لم يغب الخوض في انتخابات 2019 التشريعية والرئاسية عن تدخلات السياسيين في المحطات التلفزية وفي الجرائد الورقيّة وحتّى في جدرانهم الفايسبوكية، فقد أصبحت الانتخابات تشكل هاجسا لدى الفاعلين في المشهد السياسي وحتى غير الفاعلين منهم، فتراها حاضرة بقوة على سلوكيات و تحركات الأحزاب المتجهة نحو تكوين جبهات وتحالفات شعارها “منافسة حركة النهضة”. وأعلنت مجموعة قيادات حزبية وشخصيات وطنية هذا الأسبوع، عن إطلاق مبادرة سياسية، هي “ائتلاف قادرون”، لتجميع ورصّ صفوف التيارات والشخصيات التقدمية والديمقراطية في البلاد، وخلق توازن سياسي قادر على منافسة حزب “النهضة” في الانتخابات المقبلة، وفق ما يؤكده القائمون على هذه المبادرة. وباتت منافسة حركة النهضة هاجس الأحزاب السياسية، التي التجأت إلى عقد تحالفات ظرفية دون أن تجتمع على أرضية مشتركة أو برامج واضحة، ما يؤدي في العادة إلى انفراطها قبل تحقيق أهدافها، ويفسر مراقبون ذلك بأنّ الحسابات السياسية عادة ما تسيطر على عقلية الائتلافات التي تتكون لغايات واهداف سياسية مرحلية، تفك بعدها تلك الائتلافات لمجرد انتهاء صلوحيتها ومصالحها أو لعدم تناغم مكوناتها التي عادة ما تتصارع فيما بينها وتحيد عن الهدف الأساسي. ويعزو محللون هذا الفشل إلى عدم تماسك تجارب الائتلافات بين الأحزاب القريبة فكريا، فيما يرى آخرون أن عدم اتضاح الرؤية لهذه الأحزاب مجتمعةً وحصر برامجها على منافسة حركة النهضة والمراهنة على مصطلحات الاستقطاب الثنائي يعدّ سببا رئيسيا في هذه النتائج. في المقابل، شدّد المنسق العام للائتلاف الجديد، محمود بن رمضان، على أن المؤسسين يجمعهم هدف أساسي “هو إنقاذ البلاد وإخراجها من الأزمة الخانقة التي مسّت كل المجالات، والتي تخيم على تونس منذ سنوات”، مؤكداً أن الائتلاف “سيخوض الانتخابات المقبلة، وسيمثل أرضية منظمة ومهيكلة، على غرار حزب النهضة الذي يعد الحزب السياسي الوحيد المنظم والمهيكل حالياً”. وتضم المبادرة 200 شخصية مؤسسة، منها كوادر حزبية وشخصيات وطنية ونواب ووزراء سابقون، كما تجمع حزب “المستقبل” برئاسة الطاهر بن حسين والحركة الديمقراطية التي يترأسها أحمد نجيب الشابي وحزب المسار الديمقراطي التقدمي الذي لا يزال يدرس قرار الانضمام. وعرفت تونس بعد الثورة تشكل جبهات وتحالفات سياسية على غرار جبهة الانقاذ والتقدم وتجربة الاتحاد المدني التي ضمت 11 حزبا من بينها مشروع تونس، إلا أن هذه التحالفات والتي اجتمعت تحت شعار “مناهضة حركة النهضة”، كان مصيرها الفشل والتلاشي، دون تأثير يُذكر، وهو أمر يفسره الخبراء بغياب الخبرة السياسية لدى غالبية قيادات الأحزاب التونسية، وسيطرة النزعة الفردية عليها والزعاماتية المفرطة، وغياب المؤسسات، ما يجعل أي عمل حزبي مشترك نتاج حالة مزاجية لرؤساء الأحزاب، تتغير بتغير المصالح والأحداث.