لا شكّ أنّ الضّربة الموجعة الّتي تلقّتها المرافق العمومية الصحية إثر وفاة 15 رضيعا، ستكون بمثابة الفرصة التي ستستغلّها المصحات الخاصة لصالحها، والتي وفق أنباء موجزة، رفّعت من سعر عمليات التوليد بعد الفاجعة التي هزت تونس الأسبوع الماضي، والتي كشفت فظاعة المنظومة الصحيّة في تونس. لكنّ الأمر لم يقتصر على قطاع الصحة العمومية فقط، فقد تلت الفاجعة الأولى كارثة لا تقل عنها شأنا، تتعلق بتعرض 20 تلميذا وتلميذة لاعتداء جنسي من قبل مدرسهم بإحدى المدارس الابتدائيّة العموميّة بجهة صفاقس، ما تسبب في نشر حالة من الفزع في الجهة، ويبدو أن تتالي كارثتين تتعلقان بالمرافق العمومية في أقل من أسبوع، أعادت الحديث حول الغنائم الّتي من الممكن أن تحصدها المؤسسات الخاصة البديلة لقاء تردّي خدمات المرافق العمومية في تونس. ويجمع الخبراء وأهل الاختصاص على التردّي المريع التي تشهده خدمات القطاع العام على غرار الصحة والتعليم والنقل، حيث لم يتوقف القطاع ومنذ سنوات عن إنتاج الكوارث بسبب سوء التصرف والفساد والاختلاسات، ولا يستبعدُ مراقبون في هذا الشّأن وجود عمليّات استهداف دفينة بغاية ضرب هذه المؤسسات و تسريع التفويت فيها. وفي الطّرف المقابل عرفت المؤسسات الخاصة والتي تقدم خدمات صحية وتعليمية بديلة، تطوّرا ملحوظا في نسبة المقبلين عليها وفي الأرباح التي تدرّها سنويّا، ولا يخفي المختصون في هذا المجال وجود نوايا مبطنة لضرب المرافق العمومية لصالح المؤسسات الخاصة التي تسدي خدماتها مقابل آلاف الدينارات، ليجد المواطن التونسي نفسه أمام فرضتين لا ثالث لهما، إمّا التفويت في أمواله أو في نفسه. ورغم أسعارها المشطّة، يقبل آلاف التونسيين على المصحات الخاصة التي كانت حكرا على الأغنياء والطبقات الثرية، بعد تتالي الكوارث التي عرفتها المستشفيات العمومي، وفي هذا الإطار أثبتت الجمعية التونسية لمساعدة ضحايا الأخطاء الطبية أن حوالي 76 بالمائة من حالات ضحايا الأخطاء الطبية تسجل في المستشفيات العمومية، فيما تسبب المصحات الخاصة في 16 بالمائة من هذه الحالات. من جهة أخرى عرفت أسعار المدارس الخاصة ارتفاعا ملحوظا في السنوات الأخيرة، إذ أن كلّ الخدمات المُقدّمة في المدارس الخاصة تقدّم بمقابل حتى الأنشطة الرياضية والثقافية، وناهزت الأسعار الشهرية في بعض المدارس الخاصة ال 500 دينار وقد تتجاوز الألف دينار في الشهر في مدارس الأغلى والتي تقدم لحرفائها برامج تعليمية تتجاوب والشروط المستقبلية لسوق الشغل، على عكس المدارس العمومية التي تشهد سنة بعد سنة ترديا في مستوى خدماتها، على المستوى الإداري والبرامجي وحتّى التقييمي. ورغم الخدمات الجيدة التي تقدمها المؤسسات الخاصة، إلاّ أن ذلك لا يعني التّسليم لها أو تشجيعها على سلب أموال التونسيين خاصة وأنّ قراءات كثيرة أثبتت وجود نية لضرب المرفق العمومي لصالح الخاص، وبالتالي فإن مركز العطالة لن يُخفف إلاّ إذا برزت إرادة لمكافحة الفساد وسوء التصرف في مرافق الدولة، ناهيك عن كون المصالح الخاصة ليست بريئة من الفساد. ولا يمكن أن ننسى الفضيحة التي اهتزت لها تونس سنة 2016 والتي تتعلق بتورط 14 مصحة في قضية اللوالب الطبية منتهية الصلوحية.