيب القرآنية الرسمية موجودة في كلّ مكان، وأغلب التونسيين يرسلون أبناءهم لتعلّم القرآن قبل دخول المدرسة أو في العُطل دون أي إشكال، وإنّما تتعلّق باحترام القانون وقيم الجمهوريّة وحقوق الأطفال”. والجرائم الجنسية المُمارسة على الأطفال كثيرة في تونس حيث تتلقى مندوبية حماية الطفولة سنويا 6 آلاف إشعار باعتداءات مختلفة على الأطفال من عنف لفظي ومادي واستغلال جنسي وصدرت بلاغات عديدة تتعلق باعتداءات جسيمة على رياض ومدارس للأطفال في تونس من بينها ما تعلّق مؤخّرا باعتداءات جسدية ولفظية على أشخاص ذوي إعاقة داخل دور رعاية خاصة. فالمسألة إذن لا تتعلق بمدرسة تدرس القرآن أو تعلّم اللغات أو تُلقّنُ الفنون، بقدر ما يتعلق بعدد المراكز الناشطة خارج الصيغ القانونية، ومقدار الرقابة المسلطة على رياض الأطفال التي تتطلب رقابة خاصّة ولصيقة. وانضمّت تونس إلى قوانين ومعاهدات واتفاقيّات دولية عدّة تتعلّق بحماية حقوق الطفل، آخرها اتفاقية “لانزاروت” مع مجلس أوروبا وتتعلّق بحماية الأطفال من الاستغلال والاعتداء الجنسيين. وكشفت آخر الإحصاءات الصادرة عن وحدة الطب الشرعي الاستعجالي في مستشفى “شارل نيكول”، تسجيل 800 حالة اغتصاب سنويا، 65 في المائة من الضحايا أطفال لم يتجاوزوا 18 عاما و80 في المائة منهم إناث. وكانت وزارة الداخلية أعلنت، الأحد، أنها ضبطت مدرسة قرآنية بمنطقة الرقاب التابعة لولاية سيدي بوزيد، تأوي 42 طفلا تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاما و27 راشدا بين 18 و35 عاما، في ظروف غير ملائمة ويتعرضون لسوء معاملة وانتهاكات جسدية، ولاستغلال اقتصادي. وأضافت الوزارة أنّها احتفظت بصاحب المدرسة بعد إذن النيابة العامة من أجل “الاتجار بالأشخاص، وبالاستغلال الاقتصادي لأطفال والاعتداء بالعنف”. ويجري في الوقت الحالي إيواء الأطفال في مراكز خاصة تتبع الدولة لمتابعة حالتهم النفسية والصحية، بينما ذكرت وزارة التربية في بيان لها أمس الإثنين، عن خطط لإدماجهم في مؤسسات تعليمية أو مراكز للتكوين المهني